مرت 95 سنة على أعمال التنقيب في مقبرة الفرعون المصري توت عنخ آمون، وما زالت هناك الكثير من الأساطير حول هذا الحدث؛ إذ أثارت هذه المومياء خيال صانعي الأفلام، فظهرت في أفلامهم، تريد الانتقام ممن دنسوا حرمتها.
مع الكثير من المؤثرات السينمائية، استوحى صناع الأفلام المومياء العائدة للحياة من لعنة توت عنخ آمون المزعومة، بحسب تقرير لموقع BBC Mundo.
ووفقاً لتقارير صحفية في أوائل عشرينيات القرن العشرين، توفي العديد من الأشخاص الذين كانت لهم علاقة بعالم الآثار البريطاني هوارد كارتر في العام 1922، وضمنهم ممول الحملة الثري اللورد كارنارفون، الذي توفي بسبب لدغة بعوضة مريضة في العام نفسه.
حازت هذه اللعنة موجة اهتمام في الغرب، بل لم يمر الحدث دون أن يلحظه صناع السينما في هوليوود.
على الرغم من أن هذا الأمر صناعة سينمائية بالأساس، فإن عودة المومياء إلى الحياة مستوحاة من ما يسمى "لعنة الفراعنة".
هذه الأسطورة شبيهة ببعض الأساطير الأخرى للوحوش العائدة للحياة، مثل دراكولا أو فرانكنشتاين. لكن يبدو أنها أكثر رسوخاً في الذاكرة الجماعية لاعتماد نقطة البداية على حدث حقيقي؛ استخراج جثة الفرعون توت عنخ آمون!
الولع بمصر أو الـ "إيجيبتومانيا"
أثارت الموجة الإعلامية حول تلك الآثار فكرةً خاصةً عن تلك المومياء المصرية، لتسيطر هذه الفكرة لاحقاً على الخيال الشعبي، ووصل الأمر إلى تأثر الأسلوب المعماري في تلك الفترة.
في الواقع، تزينت العديد من دور السينما الأميركية، في عشرينيات القرن الماضي، بزخارف باهظة تقلد الطراز المصري القديم، بحسب تقرير BBC Mundo.
تصدرت الأخبار القادمة من مصر أخبار الصحف في الولايات المتحدة الأميركية بعد اكتشاف مقبرة الملك الفرعوني العظيم.
فيلم The Mummy هو أحد أشهر تلك الأفلام، وجسد فيه بوريس كارلوف شخصية إمحوتب، وهو كاهن محنط عاد للحياة بعد قراءة مخطوطة سحرية.
بعد عودته إلى الحياة، أصبح إمحوتب مصرياً معاصراً مقتنعاً بأن حبه الضائع "عنخ إسن آمون" (التي أُطلق عليها اسم الأخت نصف الشقيقة لتوت عنخ آمون والتي كانت زوجته أيضاً) قد تَجسد في صورة امرأة تشبه تماماً أميرته المتوفاة.
كان كاتب السيناريو للفيلم، جون إل. بالدرستون، أحد المراسلين الذين اطلعوا على افتتاح قبر الملك توت عنخ آمون، ما منح فيلمه مصداقية لدى الجمهور.
بعد 8 سنوات، أنتجت شركة Universal ثاني الأفلام حول المومياوات The Mummy's Hand في العام 1940، وكان الأول في سلسلة قرر صانعوها جعلها أكثر بساطة بالنسبة للجمهور.
وعلى عكس الاعتقاد الشعبي الشائع، لم تظهر المومياء العائدة إلى الحياة مغطاة بالأربطة سوى خلال الدقائق العشر الأولى.
وفي العام 1959، أعادت شركة Hammer Studios المومياوات، لكن في صورتها التقليدية المخيفة من خلال فيلم The Mummy للمخرج تيرانس فيشر.
أظهر العمل الاحترام والاحترام للأسطورة الأصلية، وأضفى على المومياء طابعاً رومانسياً من خلال إعادة شخصية "عنخ إيسن آمون" إلى الحياة في صورة أميرة تُدعى أنانكا، قامت بدورها الممثلة إيفان فيرنو.
اقتبس كاتب السيناريو، جيمي سانجستر، من سلسلة الأفلام المتقطعة لشركة Universal وأطلق عليها اسم "خاريس"، وقد ظن سانجستر على نحو خاطئ أنه اسم حقيقي لإله مصري قديم.
نسخ أخرى من The Mummy
في العام 1967، أنتجت Hammer Studios فيلم The Mummy's Shroud، والذي تدور أحداثه كما تؤثر، حول لعنة قاتلة تطارد فريقاً من علماء الآثار، يُقتلون واحداً تلو الآخر بعد عودة المومياء إلى الحياة.
وفي العام 1971، عُرض فيلم Blood From The Mummy's Tomb والمستوحى من رواية The Jewel of the Seven Stars التي كتبها برام ستوكر في العام 1903، لم يتمثل التهديد هذه المرة في المومياء؛ بل في ملكة مصرية حسناء وقاتلة في الوقت ذاته.
وقد لعبت الممثلة فاليري ليون دور الملكة القديمة والشخصية التي جسدتها بعد عودتها إلى الحياة في العصر الحديث.
ولكن، يبدو أن لعنة الفراعنة قد أصابت هذا الفيلم؛ فبعد 5 أسابيع من بدء التصوير، توفي المخرج سيث هولت بعد إصابته بأزمة قلبية مفاجئة، وفيما بعد استُبدل الممثل بيتر كشينج بعد الوفاة المفاجئة لزوجته.
بعد هذا الفيلم، لم يُنتَج فيلم سينمائي كبير يتناول أسطورة المومياوات العائدة حتى أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الجديد، وذلك بعدما استهلكت السينما كل الجوانب المتعلقة بهذا الموضوع، أو ربما بعد أن أثارت غضب الفراعنة بما يكفي.
ورغم ذلك، كان هناك في تلك الفترة بعض أفلام المغامرات ذات الطابع الكوميدي والخيالي، التي تستمد موضوعاتها من الثقافة المصرية القديمة، والتحنيط، وعمليات التنقيب عن القطع الأثرية.
في العام 1981، عُرِضَ أول أفلام سلسلة مغامرات إنديانا جونز للمخرج ستيفن سبيلبرغ، وحمل اسم Raiders of the Lost Ark، وكان يدور حول فكرة البحث عما يُعرف بـ"تابوت العهد" في مصر.
كما قدم سبيلبرغ في العام 1985 فيلماً حقق نجاحاً كبيراً، وحمل اسم Young Sherlock Holmes، دارت أحداثه حول محقق شاب، يكشف غموض طائفة سرية غريبة الأطوار تعتنق معتقدات مصرية قديمة، وتشتمل طقوسها السادية على تحنيط الأحياء لتقديمهم كقرابين.
كانت مقابر الفراعنة ومحتوياتها مصدر إلهام للكثير من مصممي الديكور الداخلي في ذلك الوقت.
تحول المومياء
وفي بداية القرن الحادي والعشرين، وتحديداً بين عامي 1999 و2008، ظهرت سلسلة ذات طابع جديد تماماً، وكان البطلان هنا هما الممثلان بريندن فرايزر، وريتشيل فَيز، وتناولت الأحداث أسطورة إمحوتب.
قدم المخرج ستيفن سومرز أول أفلام هذه السلسلة، والذي اتسم بالإبهار في استخدام الأدوات السينمائية، بحسب تقرير BBC Mundo.
ويرى سومرز أن غالبية أحداث العمل مقتبسة من أساطير كانت موجودة بالفعل، وأخرى ذات أصل واقعي، "حتى وإن كانت قصة عن جثة مات صاحبها قبل 3000 عام، لكنها لا تزال قادرة على المشي والكلام".
يتناول الفيلم قصة حول كائن متحور الشكل، يُجسد ما يُعرف بـ "الضربات العشر التي أصابت مصر" في أحد العصور الفرعونية، وقد عاد إلى الحياة دون قصد من أحد.
بدا المخلوق هذه المرة مغايراً تماماً للشكل الذي ظهر عليه بوريس كارلوف في الفيلم الأول الذي أُنتج عن المومياوات قبل عشرات السنوات، كما بدا مفتقراً إلى أي عاطفة أو شفقة، ما جعل المشاهدين يشعرون بالحنين إلى "مومياء كارلوف".
لم يحقق هذا الفيلم إيرادات تُذكر، وهو مصير لاقاه فيلمان آخران تاليان له في السلسلة نفسها.
وبالانتقال إلى فيلم The Mummy الذي عرض في العام 2017، من بطولة توم كروز وصوفيا بوتيلا، فسنجد أنه يشكل إعادة تهذيب لسلسلة أفلام المومياوات، ومحاولة لبنائها وإحيائها من جديد من خلال استغلال نجومية كروز.