رغم أنه اعتبر نفسه رساماً بشكل أساسي، وعاش مُعظم حياته في الولايات المتحدة، وكتب أشهر أعماله باللغة الإنجليزية، فإنه كان أحد أبرز أدباء وشعراء العرب على مر التاريخ، إنه جبران خليل جبران، الذي استطاع من خلال رواياته أن يصبح شخصية رئيسية في الأدب الرومانسي، الذي غيَّر الأدب العربي في النصف الأول من القرن الـ 20.
جبران خليل جبران
وُلد جبران خليل جبران الذي يعد من أحفاد يوسف جبران الماروني البشعلاني في 6 يناير/كانون الثاني 1883 لعائلة مارونية في بلدة بشرّي التي كانت تابعة لمتصرفية جبل لبنان العثمانية شمال لبنان وعاش حياة فقيرة.
أمه كاميليا رحمة واسمها الأصلي كاملة كان عمرها 30 عندما ولدته وهي من عائلة محافظة ومتدينة.
وأبوه خليل هو الزوج الثالث لها بعد وفاة زوجها الأول وبطلان زواجها الثاني.
كانت أسرته فقيرة بسبب كسل والده وانصرافه إلى السكر والقمار، لذلك لم يستطِع الذهاب للمدرسة.
وبدلاً من ذلك كان كاهن القرية، الأب جرمانوس، يأتي لمنزل جبران ويعلمه الإنجيل والعربية والسريانية.
تعلم جبران مبادئ القراءة والكتابة من الطبيب الشاعر سليم الضاهر مما فتح أمامه مجال المطالعة والتعرف إلى التاريخ والعلوم والآداب.
وفي سنة 1891 تقريباً، سجن والده بتهمة الاختلاس وصودرت أملاكه، إلى أن أطلق سراحه في 1894.
في 25 يونيو/حزيران 1895، قررت والدته الهجرة مع أخيها إلى أمريكا وتحديداً نيويورك مصطحبة معها كلاً من جبران وأختيه، ماريانا وسلطانة، وأخاه بطرس.
عاش بولاية بوسطن وأساتذته دعموه في دراسة الفنون
سكنت عائلة جبران بعد هجرتها في ولاية بوسطن، وبالخطأ تم تسجيل اسمه في المدرسة خليل جبران.
هناك، بدأت أمه بالعمل كخياطة متجولة، كما فتح أخوه بطرس متجراً صغيراً، أما جبران فبدأ بالذهاب للمدرسة في 30 سبتمبر/أيلول 1895.
مسؤولو المدرسة وضعوه في فصل خاص للمهاجرين لتعلم اللغة الإنجليزية.
التحق جبران أيضاً في مدرسة فنون قريبة من منزلهم، وهناك نمّت مواهبه الفنية وشجعته فلورنس بيرس معلمة الرسم في المدرسة.
وكان من أعضاء هذه المدرسة الآنسة دغيسي بيل التي كتبت إلى صديقها المثقف الغني فريد هولاند داي، وهو الذي شجع جبران ودعمه لما رأى محاولاته الإبداعية حيث كان يعيره الكتب التي أثرت في توجيهه الفكري والروحي والفني وقد استخدم فريد بعض رسومات جبران لأغلفة الكتب التي نشرتها دار (كويلا اند داي).
عاد إلى لبنان واستوحى رواية الأجنحة المتكسرة من حبيبته سلمى
في عمر الخامسة عشرة، عاد جبران مع عائلته إلى بيروت ودرس في مدرسة إعدادية مارونية ومعهد تعليم عالٍ يدعى الحكمة.
بدأ الكتابة في مجلة أدبية طلابية مع زميل دراسة، ثم انتخب كشاعر للكلية، وكان يقضي العطلة الصيفية في بلدته بشرّي، ولكنه ترك منزل والده الذي تجاهل مواهبه، وعاش مع ابن عمه نيقولا.
وجد جبران عزاءه في الطبيعة، وصداقة أستاذ طفولته سليم الضاهر، ومن علاقة الحب بينه وبين سلمى كرامة التي استوحى منها قصته (الأجنحة المتكسرة) بعد عشر سنوات.
بقي جبران في بيروت سنوات عدة قبل أن يعود إلى بوسطن في 10 مايو/أيار 1902.
نصف عائلته توفيت بسبب السل!
قبل عودته بأسبوعين توفيت أخته سلطانة بمرض السل. بعد سنة، توفي بطرس بنفس المرض وتوفيت أمه بسبب السرطان.
أما ماريانا، أخت جبران، فهي الوحيدة التي بقيت معه، واضطرت للعمل في محل خياطة.
وحيداً.. طموحاً.. يحب الشهرة.. ويكره الفقر
كان جبران ميالاً منذ طفولته إلى الوحدة وتأمُّل أحلام اليقظة، وظل في مراهقته منطوياً على نفسه، بعيداً عن الأقارب والجيران.
كان سريع البديهة، متواضعاً، طموحاً، وشديد الرغبة بالشهرة ولو عن طريق الانتقاد، فقد سُر بانتقاد المنفلوطي لقصته "وردة الهاني".
وكان لجو ولاية بوسطن الذي نشأ فيها أثر في إذكاء ثورته على التقاليد والنظم البالية في المجتمع الشرقي، وذلك عندما أحس بالتناقض بين جو الحرية الفكرية الاجتماعية السياسية في بوسطن وبيئته الشرقية.
رافقته أحلام اليقظة من الطفولة حتى الرجولة فادّعى لمعارفه -وخاصة ماري هاسكل- أنه ينحدر من أسرة أرستقراطية غنية عريقة.
الفلسفة الأفلاطونيّة أثرت به
وكان واسع الثقافة فقد قرأ لشكسبير وللشعراء الرومانسيين ولا سيما بليك كيتس، وشلي، ونيتشه.
كما يبدو أثر الفلسفة الأفلاطونية في رومانسيته وتصوفه، وأثر الإنجيل بارز في نتاجه.
فقد خصّ المسيح بكتابه "يسوع ابن الإنسان" كما تأثر بالتصوف الشرقي الهندي منه المسيحي والإسلامي.
فآمن بوحدة الوجود والتقمص، وبالحب وسيلة لبلوغ الحقيقة، فضلاً عن قراءته الأساطير اليونانية والكلدانية والمصرية.
الشاعر الأكثر مبيعاً بعد شكسبير
اشتهر عند العالم الغربي بكتابه الذي تم نشره سنة 1923 وهو كتاب النبي. أيضاً عُرف جبران بالشاعر الأكثر مبيعاً بعد شكسبير ولاوزي.
كان في كتاباته اتجاهان، أحدهما يأخذ بالقوة ويثور على عقائد الدين، والآخر يتتبع الميول ويحب الاستمتاع بالحياة النقية، ويفصح عن الاتجاهين معاً قصيدته "المواكب" التي غنتها المطربة اللبنانية فيروز باسم "أعطني الناي وغنّي".
حرص على توضيح احترامه للإسلام
وبالنظر إلى خلفيته المسيحية، فقد حرص جبران على توضيح موقفه بكونه ليس ضِد الإسلام الذي يحترمه ويتمنى عودة مجده، بل هو ضد تسييس الدين سواء الإسلامي أو المسيحي.
بهذا الصدد، كتب جبران في مقال وصفه بأنه رسالة "إلى المسلمين من شاعر مسيحي:
"أنا أجلُّ القرآن ولكنني أزدري من يتخذ القرآن وسيلة لإحباط مساعي المسلمين، كما أنني أمتهن الذين يتخذون الإنجيل وسيلة للحكم برقاب المسيحيين".
وصية جبران
توفي جبران خليل جبران في نيويورك في 10 أبريل/نيسان 1931 وهو في الـ 48 من عمره، بسبب المرض الذي عانى آخر سنوات حياته وهو السل وتليف الكبد.
أمنية جبران خليل جبران في أن يدفن بلبنان تحققت في العام 1932 أي بعد عام من وفاته، حيث دُفن في صومعته القديمة التي عرفت لاحقاً باسم متحف جبران.
كما أوصى جبران بأن تكتب هذه الجملة على قبره بعد وفاته:
أنا حي مثلك، وأنا واقف الآن إلى جانبك؛ فأغمض عينيك والتفت؛ تراني أمامك.