وسط مدينة مراكش، تنتصب 7 أعمدة ترمز إلى حماة المدينة السبعة وجالبي البركة لها، وفق المعتقد السائد بين المواطنين المؤمنين بوجود كرامات لرجال، مستمرةٍ حتى اليوم.
جمعهم حفظ القرآن والتصوف والزهد، بالإضافة إلى الأعمال الخيرية وتخصصهم في الفقه والحديث.
هذه القواسم المشتركة أدت إلى تسمية المدينة بـ "مراكش العالمة"، بصفتها إحدى أكثر المدن المغربية التي عاش بها علماء على مر تاريخها منذ تأسيسها سنة 1070م على يد يوسف ابن تاشفين المرابطي.
أصبحت قبورهم مزاراً لكل باحث عن البركة، فمن هم الحراس السبعة الذين يحمون مراكش ؟
العالِم الأول.. أبو يعقوب يوسف بن علي الصنهاجي
يوصف بالشيخ المبتلى والصبور، لكونه كان مصاباً بداء الجذام، كثير الشكر والصلاة.
وكان الصنهاجي يعيش في حارة المجذومين بمراكش، وكثير الاعتكاف بمغارة ضواحي مراكش، حيث يُعرف لدى عامة المراكشيين بمول الغار أو صاحب المغارة.
العالِم الثاني.. القاضي عياض
أما عياض، فهو أحد أشهر فقهاء المالكية في الغرب الإسلامي.
تميز في الفقه والحديث والأصول واللغة وغيرها، له مؤلفات عدة أشهرها "كتاب الشفا" الذي عبّر فيه عن تعلّقه الشديد برسول الله، وهي الخصلة التي عرف بها.
وكانت من بين الأسباب التي جعلت منه أحد الرجال السبعة المقدَّسين.
العالِم الثالث.. أبو العباس السبتي
وهو صاحب المذهب التضامني، اشتُهر بإنفاقه على طلبته الذين كان يدرسهم النحو والحساب، وبكثرة حثه الناس على الصدقات.
كان يأخذ الصدقات من الميسورين ويوزعها على المساكين.
استقر بمدينة مراكش، قادماً إليها من مدينة سبتة في فترة انتقال الحكم من المرابطين إلى الموحدين.
وهي الفترة التي شهدت فيها مراكش توافد عدد كبير من الفلاسفة والفقهاء والأدباء والأطباء.
وكان للأحداث التي تعيشها تأثير كبير على المغرب والأندلس والدول المجاورة.
العالِم الرابع.. محمد بن سلمان الجزولي
عُرف الشيخ الجزولي بكثرة أتباعه الذين يعدّون بالآلاف، يأتونه من كل حدب وصوب طلباً للعلم والمعرفة.
قُتل مسموماً وهو ساجد في صلاة الفجر بمنطقة سوس جنوب المغرب سنة 1465م، وبعد 77 سنة نُقل قبره إلى مراكش ليدفن فيها.
يقال إنه بعد أن تم إخراجه من قبره وجدوه في نفس هيئة يوم دفنه. وما زال ضريحه اليوم بحي رياض العروس في المدينة العتيقة، يتوافد عليه الزوار.
العالِم الخامس.. أبو فراس عبد العزيز المراكشي
لقبه الحرار، كما يُدعى التباع، لكثرة أتباعه، وهو أحد طلبة الشيخ محمد الجزولي. هو الوحيد الذي نشأ في مراكش وترعرع فيها من بين الرجال السبعة، فقد عُرف عنه أنه كان يعتني بالفلاحة وصناعة الحرير.
وكان يدرس طلبته ومريديه مجموعة من الأوراد (قدر محدد من القران يقرأ يومياً)، والقصائد الصوفية.
عاش عبد العزيز التباع بمراكش إبان حكم الدولة السعدية، وتوفي سنة 1509م.
دُفن بحي المواسين الذي أصبح يحمل اسمه "حي سيدي عبد العزيز التباع"، وما زال قبره مزاراً ضمن مزارات الرجال السبعة بمراكش.
العالِم السادس.. عبد الله الغزواني
يُدعى الغزواني بين المراكشين بـ"مول القصور" أو صاحب القصور، نسبة إلى حي يدعى القصور بالمدينة العتيقة.
وهو أحد تلاميذ الإمام عبد العزيز التباع، كان من رواد الطريقة الشاذلية الجزولية (مسلك من مسالك الصوفية)، التي تقوم على حب الرسول والمداومة على ذكر الله.
وكان يوصي أتباعه بترك الانشغال بالدنيا والتفرغ للتسبيح والذكر.
العالِم السابع.. عبد الرحمن السهيلي
وُلد الإمام السهيلي في ملقة بالأندلس، وكان يدرس بها.
اشتهر باهتماماته النحوية واللغوية، ويعتبر أحد أعلام الفقه والحديث بالغرب الإسلامي آنداك، قبل أن يختار الانتقال للعيش بمدينة مراكش في عهد يوسف بن عبد المؤمن الموحدي.
عاش الإمام السهيلي بمدينة مراكش 3 سنوات قبل وفاته سنة 1185م.
ودُفن بمقبرة باب الرب في مراكش، حيث يوجد ضريحه حتى اليوم.
الحراس السبعة الذين يحمون مراكش .. عارضوا الحاكم عندما استطاعوا، ودعوا عليه عندما عجزوا
يقول الدكتور حسن جذاب في كتابه "الحركة الصوفية بمراكش: ظاهرة سبعة رجال"، إن التوجهات والأعمال التي شغلت الرجال السبعة اختلفت.
كان لبعضهم توجه سياسي، ولآخرين توجهات اجتماعية وتربوية محضة، وإنه في كل الحالات يحظى الولي بالاعتبار والاحترام.
وفي كثير من الأحيان اتخذ الأولياء مواقف المعارضة في حالة القدرة، والدعاء على السلطان في حالة العجز.
وبما أن دعاءهم كان مستجاباً في اعتقاد العامة، فإن السلطان بالحالتين كان يحترم الأولياء، ويقومون بإصدار ظهائر (قوانين) الاحترام وإسقاط الضرائب عنهم.
القاضي عياض نُفي إلى مراكش بعد فشل ثورته ضد المذهب الموحدي
وجاء في الكتاب، أن اسم القاضي عياض برز في الجانب السياسي، خصوصاً في فترة الانتقال من المرابطين إلى الموحدين، واتخاذه موقف المعارضة للمذهب الموحدي، الذي يتعارض والاتجاه السُّني المالكي الذي يتبناه.
أعلن ثورته الأولى سنة 536هـ، والثانية نحو 543هـ، وقد انتهت بهزيمته، وتم نفيه إلى مراكش.
والغزواني أسهم في فك الحصار البرتغالي
بينما لعب الغزواني دوراً كبيراً في فك الحصار البرتغالي على مراكش، بعد أن قرر الانضمام إلى السلطان السعدي رفقة أتباعه.
ويعتبر الدور التربوي والعلمي من بين أهم الأدوار التي نهض بها الرجال السبعة، والقائم على تعليم الأتباع والطلبة وتفقيههم في أمور الدين وتربيتهم روحياً.
لقنوا المسلك الصوفي انطلاقاً من الطريقة الصوفية التي ينتمون إليها.
أما السبتي فركَّز على العلوم والكيمياء
وكان اهتمام القاضي عياض منصبّاً على تدريس العلوم الدينية، في حين برز الإمام السهيلي، أحد أكبر علماء اللغة بالأندلس، في تدريس اللغة والنحو، في حين انكبَّ أبو العباس السبتي على تدريس طلبته الحساب والكيمياء.
وارتبط الدور الاجتماعي بالأولياء، لكونهم أصحاب الكرامة الصوفية.
ويكون الاعتماد على الولي مبنيّاً على اعتقاد راسخ في قدرته الخارقة على الإغاثة والإنقاذ.
لهذا برز دورهم في منع الظلم الذي يلحق الناس من طرف السلطة، أو حل النزاعات بين الأفراد بالمجتمع، وإطعام المحتاجين، وإيواء الغرباء والمساكين، خاصة في فترات الغلاء والمجاعات ومساعدة الناس، وفق الكاتب حسن جذاب.
7 أيام لزيارة 7 رجال من أبواب مراكش
وأوضح عبد المجيد اقروا، أحد أبناء مدينة مراكش والباحث بتاريخها، لـ "عربي بوست"، أن عدداً من الأبواب المؤدية إلى مدينة مراكش ارتبطت أسماؤها بالرجال السبعة.
فمقبرة باب الرب يوجد بها ضريح الإمام السهيلي، والقاضي عياض بـ "باب إيلان".
كما يوجد قبر يوسف بن علي في حي سيدي يوسف بالقرب من "باب أحمر"، و"باب الخميس" ارتبط تاريخياً بأبي العباس السبتي.
وجاء في كتاب "الحركة الصوفية بمراكش: ظاهرة سبعة رجال"، أن الزيارة على وجهها الأكمل تعني تخصيص يوم لكل ولي.
يتمكن الزائر من الاستراحة قليلاً بضريحه وزيارة الأولياء المدفونين حوله، وتكون الانطلاقة يوم الثلاثاء لسيدي يوسف بن علي، والأربعاء لعياض، والخميس للسبتي، والجمعة للجزولي، والسبت للتباع، والأحد للغزواني، ويختتم الطواف بزيارة ضريح الإمام السهيلي يوم الإثنين.
أما من لم يكن لديه متسع من الوقت، فيزورهم في يوم واحد مع المحافظة على الترتيب.
ويُذكر أن أهل مراكش كانوا يخرجون صبيحة الجمعة رجالا ونساء وصبياناً، لزيارة أضرحة الرجال السبعة، ويطوفون بهم جميعاً في ذلك اليوم، طلباً للبركة.