بعد دعوته لإضراب عام وزيادة الضغط على نتنياهو..  من هو “الهستدروت” ومن أين يستمدّ نفوذه للتأثير في إسرائيل؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/09/03 الساعة 10:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/09/03 الساعة 10:32 بتوقيت غرينتش
مظاهرات دعا إليها الهستدروت في إسرائيل ضد حكومة نتنياهو/الأناضول

أحدث الاتحاد العام لنقابات العمال في إسرائيل، المعروف باسم "الهستدروت"، زلزالًا في الساحة السياسية والاقتصادية الإسرائيلية من خلال إعلانه الإضراب العام والشامل يوم الأحد 1 سبتمبر/ أيلول 2024، والذي يُعتبر من أكبر المظاهرات التي شهدتها البلاد منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي. جاء هذا التحرك في أعقاب استعادة الاحتلال لجثث ستة محتجزين إسرائيليين من قطاع غزة، بعد عدم تمكنها من استعادة هؤلاء الأفراد أحياء، ما أثار استياءً كبيرًا من قبل عائلات المختطفين.

أدى إضراب الهستدروت، الذي شمل قطاعات عدة مثل الصحة، والتربية والتعليم، والسلطات المحلية، والمواصلات، إلى تعزيز الاحتجاجات التي كانت قد تراجعت في الفترة الأخيرة. وقد دفع هذا التحرك وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، إلى اللجوء إلى المحكمة العليا مساء الأحد لطلب إلغاء الإضراب بزعم "عدم قانونيته"، لتستجيب المحكمة بسرعة وتأمر بوقف الإضراب يوم الإثنين  2 سبتمبر/ أيلول 2024.

ومع ذلك، يظل السؤال المطروح: من هو الهستدروت؟ ومن أين يستمدّ قوّة تأثيره في المشهد العام الإسرائيلي؟

 ما هي نقابة العمال في إسرائيل "الهستدروت"؟  

الهستدروت هو اختصار للاتحاد العام لعمال إسرائيل، تأسست هذه المنظمة العمالية العبرية في عام 1920، قبل 28 عاماً من قيام إسرائيل. في تلك الفترة، كانت النقابات العمالية حول العالم تلعب أدواراً محورية في السياسة والاقتصاد، واستطاع الهستدروت أن يكون جزءًا أساسيًا من النسيج الاجتماعي والاقتصادي الذي قامت عليه إسرائيل. فهو ليس فقط أقدم من الدولة نفسها، بل ساهم أيضًا في بنائها وتشكيل هويتها من خلال دعمه للعمال والمهاجرين وتأسيس المؤسسات التي أصبحت فيما بعد جزءًا من الدولة الإسرائيلية.

مشهد من مشاهد النكبة-المصدر:ويكيبيديا
مشهد من مشاهد النكبة-المصدر:ويكيبيديا

وخلال مؤتمرها التأسيسي الذي عُقد في حيفا خلال شهر كانون الأول من نفس عام تأسيسها 1920، أوضح المؤسسون الدور الصهيوني الذي ستلعبه هذه المنظمة، حيث جاء في الإعلان الافتتاحي أن الهدف الرئيسي للهستدروت هو تشكيل اتحاد للعمال والفلاحين دون التدخل في شؤون الآخرين. 

ووفق المركز الفلسطيني  تتضمن أهداف الهستدروت إلى جانب الهدف الرئيسي دعم الهجرة اليهودية وتوطين المهاجرين والسيطرة على فلسطين، فضلاً عن إقامة اقتصاد مزدهر فيها. ومع مرور الوقت، ازدادت قوة الهستدروت في الأوساط العمالية اليهودية، لتصبح من أقوى الهيئات الداعمة للمشروع الصهيوني.

  • القيادة

 كان حزب العمل، ومن قبله حزب "مباي"، يسيطر بشكل كامل على الهستدروت حتى التسعينيات. في عام 1994، خسر حزب العمل لصالح قائمة عمالية جديدة باسم "رام" أسسها عضو منشق عن الحزب يدعى حاييم رامون. 

 لاحقًا، عاد رامون إلى حزب العمل، تاركًا قيادة الهستدروت لعمير بيريتس، عضو الكنيست.

  • البنية التنظيمية

 لم يتغير المبنى التنظيمي للمنظمة، حيث يوجد مؤتمر عام يتم انتخاب أعضائه كل أربع سنوات، ويتمثل فيه الأحزاب. تتألف القيادة من مجلس عام، لجنة تنفيذية، مكتب دائم وسكرتير عام. المكتب الدائم والرئيس يديران الأمور الجارية للهستدروت، بينما توجد لجنة مراقبة داخلية لضمان الشفافية والانضباط.

وتُعدّ الهستدروت أكبر منظمة من نوعها في إسرائيل، حيث تمثل حوالي 800 ألف عامل موزعين على 27 نقابة منفصلة. ووفقًا لدائرة المعارف البريطانية، فإن أنشطة الهستدروت تتجاوز الحدود التقليدية لنقابات العمال، فهي تضم عمالًا من مختلف القطاعات الزراعية والصناعية، وتُعتبر أضخم منظمة تطوعية وأهم كيان اقتصادي في البلاد. 

وتشمل أنشطة المنظمة وكالات تسويق وتوزيع للسلع الاستهلاكية والمعدات، ومؤسسات بناء ضخمة تتولى إنشاء المستوطنات والمنشآت العامة، وجمعيات ائتمان وبنوك، بالإضافة إلى نقابات عمالية وجمعيات تعاونية في مختلف قطاعات الأعمال. كما تُعنى الهستدروت بمعدلات الأجور وظروف العمل في القطاع الخاص. وتمثل شركات الهستدروت المتنوعة أكثر من 20% من الدخل القومي لإسرائيل، وتُعتبر مسؤولة عن تقديم الخدمات الصحية ونظام التأمين الاجتماعي في البلاد.

كما تمتد أنشطة الهستدروت التعليمية والثقافية لتشمل مدارس ثانوية وفنية، ومسارح، ومطابع كتب، وجرائد، ودوريات تقنية.  

تاريخ طويل من النفوذ في إسرائيل

وصفت صحيفة "نيويورك تايمز" في تقريرها "الهستدروت" بأنها المنظمة العمالية الأكبر في إسرائيل، وأن لها تاريخ طويل من النفوذ. ففي بداياتها، ركزت الهستدروت على تلبية احتياجات العمال في فترة هجرة اليهود إلى ما كان يُعرف آنذاك بـ "فلسطين تحت الانتداب البريطاني".

إضافةً إلى ذلك، كانت تهدف إلى وضع الأسس لقيام دولة إسرائيل. وبالفعل، ساهمت الهستدروت في تأسيس المؤسسات الصناعية والمالية والاقتصادية التي شكلت البنية التحتية للدولة الإسرائيلية عندما أُعلنت في عام 1948. وتجدر الإشارة إلى أن ديفيد بن غوريون، الذي كان زعيم الهستدروت في سنواتها الأولى، أصبح فيما بعد أول رئيس وزراء لإسرائيل. 

في السنوات الأخيرة، واصلت المنظمة لعب دور رئيسي في السياسات الإسرائيلية. على سبيل المثال، قادت إضرابًا في العام الماضي نجح في إجبار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على تعليق خطة كانت تستهدف إجراء تغييرات جوهرية في النظام القضائي الإسرائيلي.

مدينة
مدينة "تل أبيب" العاصمة الاقتصادية لدولة الاحتلال/ أرشيفية (رويترز)

بدورها، كشفت المظاهرات الأخيرة في إسرائيل عن القوة الهائلة للهستدروت  حيثُ أضافت زخمًا كبيرًا إلى الاحتجاجات من خلال دعوتها إلى إضراب عام. 

وقع الإضراب بعد أن نزل عشرات الآلاف من الإسرائيليين إلى الشوارع ليلة الأحد، وقطعوا طريق أيالون السريع الذي يمر عبر قلب تل أبيب، وأشعلوا النيران في الشوارع. وحاول بضع عشرات من ضباط الشرطة احتواء الاحتجاج لكنهم لم يتمكنوا من صده، وذكرت وسائل الإعلام المحلية أنه تم اعتقال 29 شخصًا. ما اضطرّ الحكومة الإسرائيلية تحت هذا الضغط الهائل إلى اللجوء للمحكمة لإلغاءه، ما يعكس التأثير الكبير الذي تمارسه الهستدروت في الشؤون الداخلية للبلاد.

وراح وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، إلى إدانة الإضراب العام، وقال: "يؤسفني أنه بدلاً من اختيار الانضباط، في اللحظات الصعبة، ومدّ يد العون لتعزيز الاقتصاد الإسرائيلي، ودعم الشركات وجنود الاحتياط، يُقدم رئيس الهستدروت على هذه الخطوة ويحقق بذلك حلم يحيى السنوار، وبدلاً من تمثيل العمال الإسرائيليين فهو يختار أن يمثل مصالح حماس" وفقاً لما جاء في تقرير صحيفة the guardian البريطانية.

في مواجهة هذه الانتقادات، قال رئيس الهستدروت، أرنون بار ديفيد، بينما كان محاطًا بأفراد من عائلات الرهائن: "يستحيل أن نظلّ في موقف المتفرج أكثر من ذلك. نحتاج إلى التوصل إلى صفقة.. هذا أهم من أيّ شيء آخر". يعكس هذا التصريح التزام الهستدروت بالتأثير على القرارات السياسية التي تؤثر على المجتمع الإسرائيلي بشكل عام.

وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش/ رويترز
وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش/ رويترز

 من جهتها، أفادت صحيفة هآرتس العبرية بأن مسؤولين كباراً مقرّبين من نتنياهو "اعترفوا"، مساء أمس، بأن الأخير "قلق" من ازدياد زخم الاحتجاجات، وتكرار سيناريو "ليل غالانت"، في إشارة إلى التظاهرات التي خرجت ضد قرار نتنياهو إقالة غالانت في مارس/ آذار 2023، بسبب موقفه من خطة التعديلات القضائية التي تقودها الحكومة.

تحميل المزيد