طُويت صفحة حكم الشيخة حسينة واجد بعد أقل من سبعة أشهر من احتفالها بولاية رابعة على التوالي، والخامسة بشكل عام، إثر فوزها في الانتخابات التي جرت في يناير/كانون الثاني الماضي 2024، والتي شهدت خوضها الانتخابات بدون معارضة فعلية.
وفرّت حسينة من مكانها بعد أن وصلت المظاهرات الطلابية والشبابية إلى ذروتها إصراراً على إسقاط فترة حكمها الذي دام لأكثر من ربع قرن بدءاً من عام 1996، والذي وصفه خصومها بأنها كانت فترة من الحكم بالحديد والنار.
ففي السنوات الأخيرة من حكمها، اشتهرت حسينة بإطلاق يد الجيش والشرطة في قمع خصومها، وتوسع استخدام القضاء في إصدار أحكام بالإعدام والسجن المؤبد، وقد نالت قيادات حزب الجماعة الإسلامية نصيباً غير منقوص من إعدامات الشيخة حسينة، التي استهدفتهم بشكل خاص، حيثُ أعدم النظام القائم في بنغلاديش عبر محكمة خاصة أنشأها لهذا الغرض، مجموعةً من الأسماء البارزة التي تزعمت العمل الإسلامي ضمن صفوف حزب الجماعة الإسلامية قبل انفصال بنغلاديش (باكستان الشرقية) عن باكستان عام 1971.
وفيما يلي بعض الشخصيات الإسلامية التي أعدمها النظام بقيادة شيخة حسينة واجد:
عبد القادر ملا
وُلد عبد القادر ملا، القيادي والسياسي البارز في بنغلاديش عام 1948، ويُعد أول قيادي من حزب الجماعة الإسلامية يُعدم بتهمة التورط في جرائم قتل خلال حرب الانفصال عن باكستان عام 1971 وفقاً لتقرير نشرته شبكة bbc.
في فبراير/شباط 2013، أُدين ملا بالتهم المنسوبة إليه وصدر بحقه حكم بالإعدام. وقد وُجهت إليه تهم بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية" أثناء الحرب، وهي تهم نفاها تماماً، بينما وصف حزب الجماعة الإسلامية المحاكمة بأنها ذات دوافع سياسية بحسب التقرير ذاته.
في البداية، حُكم على ملا بالسجن المؤبد، إلا أن الحكومة لم تكن راضية عن الحكم. وعليه، تم تعديل القانون للسماح بالطعن في الأحكام النهائية للمحكمة، ما أدى إلى إصدار حكم الإعدام.
أُعدم عبد القادر ملا في 12 ديسمبر/كانون الأول 2013 في السجن المركزي بالعاصمة دكا، وسط انتقادات من جماعات حقوقية بأن المحكمة لم تلتزم بالمعايير الدولية في محاكمته كما جاء ذلك في تقرير للأمم المتحدة.
كما أدان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إعدام عبد القادر ملا، محملاً حكومة بنغلاديش المسؤولية عن الظلم والاضطهاد الذي يتعرضُ له المسلمون، ولا سيما العلماء والدعاة.
علي إحسان محمد مجاهد
وُلد علي إحسان مجاهد في يناير/كانون الثاني 1948 في قرية زريف دانجي بمدينة فريدبور غرب العاصمة دكا. تلقى تعليمه الابتدائي في قريته، ثم التحق بمعهد فضل الحق عام 1959، حيث أكمل دراسته وتخرج منه.
انضم علي إحسان لحزب الجماعة الإسلامية قبل أن يُنهي دراسته الجامعية في دكا، وتدرج في الحزب حتى أصبح أمينه العام. كما تقلّد منصب وزير في الحكومة الائتلافية التي ضمت حزب الجماعة الإسلامية وحزب بنغلاديش القومي خلال الفترة من 2001 إلى 2007، ويُذكر أن والده كان عضواً في لجنة السلام خلال حرب الانفصال عن باكستان.
وبعد أن نطق القاضي بالحكم عليه بالإعدام يوم 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 صرخ مجاهد "حكم ظالم"، وقال سيف الرحمن محامي مجاهد للصحفيين "لم نحظ بمحاكمة عادلة وسنستأنف" بحسب ما ورد في "رويترز"، ورغم تقدمه بطعن في القرار، إلا أن المحكمة رفضته وأيدت الحكم بإعدامه. وواجه مجاهد تهماً متعددة، من بينها التعذيب وقتل مثقفين هندوس خلال حرب الانفصال عن باكستان عام 1971.
تم تنفيذ حكم الإعدام في علي إحسان مجاهد يوم 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، في نفس اليوم الذي أُعدم فيه صلاح الدين قادر تشودري، البرلماني عن حزب بنغلاديش الوطني الذي تقوده رئيسة الوزراء السابقة خالدة ضياء.
محمد قمر الزمان
هو قيادي في حزب الجماعة الإسلامية، وُلد في 4 يوليو/تموز 1952 في إحدى قرى منطقة شيربور في بنغلاديش.
في 9 مايو/أيار 2013، أصدرت المحكمة العليا في بنغلاديش حكماً بالإعدام عليه بتهم تتعلق بمشاركته في حرب الانفصال عن باكستان والتسبب في مقتل العشرات. نفا فريق الدفاع هذه التهم، واعتبر أن الحكم لم يكن مبنياً على أساس سليم.
انتقدت الجماعة الإسلامية الحكم، مشيرة إلى أن قمر الزمان كان شاباً خلال فترة الحرب، وأن الاتهام بقدرته على التحكم في الضباط الباكستانيين كان "سخيفاً". كما أكدت أن الوثائق المستخدمة في الاتهام لم تُعرض على المحكمة، وأن الشهادات المقدمة كانت "شهادات سماع" فقط.
عقب صدور الحكم، صرح قمر الزمان من داخل قفص الاتهام قائلاً: "إن هذا الحكم ظالم، ومن أصدره سيقف يوماً أمام عدالة التاريخ ولن ينجو من حسابه". وأضاف: "أنا ضحية للسياسة وبريء من جميع التهم الموجهة إليّ".
تم تنفيذ حكم الإعدام في قمر الزمان في 11 أبريل/نيسان 2015 في السجن المركزي بالعاصمة دكا.
مطيع الرحمن نظامي
كان زعيماً بارزاً في حزب الجماعة الإسلامية في بنغلاديش، وواحداً من الشخصيات البارزة التي شغلت عدة مناصب حكومية خلال فترة حكمه. وُلد عام 1943 في بنغلاديش، وحصل على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة دكا.
انضم نظامي إلى الرابطة الإسلامية في باكستان عام 1960، وهي منظمة تم حلها في عام 1971 بسبب معارضتها للانفصال. انتُخب نظامي نائباً في البرلمان في عامي 1991 و2001، كما تولى منصب رئيس حزب الجماعة الإسلامية في عام 2001، وعُين وزيراً للزراعة في نفس العام. في عام 2003، أصبح وزيراً للصناعة واستمر في المنصب حتى عام 2006.
اعتُقل مطيع الرحمن في عام 2011 بتهمة تهريب الأسلحة إلى الهند. في يناير/كانون الثاني 2014، صدر حكم بالإعدام ضده، وتبعه حكم آخر بالإعدام في أكتوبر/تشرين الأول 2014 من المحكمة العليا في بنغلاديش، التي اعتبرته مسؤولاً عن ارتكاب "جرائم إبادة" خلال فترة الانفصال.
وبحسب تقرير نشره موقع "الجزيرة نت" أكدت قيادة حزب الجماعة الإسلامية أن حكم الإعدام الصادر بحق مطيع الرحمن نظامي "نتج عن حسابات سياسية" للنظام القائم، الذي يسعى إلى التخلص من قيادات الحزب القوية في البلاد وتفتيت تنظيمه عبر الإعدامات والاعتقالات.
بعد صدور حكم الإعدام، علق مطيع الرحمن قائلاً: "التهم الموجهة إليّ هي من عالم الخيال، وهي أكذوبة تاريخية، حيث لا توجد أدنى علاقة لي بأي من هذه التهم."
نفذت السلطات في بنغلاديش حكم الإعدام بحق مطيع الرحمن نظامي يوم الثلاثاء 10 مايو/أيار 2016، رغم المناشدات المحلية والدولية بوقف التنفيذ. وقد وجهت إليه تهم بارتكاب أعمال إبادة جماعية والتعاون مع الجيش الباكستاني خلال حرب الانفصال عام 1971. وقد لاقى تنفيذ الحكم ترحيباً أميركياً، حيث اعتُبر خطوة نحو "تنفيذ العدالة" ضد من ارتكبوا "الفظائع" ضد الشعب البنغالي.
مير قاسم
وُلد مير قاسم علي عام 1953، وشارك كعضو في اللجنة التنفيذية المركزية لحزب الجماعة الإسلامية. هو أيضاً رجل أعمال بارز في بنغلاديش، ويدير شركات في مجالات متعددة.
تم اعتقال مير قاسم في 17 يونيو/حزيران 2012، وأدين بارتكاب "جرائم حرب"، وصدر ضده حكم بالإعدام في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2014.
في 8 مارس/آذار 2016، أيدت المحكمة العليا في بنغلاديش حكم الإعدام بحق مير قاسم علي بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب خلال حرب الانفصال عن باكستان عام 1971، والتي شملت، بحسب المحكمة، قتل وتعذيب مناضلين من أجل الحرية.
والتقى علي أفرادا من عائلته للمرة الأخيرة في السجن قبل ساعات من تنفيذ الحكم. وقالت طاهرة تنسيم إحدى بناته بعدما التقاه 23 من أفراد عائلته "أكد طوال الوقت أنه بريء. وقال إنه يتم قتله بدون مبرر". وتابعت "قال إن الحكومة القمعية تقتلهم (الزعماء الإسلاميون) لمنع الإسلام من الرسوخ في المجتمع والبلاد" كما جاء في تقرير نشرته "فرانس24"
تم تنفيذ حكم الإعدام شنقاً بحق مير قاسم علي في 3 سبتمبر/أيلول 2016، في سجن شديد الحراسة على مشارف العاصمة دكا.
ما هي حربُ الانفصال عن باكستان التي حوكمت القيادات الإسلامية من أجلها؟
وقبل نحو 70 عاماً، كان انسحاب بريطانيا من الهند علامةً على نهاية الإمبراطورية البريطانية في شبه القارة الهندية. بعد أن انسحبت بريطانيا من منطقة كانت تُعتبر أحد أهم أقاليم تاجها البريطاني، خلفت وراءها دولتين مستقلتين، وأسفرت عملية التقسيم التي جرت آنذاك عن واحدة من أكبر المآسي في القرن العشرين.
قبل الانفصال، كان التقسيم الديموغرافي للهند مختلفاً، حيث كانت شبه القارة الهندية مقسمة إلى قسمين جغرافيين كبيرين: بلاد السند والبنجاب من جهة، وبلاد الهند من جهة أخرى. بلاد السند هي المنطقة المحيطة بنهر السند، والذي كان يُعرف قديماً بـ"نهر مهران"، وينبع من منطقة كشمير.
وشهد إقليم كشمير، الذي كان يسكنه المسلمون فترةً طويلةً من الحكم الإسلامي بدءاً من عهد الوليد بن عبد الملك (86-96هـ)، الذي شهد الفتح الإسلامي المنظم لهذه المنطقة. ومع تغيُّر الحكم من إسلامي إلى بريطاني ثم إلى هندي، كان من الصعب على أهل المنطقة تقبل هذا التحول، ما دفعهم للسعي نحو الانفصال لتحقيق منطقة حكم ذاتي تحت إدارة مسلمة.
وكانت حرب الانفصال عن باكستان عام 1971، والمعروفة أيضاً بحرب تحرير بنغلاديش نزاعاً حاسماً أدى إلى استقلال بنغلاديش عن باكستان. بدأت الحرب في مارس 1971 واستمرت حتى ديسمبر من نفس العام، وأسفرت عن تأسيس دولة بنغلاديش كدولة ذات سيادة.