من قال إن التاريخ لا يخلّد سوى الأبطال؟ يمكن للتاريخ أيضاً أن يُكتب أسماء القتلة والمجرمين ورجال العصابات مثل آل كابوني؛ الرجل الذي ارتكب كل الجرائم الممكنة ولم تستطع السلطات إدانته حتى أوقعت الضرائب به.
آل كابوني.. ارتكب كل الجرائم دون أن تتمكن السلطات من إدانته
دعنا نبدأ منذ نشأة عصابة ألفونسو غابرييل كابوني.
في العام 1919، حظرت السلطات الأميركية بيع المشروبات الكحولية وتصنيعها، بهدف التوعية من خطورة الإدمان على تعاطي تلك المشروبات.
ولأن "الممنوع مرغوب"، أسفر الحظر عن نتائج عكسية، فانتشرت العصابات وارتفع معدل الجريمة، وسطع نجم "عصابة آل كابوني".
عصابة ارتكبت كل الجرائم الممكنة، من تجارة الخمور – المحظورة وقتها -، وحرب العصابات والشوارع، وصولاً إلى القتل.
المهاجر الذي قاد أعتى عصابات أميركا
عصابة آل كابوني أنشأها رجل من عائلة مُهاجرة إيطالية، هو ألفونسو غابرييل كابوني.
وُلد كابوني في بروكلين بنيويورك في 17 يناير/كانون الثاني 1899، وأصبح زعيماً لمافيا شيكاغو خلال "عصر الحظر"، وهو أحد أشهر أفراد العصابات الأميركيين.
وعلى الرغم من أن كثيراً من رجال العصابات في نيويورك والذين ظهروا في أوائل القرن الـ 20 قد جاؤوا من طبقات فقيرة، فإن آل كابوني لم يكن كذلك.
عُرف ألفونس باسم "Scarface (الوجه ذو الندبة)"، بعد تعرضه لندبة على خدّه الأيسر خلال عراكٍ مع شاب في بيت دعارة بسكين.
آل كابوني لم يرث الجريمة عن والديه
Remember… it was the Eliot Ness investigation that lead to the US Attorney/ IRS conviction of Al Capone for 'tax evasion'. pic.twitter.com/jBHMpdKUkO
— Billy Baldwin (@BillyBaldwin) August 22, 2018
بعيداً عن الصورة النمطية لمُهاجر إيطالي فقير تحول إلى العمل بالجريمة لكسب العيش، كان كابوني من أسرة مُستقرة مادياً.
كان والده غابرييل واحداً من آلاف الإيطاليين الذين وصلوا إلى نيويورك في العام 1894. حينها كان عُمره 30 عاماً، وكان قد تلقى تعليمه في نابولي الإيطالية، وبدأ في العمل حلاقاً لكسب رزقه.
استقرت الأسرة في مسكن متواضع بنيويورك، بالقرب من ميدان بروكلين البحري، حيث كانت هناك بعض التجاوزات الأخلاقية؛ نظراً لأن البحارة كانوا يرتادون المكان لمُمارسة الرذائل قبل العودة إلى عملهم.
كانت أسرة آل كابوني من عشيرة إيطالية – أميركية عادية، ومُلتزمة بالقوانين.
لم يكن هناك الكثير من العلامات التي تُنبئ بأن الشاب الصغير سيدخل عالم الجريمة، وسيصبح له باع طويل فيه، وسُيدير إمبراطورية إجرامية سيئة السمعة.
لكن كابوني لم يحصل على قدر كافٍ من التعليم، فقد التحق بمعهد كاثوليكي لتلقي تعليمه، كانت تلك المؤسسة تتعامل مع طُلابها بكثير من العنف والوحشية.
ورغم أنه كان طالباً واعداً، لكن العنف الذي كان يلقاه جعله يضرب مُعلماً، ما تسبب في طرده من المعهد في سن الـ 14، ولم يعد إليه مرة ثانية أبداً.
جوني توريو.. صديق السوء الذي قدَّم لشيكاغو "الجريمة الأنيقة"
https://twitter.com/historylvrsclub/status/1032085463845228544
في هذه المرحلة من حياته تعرّف كابوني على جوني توريو، وهو واحد من أشهر رجال العصابات على الساحل الشرقى في شيكاغو، اشتهر بأعماله الإجرامية القائمة على التفاوض والابتزاز، وكان هو الآخر من أصل إيطالي أيضاً.
علّم توريو كابوني الكثير من الأشياء في عالم الجريمة، ومنها الخروج عن الصورة النمطية للمجرم، فعليه مثلاً الحفاظ على واجهة جذّابة ومُحترمة أمام الجميع أثناء إدارة أعماله الإجرامية.
ذلك التغيير الذي قاده توريو أصبح فجراً جديداً في عالم الجريمة، ما أدى إلى تحويل هذا العالم من ثقافة بدائية وعنيفة إلى إمبراطوريات واسعة وشركات.
انضم كابوني إلى عصابة توريو وترقّى فيها وأصبح من الأشخاص المُميزين بها، وعندما بدأ "عصر الحظر"، شرع الباب يُفتح للثروة الهائلة من خلال المُتاجرة بالخمور التي أصبحت غير مشروعة.
وفي العام 1925 تقاعد توريو، وأصبح كابوني قيصر الجريمة في شيكاغو، يُتاجر بالخمور ويدير أنشطة القمار والدعارة غير الشرعية، ويُوسع أراضيه ونطاق نفوذه من خلال قتل منافسيه من العصابات الأخرى.
كان يتحرك بشكل منظم شديد الحذر، فلا يذهب إلى أي مكان دون حُراسه الشخصيين، وكان يُفضل دوماً السفر بسيارته ليلاً، ولا يُخاطر بالسفر نهاراً إلا عند الضرورة القصوى.
في فترة من فترات حياته كاد آل كابوني أن يعيش حياة طبيعية، فتزوج من فتاة آيرلندية من الطبقة المتوسطة، هي ماي كوجلين، واستقر في حياته الأسرية معها وبدأ في عمله في المحاسبة، وأنجبا طفلهما سوني.
لكن تلك الفترة لم تتجاوز كونها راحة قصيرة من عالم الجريمة، فالوفاة غير المتوقعة لوالد كابوني مثّلت نقطة عودته إلى عالم الجريمة.
فسرعان ما عاد كابوني بعدها إلى العمل مع رئيسه القديم جوني توريو، لكنه لم يتخلَّ عن حياته الأسرية، فقد ظل مع زوجته حتى وفاته.
الكثير من الجرائم.. والسلطات لا تستطيع الإيقاع بالمجرم
https://twitter.com/historylvrsclub/status/1051447531325059072
ارتكب رجل العصابات الأميركي عدداً من الجرائم العنيفة مثل انتقامه من قاتل صديق له، والذي تعقبه كابوني بنفسه وأطلق النار عليه، ولم تثبت الجريمة قانوناً عليه حينها.
كذلك القيام بمذبحة نادي أدونيس الاجتماعي، وهي حفلة كان مدعو إليها كابوني وبعض رجاله، وتم خلالها السخرية من الرجال الإيطاليين ما جعل الحفل يتحول إلى مذبحة على يد كابوني ورجاله، وفشلت التحقيقات في إدانته أيضاً.
نجح كابوني في وقت ما في الظهور بهيئة صانع السلام في ولاية شيكاغو، حيث ناشد أفراد العصابات الأخرى التخفيف من حدة العنف. كما توسّط للعفو بين أفراد العصابات المتناحرين، ولمدة شهرين توقف القتل والعنف.
لكن سرعان ما تصاعد العنف والاقتتال بالشوارع مرة أخرى، وأصبحت عمليات نقل خمور كابوني في غاية الصعوبة بسبب التربص بها واختطافها من قبل خصومه بشكل مُتكرر.
"إمبراطور الجريمة" يقع بسبب التهرُّب الضريبي!
https://twitter.com/historylvrsclub/status/1049377164615979012
ورغم هذه الجرائم، ألقي القبض عليه في النهاية بتهمة التهرب من دفع الضرائب، فقد كان مكتب الضرائب حينها يُشكل التهديد الأكبر لإمبراطوريات العصابات.
في العام 1927، صدر حكم قضائي من المحكمة العليا يقضي بأن على المُهرب دفع ضريبة الدخل على أعماله غير القانونية.
بهذا الحكم تمكنت وحدة الاستخبارات الخاصة الصغيرة التابعة لمصلحة الضرائب الأميركية من تعقب آل كابوني، وبعد أن قام بشراء جزيرة باهظة الثمن أعطى هذا للمكتب فرصة أكبر لتوثيق دخل كابوني وإنفاقه. وكانت هذه الثغرة التي فعلها وأدّت إلى الإيقاع به.
أثبتت التقارير أن رجل العصابات الأميركي تمكَّن من حصد ثروة هائلة من عالم الجريمة والأعمال سيئة السمعة قُدرت بنحو 100 مليون دولار.
وقد استطاع تحقيق هذا القدر من الثروة منذ العام 1929، مُستخدماً نحو 600 من أفراد عصابته، وقد كسب حوالي 60 مليون دولار من المُتاجرة غير القانونية بالكحول، و25 مليون دولار من المُقامرة، و10 ملايين دولار من الدعارة، و10 ملايين دولار أخرى من المُضاربات.
السجن 11 عاماً.. والخروج مبكراً لحُسن السلوك!
https://twitter.com/historyinmoment/status/1052850551984144384
في شهر مارس/آذار 1931، اجتمعت هيئة مُحلفين فيدرالية سراً بناءً على ادعاء الحكومة بتهرب آل كابوني الضريبي.
قُدر ما عليه بنحو 200 ألف دولار، واتُّهم هو و68 من أفراد عصابته بخرق قانون الحظر وانتهاكه بالمُتاجرة غير المشروعة، ليحكم عليه بالسجن لمدة 11 عاماً وغرامة قدرها 50 ألف دولار.
في أغسطس/آب 1934، تم نقل آل كابوني من سجن في أتلانتا إلى سجن الكاتراز الشهير في سان فرانسيسكو.
ورغم كل هذه الجرائم، والاتهامات التالية بالتهرب الضريبي، تم تخفيض الحكم في النهاية إلى 6 سنوات ونصف من أجل حسن سلوكه.
وبطريقة درامية مات المجرم خارج السجن بعد إطلاق سراحه.
ففي يناير/كانون الثاني عام 1947 توفي كابوني بسبب إصابته بالسكتة القلبية عن عمر يناهز الـ 48 عاماً.
المجرم بطلاً لأفلام عالمية
تناولت هوليوود قصة آل كابوني في بعض الأعمال السينمائية مثل فيلم Untouchables إنتاج العام 1987، وحاصل على تقييم 7.9 على موقع IMDB.
قام ببطولة الفيلم روبرت دي نيرو وكيفين كوستنر، وتدور أحداثه حول كيف كان آل كابوني يبسط سيطرته ونفوذه في أميركا وكيف تم الإيقاع به.
كذلك الفيلم المنتظر صدوره العام 2018 Fonzo الذي سيمثل بطولته توم هاردي ونويل فيشر.
تدور أحداثه حول مرور عقد من الزمن على رجل المافيا الأشهر آل كابوني في السجن، تحديداً في السابعة والأربعين من عمره؛ حيث يبدأ في معاناته من الخرَّف ومطاردة ماضيه العنيف له.