عادات تحدث مرة في العام، ترتبط بشهر رمضان فقط دون غيره، نفعلها وتُدخل البهجة والسرور إلى قلوبنا، وتُشعرنا بالسعادة لمجيء الشهر المُبارك دون أن نعرف ما هو أصلها التاريخي، ولا كيف بدأت؟ ولا من هو صاحب فكرتها وأول مَن قام بها.
المدفع والفانوس والمسحراتي، كلها أشياء بمجرد ذكرها تُرسم أمامك صورة شهر رمضان، بما يحمله من خصوصية لدى المسلمين، هنا سنتعرَّف على الأصل التاريخي لبعض العادات الرمضانية، والقصة وراء ظهور تلك الأشياء التي تناقلتها الأجيال على مدار مئات السنين.
1- فانوس رمضان
يُعدّ المصريون هم أول مَن استخدموا فانوس رمضان، وذلك في العهد الفاطمي، وهناك العديد من القصص والروايات حول بداية استخدامه، فتقول إحدى الروايات إن بداية استخدام الفانوس كانت مرتبطة بيوم دخول المعز لدين الله الفاطمي مدينة القاهرة قادماً من الغرب، وكان ذلك في يوم الخامس من رمضان عام 358 هجرية.
خرج المصريون في موكب كبير، اشترك فيه الرجال والنساء والأطفال على أطراف الصحراء الغربية من ناحية الجيزة، للترحيب بالمعز الذي وصل ليلاً>
وكانوا يحملون المشاعل والفوانيس المُلونة والمُزينة، وذلك لإضاءة الطريق له، وهكذا بقيت الفوانيس تضيء الشوارع حتى آخر شهر رمضان، لتصبح عادة يُلتزم بها كل سنة، ثم انتشرت وانتقلت ظاهرة الفانوس المصري إلى العالم.
ومن الروايات التي قيلت أيضاً عن سبب ظهور فانوس رمضان، أن الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله كان قد منع النساء من الخروج ليلاً، واستُثني شهر رمضان من ذلك الأمر.
فسُمح لهن بالخروج للصلاة أو التزاور، لكي يسعدن بالشهر الكريم، واشترط وجود غلام يحمل فانوساً لينير الطريق، ويُعلم المارة بأن هناك امرأة تمر بالطريق، فيُفسحون لها، ويغضون أبصارهم.
ومن الروايات الأخرى، أن الخليفة الفاطمي العاضد لدين الله كان يخرج لاستطلاع هلال الشهر بنفسه وحوله العلماء يحملون فوانيس، ومن هنا ارتبط الفانوس برمضان.
وقد أصدر أيضاً أمراً يُلزم كل ساكن أن يُعلق فانوساً مضاء فوق بيته، منذ ساعة الغروب إلى حين بزوغ الشمس، طوال شهر رمضان.
كما أمر بتعليق الفوانيس على مداخل الحارات، وأبواب المنازل، وفرض غرامات على من يخالف ذلك، وهو ما أدى إلى تطور أشكال الفوانيس واختلاف أحجامها طبقاً لاستخداماتها المختلفة، وصُنعت فوانيس أصغر من أجل الأطفال الذين يشاركون في السهر حتى الفجر في ليالي رمضان.
رُبما من الصعب الوقوف على رواية بعينها مؤكدة لبدايات ظهور الفانوس في مصر، إلا أن فكرة الفانوس المصري انتقلت إلى أغلب الدول العربية، وأصبح جزءاً من تقاليد شهر رمضان، لاسيما في دمشق وحلب والقدس وغزة وغيرها.
2- مدفع رمضان
اختلف الرواة في تأريخ حكاية مدفع رمضان، وتقول إحدى القصص إن "خو شقدم" والي مصر في العصر الإخشيدي كان يُجرّب مدفعاً جديداً أهداه له أحد الولاة، وتصادف ذلك وقت غروب الشمس في أول يوم من شهر رمضان.
ومع توافد العلماء وأهالي القاهرة على قصر الوالي لتناول الإفطار، انتهزوا الفرصة ليعبّروا عن شكرهم بتنبيهه لهم بإطلاق مدفع الإفطار، وعلى ما يبدو أن الوالي قد أُعجب بالفكرة، فأصدر أوامره بإطلاق مدفع الإفطار يومياً وقت أذان المغرب في رمضان.
وتقول رواية أخرى، لعبت فيها المصادفة دوراً مهماً، حيث كان محمد علي باشا والي مصر ومؤسس حكم الأسرة العلوية، مهتماً بتحديث الجيش المصري وبنائه بشكل قوي يتيح له الدفاع عن مصالح البلاد، وأثناء تجربة قائد الجيش لأحد المدافع المستوردة من ألمانيا.
انطلقت قذيفة المدفع مصادفة وقت أذان المغرب في شهر رمضان، فاعتبر الناس ذلك التنبيه أحد المظاهر المهمة للاحتفاء والاحتفال بهذا الشهر المبارك، واستخدم المدفع بعد ذلك في التنبيه لوقت الإفطار والسحور.
وفي منتصف القرن التاسع عشر، وتحديداً في عهد الوالي "عباس حلمي الأول" عام 1853، كان ينطلق مدفعان للإفطار في القاهرة، الأول من القلعة، والثاني من سراي عباس باشا الأول بالعباسي.
وفي عهد الخديوي إسماعيل تم التفكير في وضع المدفع في مكان مرتفع حتى يصل صوته لأكبر مساحة من القاهرة، واستقر في جبل المقطم، حيث كان يحتفل قبل بداية شهر رمضان بخروجه من القلعة محمولاً على عربة ذات عجلات ضخمة، ويعود يوم العيد إلى مخازن القلعة مرة أخرى.
وهو ما انتقل بعدها إلي بعض الدول العربية، وتحول إلى عادة رمضانية، حيث يبدأ مدفع رمضان عمله بمكة المكرمة بإطلاق أول 7 قذائف صوتية، لتُعلن عن بدء شهر رمضان المبارك، ومع كل يوم يطلق المدفع طلقة عند دخول وقت الإفطار.
وأخرى عند دخول وقت السحور، وطلقتين للإعلان عن الإمساك يومياً، ويبلغ مجموع الطلقات التي يطلقها منذ دخول شهر رمضان المبارك حتى الإعلان عن دخول عيد الفطر المبارك 150 طلقة تقريباً.
وفي دبي، يعتبر إطلاق مدفع رمضان تقليداً سنوياً بدأت به القيادة العامة لشرطة دبي منذ زمنٍ طويل، يعود إلى بداية الستينات، في محاولة منها لتنبيه الصائمين بموعد الإفطار ومشاركتهم فرحته.
3- المسحراتي
المسحراتي أو المسحر هي مهنة يُطلقها المسلمون على الشخص الذي يوقظ المسلمين في ليل شهر رمضان لتناول وجبة السحور، وتنتشر عادة وجود المسحراتي في كثير من الدول العربية.
ويُطلق عليه في الكويت اسم "أبو طبيلة"، حيث يجوب الشوارع وهو يقول "لا إله إلا الله، محمد رسول الله"، بغرض إيقاظ النائمين، وحضّهم على تناول طعام السحور.
والمشهور عن المسحراتي هو حمله للطبلة أو المزمار، ودقها أو العزف عليها بهدف إيقاظ الناس قبل صلاة الفجر، وعادة ما يكون النداء مصحوباً ببعض التهليلات أو الأناشيد الدينية.
كان بلال بن رباح -أول مؤذِّن في الإسلام- وابن أم كلثوم يقومان بمهمّة إيقاظ النّاس للسّحور، وأول من نادى بالتسحير كان عنبسة بن إسحاق، ســنة 228 هـ، وكان والياً على مصر، ويذهب سائراً على قدميه من مدينة العسكر في الفسطاط إلى جامع عمرو بن العاص وينادي الناس بالسحور.
أما أهل بعض البلاد العربيّة كاليمن والمغرب فقد كانوا يدقّون الأبواب بالنبابيت، وأهل الشّام كانوا يطوفون على البيوت، ويعزفون على العيدان والطّنابير، وينشدون أناشيد خاصّة برمضان.
4- الغبقة الرمضانية
الغبقة في لهجة أهل الخليج تعني العشاء الرمضاني المتأخر، الذي يسبق وجبة السحور، أي أنها وليمة تؤكل عند منتصف الليل أو قبله بقليل، وهي كلمة عربية من حياة البادية، ويرجع أصلها إلى "الغبوق"، والغبوق هو حليب الناقة الذي يُشرب ليلاً، ويقول البعض، إن الغبوق وجبة خفيفة تؤكل في المساء.
والغبقة هي وجبة رمضانية لا يمكن أن تقام في سائر أشهر السنة، تاريخياً كانت الغبقة تختلف نوعاً ما عما هي عليه اليوم في أشياء كثيرة، فطابعها ووجباتها كانت مختلفة، وكذلك بالنسبة إلى عدد الحضور، إلا أن التسمية بقيت، ومعنى اللقاء كعادة اجتماعية بقي أيضاً.
تنتشر الغبقة الرمضانية في دول الخليج عامة، ويكون توقيتها بعد انتهاء صلاة التراويح ومجالس الذكر، في لقاء تراثي رمضاني، وتقوم وجبة الغبقة على الأطباق الخليجية الشهيرة كالثريد والهريس، والحلوى بالإضافة إلى التمر والشاي والقهوة.
5- أيام القرقيعان
عادة أيام القرقيعان هي احتفال جرت عليه عادة سكان ساحل الخليج العربي من العراق شمالاً، مروراً بالكويت والسعودية والبحرين وقطر والإمارات وعمان، وهو عبارة عن احتفالية شعبية للكبار والصغار، تُقام بمناسبة إكمال نصف شهر رمضان بالصيام.
القرقيعان هو عبارة عن خليط من المكسرات والملبس والحلاوة والشوكولاته، يتم توزيعه على الأطفال الذين يدقون أبواب الأهل والأقارب والجيران بعد الإفطار ووقت السحور.
مرتدين ملابس مُميزة لهذه المناسبة، ومنشدين للأناشيد والأغاني، فيعطيهم أصحاب البيوت خلطة القرقيعان في الأكياس التي يحملونها ليجمعوا أكبر مقدار من الحلوى.
وتختلف مسميات هذه العادة من دولة خليجية إلى أخرى فتسمى (القرقيعان) و(الناصفة) أو (حل وعاد) أو (كريكشون) أو (القرنقشوه) أو (الطلبة) وتسمى أيضاً (طاب طاب) و(كرنكعوه) أو (كريكعان) و(حق الليلة) أو (الماجينة)، ورغم اختلاف المسميات فإن العادات المتبعة في الاحتفاء بها تتطابق في كافة دول الخليج.
كما تختلف كلمات الأهازيج التي ينشدها الأولاد عما تنشده البنات، حيث ينشد الأولاد أهزوجة (سلم ولدهم يالله خله لامه ياالله) وهي عبارة عن دعاء للولد بأن يحفظه الله لأهله، بينما تغني البنات (قرقيعان وقرقيعان بيت قصير ورمضان).