أصدر مجلس الدولة التركي، وهو أعلى سلطة قضائية في تركيا حكماً ببطلان قرار تحويل آيا صوفيا إلى متحف، ما يعني أنّه سيعود مسجداً بعد 86 عاماً من تحويله لمتحف. وجاء في حيثيات القرار أنّ آيا صوفيا مدون في وثيقة سند الملكية بتوصيف مسجد ولا يمكن تغييره.
القرار الذي من المتوقّع أن يثير أزمات و حرب تصريحات بين تركيا وبين بعض الدول المسيحيّة، سيكون له انعكاسٌ أيضاً على الداخل التركي، خصوصاً أنّ الرئيس رجب طيب أردوغان يقف بنفسه وراء هذا دعم هذا القرار الذي صدر اليوم، وهو من أوائل من صرّحوا عبر سنواتٍ طويلة أنّ هذا المتحف يجب أن يعود إلى ما كان عليه، أي مسجداً طيلة أكثر من أربعة قرون.
هل سيعود آيا صوفيا مسجداً فوراً؟
يثار النقاش على مواقع التواصل الاجتماعي التركية حول القرار، وهل سيعود المتحف مباشرةً إلى مسجد؟ خصوصاً أنّ اليونسكو حذَّرت من أيّ تغييرٍ يطال آيا صوفيا، فالمتحف بشكله الحالي ضمن قائمة لجنة التراث العالمي منذ عام 1985.
كانت اليونسكو قد أبلغت تركيا باعتراضها تحويل المتحف إلى مسجد عبر سفير تركيا لدى المنظمة، معتبرةً أنّ على تركيا إبلاغ المنظمة بأيِّ تغييرات قد تطرأ على آيا صوفيا لتتأكّد من عدم إجراء تعديل يمسّ "القيمة العالمية البارزة لآيا صوفيا" وفق تعبير المنظمة.
وقد نشرت صحيفة ديلي صباح التركية تقريراً الشهر الماضي ليجيب عن سؤال هل ستصبح آيا صوفيا مسجداً بشكلٍ كامل أم لا، وتشير الصحيفة أنّ الحكومة التركية لم تشارك المستوى الذي سيفتح به آيا صوفيا مسجداً، وتخمِّن الصحيفة أنّ الحكومة قد تكون راضية بتحوُّلٍ رمزيّ مثل رفع الأذان من مآذن ومنارات آيا صوفيا، بينما يعتقد البعض أنّ الفتح سيكون للجزء الذي يصلِّي فيه المسلمون فقط من آيا صوفيا، بينما تتبقّى لواحقها متحفاً.
وقد نشرت صحيفة يني شفق التركيّة تقريراً أمس يفيد بأنّ القرار الذي صدر منذ قليل يجب تنفيذه في غضون 30 يوماً فقط من إعلان القرار. لكن خرج الرئيس التركي اليوم ليعلن عن أول صلاة جمعة في المسجد يوم 24 يوليو/تموز الجاري.
وتشير الصحيفة أنّ محمد الفاتح حين فتح القسطنطينية وحوّل آيا صوفيا لمسجد، حوله دون الإضرار بالنسيج التاريخي والمعماري للمبنى، كما بنى مسجداً آخر إلى جانب آيا صوفيا أيضاً.
والجدير بالذكر أنّ آيا صوفيا بوضعه الحالي ليس نفس المبنى الذي حوله العثمانيون حين فتحوا القسطنطينية، بل إنّ السلاطين العثمانيين رمّموه وطوروه مراراً، إما بسبب الهزات الأرضية أو الحرائق التي كانت تلحقه.
فحين تنظر لآيا صوفيا من الخارج ستجد مآذن بناها السلاطين العثمانيون المتلاحقين، إلى جانب القبّة الرئيسية التي بنيت بها كنيسة آيا صوفيا.
ولكنّك عندما تدخل آيا صوفيا ورغم بقاء بعض الآثار المسيحيّة التي طمسها العثمانيون دون أن يحذفوها من المبنى، ستجد أيضاً ثماني لوحاتٍ كبُرى تتضمّن كل واحدة اسماً بهذا الترتيب: لفظ الجلالة واسم النبي محمد والصحابة الخلفاء الأربعة وحفيدا النبي الحسن والحسين.
وتعتبر تلك اللوحات هي الأكبر في العالم، فقُطر كل واحدة منها يبلغ 7.5 أمتار، وصمّمت من قماش الأشرعة من قبل القاضي العسكري مصطفى عزت أفندي، وصنِّعت من خشب الزيزفون. وفق ما صرّح به
خير الله جنكيز، مدير متحف "آيا صوفيا" في مقابلة نشرها الموقع الإلكتروني الرسمي لولاية إسطنبول، وترجمها موقع ترك برس.
آيا صوفيا.. الكنيسة التي تحوّلت لمسجد فأثارت غضب العالم المسيحي
آيا صوفيا معلم أثري عريق، وكانت تعتبر عند بنائها أكبر مبنى في العالم، وقد بنيت عام 360م، ولكنّها تهدّمت مرتين قبل أن يأمر الإمبراطور البيزنطي جستنيان الأول بإعادة بنائها عام 532، لينتهي بناؤها خلال خمس سنوات عام 537.
وظلّت آيا صوفيا الكنيسة الرئيسية لمسيحي الشرق الأورثوذوكس، إلى أن فتح محمّد الفاتح القسطنطينية عام 1453 ويحولها إلى مسجد، ظلّت آيا صوفيا كنيسة رئيسية طيلة 916 عاماً، إلى أن أصبحت مسجداً رئيساً طيلة 481 عاماً، قبل تحويله إلى متحف عام 1934 على يد مؤسس الجمهورية التركية الحديثة مصطفى كمال أتاتورك.
وقد أثيرت قضية إعادته لمسجد عبر سنواتٍ طويلة في تركيا، إذ تشير صحيفة "حرييت" أنّ هذا الجدال حول آيا صوفيا بدأ منذ خمسينيات القرن الماضي.
إعادة القضيّة من جديد، أثار العديد من الدول التي هاجمت واستنكرت على تركيا قرارها فتح قضية إعادتها لمسجد. فعلى سبيل المثال استنكرت وزارة الخارجية الفرنسية إثارة القضية في تركيا تلك الفترة، وقالت في تصريحٍ لها يوم 3 يوليو/ تموز الجاري أنّ "متحف آيا صوفيا بني أصلاً كاتدرائية مسيحية"، كما قالت أنّه "يجب أن يظل مفتوحاً للجميع".
كما كتب وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو على تويتر"نحث السلطات التركية إلى أن تواصل الحفاظ على آيا صوفيا متحفاً، بوصفه تجسيداً لالتزامها باحترام التقاليد الدينية والتاريخ الغني، التي ساهمت في بناء الجمهورية التركية، وأتاحت لها البقاء منفتحة على الجميع"، معتبراً أنّ أمريكا تعتبر أنّ أي تغيير في الوضع الراهن بمثابة تهميش لإرث آيا صوفيا.
أمّا البطريرك المسكوني بارثولوميو وهو الزعيم الروحي لنحو 300 مليون مسيحي أرثوذكسي حول العالم، ومقره في إسطنبول فقد قال إنّ تحويل آيا صوفيا إلى مسجد سيثير غضب ملايين المسيحيين حول العالم.
أمّا أكثر الدول حدّة في تصريحاتها فكانت اليونان التي تراقب دائماً الإرث البيزنطي في تركيا، وتعتبر نفسها وارثة بيزنطة وحامية تراثها، فقد استنكرت وزارة خارجيتها في 30 مايو/أيار بث برنامج تلفزيوني نقل تلاوة القرآن من داخل آيا صوفيا في ذكرى فتح القسطنطينية.
وقد ردّت تركيا على كل هذه الاعتراضات بأنّ قرار إعادة آيا صوفيا هو قرار سيادي تركي بحت، وليس لأيّ دولة تدخل فيه. وها قد خرج القرار من القضاء التركي، بعد تحوُّل آياصوفيا لمتحف بـ86 عاماً. فماذا يخبئ له المستقبل؟