لم تصل إحداها للانتشار المنشود.. أبرز المحاولات لعمل لغة عالمية مشتركة

وجد على مرّ التاريخ أشخاص حالمون، كانت أمنيتهم إيجاد لغة تواصل بين الشعوب، وتكون وسيلة سهلة لتبادل الأفكار، مما أدى لظهور مفهوم اللغة العالمية

عربي بوست
تم النشر: 2019/04/25 الساعة 11:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/04/25 الساعة 11:35 بتوقيت غرينتش
أبرز المحاولات لعمل لغة عالمية مشتركة

هل سافرت من قبل لبلد ما لم تكن تعرف لغته، واكتشفت عالماً جديداً بالكامل مليئاً بأشخاص من ثقافات مختلفة يتناولون أطعمة لا تعرفها، ويعيشون في أنواع مختلفة من المنازل، ولديهم معتقدات وعادات مختلفة تماماً عن معتقداتك… لا بد أنك شعرت بحاجز قوي لأنك لا تعرف كيف تتحدث إليهم وتتفاهم معهم.

لذلك وجد على مرّ التاريخ أشخاص حالمون، كانت أمنيتهم إيجاد لغة تواصل تدفع العالم نحو السلام والوحدة، وتقلل الاختلافات بين الشعوب، وتكون وسيلة سهلة لتبادل الأفكار، مما أدى لظهور مفهوم اللغة العالمية Universal Language.

هناك ما يتراوح بين 3000 و8000 لغة مختلفة في جميع أنحاء العالم، ومن بين لغات العالم هناك هيمنة واضحة للغة الإنجليزية حالياً، على الرغم من وجود عدد من المحاولات لإنشاء لغة عالمية مشتركة ليتحدث ويتفاهم بها الجنس البشري، ولم تختفِ الفكرة أبداً إلى الآن.

إليك أبرز هذه المحاولات

الإسبرانتو Esperanto

في أواخر القرن التاسع عشر شرع طبيب عيون ولغوي بولندي يدعى لودفيك ليزر زامنهوف في ابتكار لغة عالمية، من شأنها أن تعزز السلام والوئام بين جميع سكان العالم.

في عام 1870، كانت روسيا تخوض حرباً ناجحة مع الإمبراطورية العثمانية في منطقة البلقان بشرق أوروبا، وحاولت روسيا القضاء على الثقافات المحلية في هذه المنطقة، التي كان من بينها بولندا، فحوَّلت اللغة الرسمية في الجزء الروسي إلى اللغة الروسية.

أدى ذلك لزيادة الصراع، وكان المتحدث بلغة مختلفة عن الآخر يُعتبر عدواً، وأصبحت هناك حرب هوية بين العديد من الأطراف في منطقة شرق أوروبا؛ كان زامنهوف يسعى لإيجاد لغة مشتركة ومحايدة يستطيع الناس من مختلف الثقافات استخدامها كلغة ثانية بجانب لغتهم الأم.  

أراد الدكتور زامنهوف أن يكون الإسبرانتو سهل التعلم والتحدث.

تهجئة الكلمات كانت واضحة، والقواعد بسيطة، لكن اللغة اعتمدت على جذور الكلمات في اللغات الأوروبية الرئيسية، وبالنسبة للمتحدثين غير الأوروبيين فإن آليات اللغة كانت غير مألوفة تماماً.

تصاعدت عدة نداءات لاعتماد الإسبرانتو كلغة رسمية من الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا، عن طريق العديد من الفعاليات، منها تجميع توقيعات على موقع آفاز، وحملة تعريفية على موقع change والعديد من المبادرات الأخرى.

تم تدريس هذه اللغة الاصطناعية في جميع أنحاء العالم. تزعم بعض التقديرات أن هناك ما يصل إلى عدة ملايين من الإسبرانتيين أو متحدثي الإسبرانتو.

يوجد مؤتمر عالمي للإسبرانتو سنوياً، وتوجد 22 جمعية مهنية دولية للإسبرانتو وتم نشر أكثر من 30 ألف كتاب  في الإسبرانتو.

ڤولابوك Vulapuk

في عام 1880 تم ابتكار هذه اللغة من قبل يوهان مارتن شلاير، رجل دين ألماني بهدف استخدامها كلغة دولية ثانية. على الرغم من أن مفردات هذه اللغة تعتمد على اللغة الإنجليزية، واللغات الرومانسية "اللغات التي أصلها اللغة اللاتينية وتعد أحد فروع اللغات الهندوأوروبية. أغلبيتها في جنوب أوروبا وأهمها هي الإيطالية والفرنسية والإسبانية"

لاقت اللغة رواجاً سريعاً في أوروبا وأمريكا، قبل أن تؤثر الهيمنة الاقتصادية الأمريكية على وضع اللغة الإنجليزية، التي اعتبرت لغة تواصل مشترك في أوروبا. تعثرت شعبية (فولابوك) بإصرار شلاير على إضافة العلامات الصوتية للغة. قال: "لغة من دون علامات صوت تبدو رتيبة ومملة".

هذا الأمر جعل اللغة تبدو غريبة للغاية بالنسبة للكثيرين، وخاصة في الولايات المتحدة. اقترح بعض أنصار اللغة بعض التغييرات لتبسيط القواعد، لكن شيلر اعترض بشدة، معتبراً أنه صاحب اللغة ومالكها، والوحيد الذي تخول له سلطة تغيير أي شيء من اللغة.

قاوم شلاير أي محاولة لإصلاح اللغة، وفي النهاية شكل حركته المنشقة.

تفككت لغة الفولابوك وفقدت أنصارها شيئاً فشيئاً بعد ظهور لغات منافسة كلغة الإسبرانتو.

لغة رموز بلس blissymbols

تم تطوير لغة التواصل هذه بواسطة تشارلز بلس، وقد تم تصميمها كلغة مكتوبة عالمية يمكن للجميع في العالم استخدامها، بغض النظر عن لغتهم الأم.

أثناء عمله كمصور أفلام في شنغهاي خلال الحرب العالمية الثانية، أصبح بلس مفتوناً بالرموز الصينية وتاريخها، فاللغة الصينية لا توجد بها حروف، وإنما تتكون كلماتها من مجموعة رموز تجتمع لتشكل معنى معين.

قرَّر بلس تطوير نسخة من هذه الفكرة باسم "رموز بلس"، لتكون لكل كلمة رسمها الخاص المتكون من مجموعة من الرموز، وفكّر بلس أنه لو عممت هذه الرموز على جميع الدول فستمحي الفوارق والفواصل بين الأمم ويحل السلام.

كانت بعض الرموز مصورة، وتمثل أشياء مادية مثل المنزل أو الشمس، في حين أن الرموز الأخرى كانت تمثل أفكاراً أخرى مثل العقل أو فعل العطاء.

تم تصميم هذه الرموز لتكون سهلة الرسم والجمع لتكوين مفاهيم معقدة، تتيح للأشخاص من مختلف اللغات والثقافات التواصل بفاعلية. كان الهدف النهائي هو خلق وسيلة يمكن للبشر من خلالها التواصل دون سوء فهم، والتي اعتقد بلس أنها السبب الجذري لمعظم معاناة العالم.

لغة بلس هي وسيلة تخاطب كاملة لمن لا يستطيعون الكلام، بالإمكان تعليمها للكبار ممن فقدوا القدرة على الكلام نتيجة حوادث، وذوي الإعاقات الجسدية المختلفة.

تم استخدامها في السبعينات لمساعدة الأفراد المصابين بالشلل الدماغي على التواصل، وفي منتصف الثمانينات من القرن العشرين طوّرت راشيل زيمرمان من أونتاريو، البالغة من العمر 12 عاماً، برنامجاً يسمح للمرضى غير الناطقين بالتواصل بشكل فعال من خلال شاشة الكمبيوتر، ولا يزال يستخدم هذا النظام آلاف الأشخاص المعاقين جسدياً.

لغة جلوسا Glosa

في عام 1943 ابتدع  اللغوي وعالم الأحياء لانسلوت هوجبن Lancelot Hogben لغة انتر جلوسا، التي تتكون من جذور كلمات يونانية ولاتينية، مع نظام نحوي يشبه الصينية.

كانت فلسفة هوجبن مبنية على فكرة أن "أفضل قواعد اللغة ألا تكون هناك قواعد" وهو مفهوم قائم بذاته على لغة مساعدة سابقة قائمة على اللاتينية تسمى Interlingua.

لم تستحوذ اللغة على اهتمام كبير بين جمهور بريطاني كان منشغلاً نوعاً ما بالحرب العالمية الثانية، لذلك توقف انتشار اللغة حتى أعيد اكتشافها من قبل الباحث المتحمس رون كلارك في عام 1960. انضم إلى كلارك متحمس آخر وهو ويندي آشبي في عام 1972.

وبعد وفاة هوجن في عام 1975، أدخل رون كلارك وويندي آشبي بعض التغييرات الإضافية، ثم أعطوا اللغة الاسم الجديد Glosa.

كل كلمة في اللغة يمكن أن تعمل كفعل أو اسم  أو صفة أو حرف جر، ويتم توضيح قواعد اللغة من خلال ترتيب الكلمات بشكل معين (بناء الجملة) أو إضافة كلمات معينة.

وافق هوجبن وكلارك على أن اللغة يجب أن يكون بها تهجئة صوتية (أي: كل حرف يمثل صوتاً واحداً). هذا المبدأ يعني أن CH وTH وPH اليونانية الآن يجب تهجئتها K وT وF.

السولريسول Solresol

تم اختراعها من قبل فرانسوا سودر، وهو موسيقي وملحن ومعلم موسيقى. بدأ العمل عليها في عام 1817 واستمر حتى وفاته في عام 1862.  

تم نشر كتابه عن اللغة في عام 1866، وأطلق عليها اسم (اللغة الموسيقية الدولية)، وكان لها سبعة أصوات على أساس المقياس الموسيقي الغربي: "do re mi fa so la si".

يتم دمج مجموعات من النوتات الموسيقية لتشكيل الكلمات، ما يعني أنه يمكن التواصل بلغة السولريسول من خلال التحدث أو الغناء أو العزف على آلة موسيقية. طوّر سودر طرقاً للتعبير عن اللغة من خلال طيف الألوان بألوانه السبعة وإشارات اليد.

كان للغة نطاق محدود من المفردات، وكان ذلك عن عمد، من خلال تضمين مجموعة كلمات من أربعة أصوات فقط، مما يسمح بوجود 2.660 كلمة مختلفة فقط، والتي كانت أقل بكثير من اللغات الطبيعية، كما تضمنت قواعد نحوية بسيطة تسمح بكلمات ذات معانٍ عكسية: فمثلاً يتم عكس "misol" بمعنى جيد إلى "solmi" بمعنى سيئ. على الرغم من إنتاج قواميس Solresol بلغات متعددة، إلا أن وفاة سودر كانت بمثابة التراجع البطيء للغة الموسيقية، على الرغم من أنها ازدهرت على الإنترنت في السنوات الأخيرة.

الإيدو Ido

الإيدو نسخة معدلة ومبسطة إلى حدٍّ ما من الإسبرانتو، طوَّرها عدد من اللغويين والمهتمين باللغات، بما في ذلك الدكتور لويس دي بوفورونت، والبروفيسور لويس كوتورات، والبروفيسور ريتشارد لورينز، والبروفيسور فيلهلم أوستفالد وغيرهم.

الإصلاحات الرئيسية في لغة الإيدو تتمثل في ضبط التهجئة، فلا تستخدم علامات صوتية مميزة. هناك أيضاً اختلافات في المفردات واللواحق والنهايات والكلمات الوظيفية التي توضع في آخر الكلمة بالنسبة لأولئك الذين لديهم دراية بالإسبرانتو أو الإيطالية أو اللاتينية أو أي من اللغات الرومانسية الأخرى، فإن لغة الإيدو سهلة التعلم.

يتراوح العدد التقديري للأشخاص الذين يتحدثون Ido ما بين 2 إلى 5 آلاف، وقد زاد الاهتمام باللغة بفضل النشاط عبر الإنترنت، ومع ذلك لا توجد إحصاءات دقيقة عن عدد متحدثي الإيدو (Ido).

كسبت لغة الإيدو دعماً من بعض جاليات الإسبرانتو في ذلك الوقت، لكن بعد الموت المفاجئ عام 1914 لأحد أكثر مقترحيها المؤثرين، وهو لويس كوتورات، هبطت شعبيتها.

كان هناك سببان لهذا: أولاً، ظهور الانشقاقات الأخرى التي نشأت عن وجود عدد من اللغات التي تنافس بعضها؛ وثانياً قلة العامة التي تعي أهمية لغة إيدو، كلغة مساعدة دولية. أضعفت هذه العقبات الحركة لكنها عادت للازدهار بعد ظهور الإنترنت، حيث بدأت باستعادة زخمها السابق.

حازت لغة الإيدو اهتماماً ودعماً من بعض جاليات الإسبرانتو في ذلك الوقت، ولكن شعبية اللغة تأثرت بوفاة أحد أهم مبتكري اللغة وهو "لويس كوتورات".

بعد وفاة هذا الرجل حدثت انشقاقات ناتجة عن ظهور عدد من اللغات الأخرى التي تحاول منافسة لغة الإيدو، وقل اهتمام العامة بلغة الإيدو التي كانت بمثابة لغة مساعدة دولية.

بعد ظهور الإنترنت، ازدهرت لغة الإيدو مرة أخرى، وبدأت بالانتشار على الانترنت من خلال توفر العديد من الكتب والمواقع التعليمية لكل من يرغب في تعلم هذه اللغة.

لوجبان Lojban

في عام 1955، قام الدكتور جيمس كوك براون ببدء مشروع لغة لوجلان Loglan، بناء على فرضية Sapir-Whorf، التي تنص على أن اللغة التي يستخدمها الشخص تحدد الطريقة التي يفكر بها.

ظهرت لغة لوجلان Loglan في العديد من روايات الخيال العلمي، وكان الهدف من هذه اللغة هو أن تكون مبنية على المنطق الأصلي، وهي مستندة إلى مفردات من لغات العالم الست الأكثر شيوعاً، مرتبة بطريقة منطقية ورمزية، في شكل قواعد نحوية بسيطة لا لبس فيها، التي اعتقد براون أنها ستزيد من القدرة الذهنية للمتحدثين.

بسبب الاهتمام المتزايد بهذه اللغة، حاول أشخاص آخرون المشاركة في توسيع وتطوير اللغة بأفكارهم الخاصة، مما تسبب في مطالبة براون بحقوق الملكية الفكرية. أدت الصراعات بين براون ومجلس الإدارة في معهد لوجان إلى فقدان العديد من المتطوعين ووقف تقدم اللغة وانتشارها.

فشلت محاولة براون  القانونية في عام 1992، وقامت مجموعة من المتحمسين بإنشاء إصدار بديل خاص بهم من اللغة، دون مطالبات بحقوق النشر. هذه اللغة  تسمى لوجبان Lojban.

أضافت اللغة الجديدة ميزات نحوية ومفردات جديدة، وتطوَّرت شعبيتها على الإنترنت على مدار العشرين عاماً الماضية.

يشير عشاق لوجبان Lojban إلى العديد من مزاياها، واحدة منها الطريقة التي تسمح بالتعبير الفعال عن المشاعر، كما يشيرون إلى أن بناء الجملة في هذه اللغة يتم بطريقة سهلة، بالإضافة إلى النطق المرن والحياد الثقافي.

علامات:
تحميل المزيد