أسرار التاريخ البشري يمكن اكتشافها عبر مراحيض العصور الوسطى ، فقد استطاع العلماء التعرف على أطعمة القدماء وسلوكياتهم من بقايا الصرف الصحي.
فعبر نهج علمي جذري جديد، يجمع بين تخصُّصات علم الآثار وعلم الوراثة والدراسة المجهرية، يمكن الكشف عن أسرار طالما طواها النسيان عن حمية الإنسان، والصرف الصحي لديه عبر دراسة مراحيض العصور الوسطى، حسب تقرير ورد في موقع EurekAlert.
وهذا الأمر يتم عبر دراسة الطفيليات في البراز القديم، وهذا ما قامت به دراسة جديدة أجرتها جامعة أكسفورد البريطانية.
إذ يبدو أن التاريخ مازال يكشف لنا مزيداً من أسراره، ولكن هذه المرة عبر مراحيض العصور الوسطى.
مراحيض العصور الوسطى مخزن للأسرار
قام باحثون من قسم علم الحيوان ومدرسة علم الآثار في جامعة أكسفورد البريطانية بتطبيق تحاليل جينية على طفيليات عمرها 700 عام تم العثور عليها في عينات براز أثرية في مسعى لفهم مجموعة متنوعة من الخصائص البشرية.
وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تطبيق هذا النهج المشترك بين دراسة الطفيليات والحمض النووي القديم (aDNA) لفهم وبائيات الطفيليات تاريخياً.
وقد تم نشر نتائج البحث في دورية Proceedings of The Royal Society B.
كيف استطاع العلماء تحليل عينة تعود إلى 700 عام؟
تم جمع هذه العينات من مراحيض العصور الوسطى في مدينة لوبيك Lübeck بألمانيا.
وتضم رفات مدرعة لبيوض ديدان مستديرة، وديدان شريطية، خرجت مع البراز البشري.
وتحلت هذه البيوض بقشور صلبة جعلتها تتحمل الزمن والانحلال، وبالتالي حافظت بشكل كامل على الحمض النووي الخاص بها.
والتحليلات تكشف تحولاً مهماً من أكل الأسماك إلى لحم الأبقار
"يمكن أن يكون هذا النهج الجديد حيوياً كأداة مستقلة لدراسة البشر في الماضي"، حسبما يقول قائد فريق البحث أدريان سميث.
ويظهر التحليل أن أعداداً كبيرة من الديدان الشريطية وجدت في مراحيض العصور الوسطى في لوبيك، أحد الموانئ الرائدة في العالم خلال العصور الوسطى.
وحيث إن أسماك المياه العذبة كانت مصدراً معروفاً لهذه الديدان، فقد استنتج الباحثون أنه في لوبيك كان لديهم نظام غذائي مرتفع في أسماك المياه العذبة التي لم يكن يتم طهيها بشكل فعّال، وهي ممارسة متميزة عن المناطق الأخرى.
ويكشف المزيد من التحليل أنه في نحو أعوام 1300-1325 كان هناك تحول من الطفيليات المشتقة من الأسماك إلى طفيليات مشتقة من لحوم البقر، ما يشير إلى تغيير في النظام الغذائي، وثقافة الطهي ومصادر الطعام.
يقول أدريان سميث: "ربما توقف الناس في لوبيك عن أكل أسماك المياه العذبة النيئة أو عطلوا دورة حياة الديدان الشريطية".
ومن المثير للاهتمام أن التحول في عادات الأكل يتزامن مع زيادة في صناعة الدباغة والجزارة على جانب المياه العذبة في لوبيك، وربما كان التلوث قد تداخل مع دورة حياة الطفيليات المشتقة من الأسماك.
جغرافيا الصرف الصحي.. الطفيليات تظهر العلاقة بين هاتين المدينتين
وقد ساعدت تسلسلات الحمض النووي القديم aDNA من الديدان الخيطية التي وجدت في الكثير من المواقع الأثرية الباحثين في التعرف على أن لوبيك تحتوي على أكثر أنواع الطفيليات تنوُّعاً.
وهذا يتوافق مع أهمية المدينة والمستوى العالي من التواصل بينها وبين الأماكن الأخرى.
كان ميناء بريستول الإنكليزي في العصور الوسطى ثاني أكثر المواقع تنوعاً .
وتدعم بيانات الحمض النووي القديم aDNA وجود رابط بينها وبين ولوبيك.
أي أن تحليل بقايا الطفيليات الموجودة في مراحيض العصور الوسطى كشف الروابط الموجود بين المدينتين الألمانية والإنكليزية رغم بعدهما الجغرافي.
يقول أدريان سميث: "يمكننا استخدام هذا النهج لإخبارنا بالكثير عن مواقع محددة بما في ذلك مستويات الصرف الصحي، وكذلك الحالة الصحية والممارسات الغذائية والاتصال بمواقع مختلفة".
والآن العلماء يريدون رسم خريطة لأوروبا استناداً إلى مراحيض العصور الوسطى
قد يكون هذا ذا أهمية خاصة لدراسة التجمعات السكانية، خاصة أن السجلات التاريخية الكلاسيكية في هذه الفترات تكون عادة سيئة أو غير كافية، ما يجعل تحليل مراحيض العصور الوسطى أكثر فاعلية.
ويقول: "طموحنا هو تطوير خريطة "جزيئية طفيلو-أثرية" لأوروبا عبر الزمان والمكان، باستخدام الطفيليات لإطلاعنا على السكان في الماضي".
وهكذا يتأمل العلماء في أن تكشف مراحيض العصور الوسطى مزيداً من أسرار التي سكت عنها التاريخ الرسمي.