من بنى الأهرامات الجزائرية؟ سؤال تثيره المقابر الهرمية المبنيَّة منذ قرون طويلة في ولاية تيارت بشمال غربي البلاد.
ويُطلَق على هذه المقابر الهرمية اسم "لجدار"، وتسمى أحياناً الأهرامات الجزائرية، وهي تعد أثراً فريداً يعود لحقبة قديمة كانت تتسم بالفوضى والغموض، حسب تقرير لموقع قناة TRT World التركية.
وتستقر هذه الآثار، البالغ عددها 13، والتي تعلو قواعدها الحجرية المربعة روابٍ حادةُ الزوايا، فوق تلَّتين بالقرب من مدينة تيارت، على بُعد نحو 250 كيلومتراً جنوب غربي العاصمة الجزائر.
من بنى الأهرامات الجزائرية؟ حقيقة ملوك البربر الغامضين
وهناك غموض حول من بنى الأهرامات الجزائرية؟
إذ يعتقد بعض الباحثين أنَّ هذه المقابر، التي شُيِّدت بين القرنين الرابع والسابع، بُنِيَت لتكون مستقراً نهائياً لملوك البربر، مع أنَّ هوية المدفونين فيها غير معروفة.
وعندما بُني "لجدار"، كان ملوك البربر يحكمون المنطقة في إقطاعيات صغيرة لا يُعرَف الكثير عن تاريخها، ولم تخلف سوى القليل من الآثار.
كانت تلك فترة من الاضطرابات الهائلة في مقاطعة نوميديا الرومانية السابقة، إذ كانت إمبراطورية روما الغربية تنهار، واكتسحت قوات الوندال ثم البيزنطيين شمال إفريقيا وأعقبهما الفاتحون العرب.
#أهرامات_الجزائر الـ 13#لجدار منطقة أثرية على الحدود بين بلديتي توسنينة وفرندة، إلى الجنوب من ولاية #تيارت بـ #الجزائر، بها مجموعة من الأضرحة الغارقة في القدم، المقامة على طريقة #الأهرامات_المصرية، تعود إلى القرن الرابع الميلاد. pic.twitter.com/rUlW123e32
— الإذاعة الجزائرية (@radioalgerie_ar) January 14, 2019
والجزائر تضغط على اليونيسكو لإدراجها على قائمة التراث العالمي، ولكن الأمر ليس يسيراً
تضغط السلطات الجزائرية وعلماء الآثار الجزائريون الآن من أجل إدراج "لجدار" على قائمة اليونيسكو للتراث العالمي، على أمل ضمان الحفاظ عليها ودراستها.
ويعد هذا الإدراج عملية مطولة، إذ قالت وزارة الثقافة إنَّ استمارة الجزائر المقدمة إلى اليونسكو، التابعة للأمم المتحدة، "سوف يجري تقديمها في الربع الأول من عام 2020".
في حين استغرق إعداد الملف أكثر من عامٍ، على يد خبراء من المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الإنسان والتاريخ.
وقال مصطفى دوربان، الأستاذ في معهد الآثار بجامعة الجزائر 2، إنَّ الهدف يتمثل في "الحفاظ على هذا الإرث، ذي القيمة الهائلة، الذي يُمثِّل تراث الأجداد".
وعلى مرّ قرون، جرى تجاهل هذه الآثار البعيدة إلى حد كبير، وتُرِكت لتخريب الزمن والناهبين.
والمتخصصون يشعرون بالأسى لحال عجائب الجزائر
لكن في الآونة الأخيرة، عملت مجموعة من نحو 20 طالباً في مجال الآثار مع مدرسيهم على هذه الآثار.
ولاحظوا في أثناء تحرُّكهم بالموقع ببطءٍ أماكن مخربة، واستخدموا المياه والفرشات لينظفوا الرموز المنقوشة على الصخر برِفق قبل قياسها.
وهذه المهمة دقيقة، إذ قد يستغرق كل قياسٍ ما يصل إلى ساعتين.
وأعرب عالم الآثار الجزائري رشيد مهوز، الذي قضى 5 سنوات في أطروحة دكتوراه حول هذه المقابر، عن شعوره بالأسى، لعدم وجود أبحاث مكرسة لـ "عجائب" الجزائر هذه.
الفرنسيون استولوا على العظام التي كانت بداخلها
وقال مهوز، الذي وُلِد وتربى بالقرب من هذه المنطقة: "السجلات الفرنسية حول (لجدار) غير متاحة، وقد نُقلت الأشياء والعظام التي اكتُشفت في أثناء الحقبة الاستعمارية إلى فرنسا".
ولم يبدأ تدريس علم الآثار بالجامعات الجزائرية إلَّا في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، وحتى الآن لا يوجد تخصص في الآثار الجنائزية بها.
وكان فريق البحث يعمل على المقبرة A، التي تقع على جبل لخضر بجوار مقبرتي B وC.
أمَّا بقية مقابر "لجدار"، فهي على قمة جبل عروري، على بُعد حو 6 كيلومترات، وتحمل أسماؤها الحروف من D حتى M.
ولكن، ماذا يوجد بمتاهة الغرف الغامضة؟
وتحتوي كل واحدة من هذه المقابر على غرفة واحدة على الأقل، في حين تحتوي أكبرها على متاهة من 20 غرفة، من بينها غرف جنائزية.
بعض الغرف مجهزة بمقاعد، ويعتقد باحثون أنها ربما كانت تُستخدم في العبادة.
وداخل المقابر، ثمة رموز مسيحية تقليدية، فضلاً عن مشاهد صيد ورسومات لحيوانات منقوشة فوق الأبواب.
وثمة آثار لنقوش يُعتقد أنها علامات لاتينية على الجدران، لكنَّ الزمن جعلها غير قابلة للقراءة.
ويقول الباحثون إنهم وجدوا أيضاً حروفاً يونانية بين طبقاتٍ قديمة، وإن كان باحثون آخرون يشككون في ذلك.
وأهمية هذه الآثار تنبع من الفترة التي بُنيت فيها
بُنيت مقابر "لجدار" بعد عدة قرون من بناء آثار جنائزية مهيبة أخرى ترجع إلى حقبة ما قبل الإسلام وتوجد بشمال الجزائر، ما يجعلها الأخيرة من نوعها التي أقيمت قبل وصول الإسلام.
وقال عالم الآثار مهوز: "السمة الأكثر تميزاً لمقابر (لجدار) هي تاريخ بنائها".
وتُظهر هذه الآثار تطور ممارسات الدفن في المنطقة، من روابٍ بسيطة من الطين والأحجار، تُعرف باسم الجثوة، إلى المقابر ذات الجدران الحجرية، التي تسمى بازينا.
لكنَّ بعض الباحثين يقولون إنَّ ارتفاع "لجدار"، الذي يصل إلى 18 متراً، يضعها في فئة خاصة بها.
ولكن الاستكشافات لم تجب عن السؤال المحير: مَن بنى الأهرامات الجزائرية؟
وهذا ما قاله ابن خلدون عنها
وأقدم وصفٍ معروف لمقابر "لجدار" كتبه المؤرخ ابن الرقيق في القرن الحادي عشر، وذلك بحسب المفكر العربي الشهير ابن خلدون.
ولم تحز "لجدار" أي اهتمام حتى منتصف القرن التاسع عشر، مع أول الاستكشافات الأثرية الحديثة في الجزائر، التي جلبها الاستعمار الفرنسي.
إذ بدأت القوات والسلطات الاستعمارية الفرنسية عمليات استكشاف 9 مقابر في عام 1865.
والنهب والإهمال أعاقا عمليات الاستكشاف
وتعزَّز فهم مقابر "لجدار" في أواخر الستينيات من القرن الماضي، بفضل الدراسة التي استغرقت 3 سنوات من عالمة الآثار الجزائرية فاطمة قادرة للمقابر A وB وC، وهي الأقدم من بين المقابر الـ13 الوحيدة التي استُكشفت منذ استقلال الجزائر.
لكنَّ الكثير من الأبنية لم يجر دخولها قط، إذ إنَّ الجاذبية والزمن قد تسببا في انهيار أكوام من الطين والأحجار إلى داخل المقبرة.
وتسبب النهب والتدهور في زيادة صعوبة المهمة الصعبة أصلاً على الباحثين المعاصرين، الذين لا يحظون بدعمٍ يُذكر.