تُشير شهادات الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم مؤخراً إلى أن التعذيب في سجون الاحتلال الإسرائيلي يتسم بالوحشية والسادية، وهو ما يتجاوز حدود التصور. وفي حين أن هذه التجارب القاسية كانت سائدة منذ بدايات الثورة الفلسطينية، تختلف روايات الأسرى الذين اعتقلوا بعد الـ 7 من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 بشكل ملحوظ، حيثُ وصف هؤلاء الأسرى تجاربهم في ظل التصعيد العسكري الإسرائيلي ضدّ غزة، ما يُبرز تغييرات واضحة في أساليب التعذيب المستخدمة.
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي صعّدت إسرائيل حملة اعتقالاتها وانتهاكاتها بحق الفلسطينيين بالضفة الغربية المحتلّة بما فيها مدينة القدس الشرقية، وتزامن هذا التصعيد مع فرض إجراءات "انتقامية" صارمة بحق الأسرى.
ووفقًا لهيئة شؤون الأسرى والمحررين فقد ارتفع عدد المعتقلين في الضفة الغربية المحتلة، الثلاثاء، إلى تسعة آلاف وستمائة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وذلك بعد اعتقال الجيش الإسرائيلي 16 فلسطينيا في عدة محافظات.
اغتصاب وتهديدات بالاعتداء الجنسي ضد المُعتقلات الفلسطينيات
في بيان مشترك صدر يوم الاثنين 19 فبراير/شباط 2024 أعرب مقررو الأمم المتحدة عن قلقهم العميق إزاء التقارير التي تفيد بوقوع حالات "اغتصاب وتهديدات بالاعتداء الجنسي" من قبل القوات الإسرائيلية أثناء اعتقالها التعسفي للنساء والفتيات الفلسطينيات.
وصف المقررون هذه الانتهاكات المبلّغ عنها بحق النساء والفتيات في فلسطين، التي تعاني من الحصار والهجمات الإسرائيلية المكثفة بأنها "مروعة".
وأكد البيان على وجود أدلة قاطعة تشير إلى حدوث انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تعرضت لها النساء والفتيات في كل من قطاع غزة والضفة الغربية.
وأشارت التقارير إلى إعدامات تعسفية طالت النساء والفتيات في غزة، غالباً مع أفراد من أسرهن. وأضاف البيان: "لقد صدمتنا التقارير التي تشير إلى أن النساء والفتيات الفلسطينيات يتم استهدافهن عمداً وإعدامهن خارج نطاق القضاء أثناء اللجوء أو محاولة الفرار. وبحسب ما ورد، كان بعضهن يحملن أعلاماً بيضاء عندما تم قتلهن على يد الجيش الإسرائيلي أو القوات التابعة له".
حفلات اغتصاب جماعية وفردية
وبحسب ما كشفه رئيس نادي الأسير الفلسطيني عبد الله الزغاري في تقرير لل"جزيرة نت" فإن الأسرى الذين اعتقلهم الاحتلال وأغلبهم من المدنيين والمواطنين العزل الأبرياء الذين اعتقلوا أثناء النزوح من الشمال إلى الجنوب أو اقتحام المنازل كان يقع تحويلهم إلى قاعدة عسكرية يطلق عليها معسكر سدي تيمان وهي عبارة على سجن يحتجز فيه الآلاف من قطاع غزة داخل "بيوت صغيرة متنقلة" تحتوي كل واحدة على 140 أسيرا يتعرضون يوميا إلى التعذيب بوسائل وحشية تفوق تصور العقل البشري، ويُتركون معصوبي الأعين ومكبلي الأيدي والأرجل بلا طعام لأيام وأسابيع، وتنهش الكلاب أجسادهم وتعرّض بعضهم إلى انتهاكات جنسية.
كما كشف رئيس نادي الأسير الفلسطيني أن هؤلاء الأسرى أوضحوا للمحامين أنهم تعرضوا إلى اغتصاب جماعي وفردي وأنهم يتعرضون للضرب، وأن هناك من قُتلوا وأُعدموا داخل السجن.
الشبح والمنع من النوم ضدّ الأسرى الفلسطينيين
وثّق المركز الفلسطيني للإعلام شهادة الأسير المحرّر هاني زين الدين، الذي أمضى 25 يوماً في سجون الاحتلال دون أن يُعرف مكان احتجازه. يروي زين الدين ما تعرض له من تعذيب قاسٍ وحرمان شديد، حيث قضى أسبوعاً تحت الشبح المستمر، وتعرض للضرب على مختلف أنحاء جسده، بالإضافة إلى حرمانه من قضاء حاجته أو الحصول على الماء.
ويستذكر حادثة مؤلمة حيث طلب الماء من أحد الجنود، فأجابه الجندي ساخراً وسأله عما إذا كان يحتاجه حقاً، وعندما أكد زين الدين شعوره بالعطش، طلب الجندي منه فتح فمه ثم بصق بداخله.
واختتم زين الدين شهادته قائلاً: "الداخل إلى سجون الاحتلال مفقود، والخارج منها مولود"، في إشارة إلى بشاعة الانتهاكات والتعذيب الذي لا يمكن تحمله.
وتعدّ طريقة التعذيب بـ"الشبح" في السجون الإسرائيلية من أكثر الأساليب القاسية التي تستخدم ضد الأسرى الفلسطينيين. تُعرف هذه الطريقة بإجبار الأسير على البقاء في أوضاع جسدية مؤلمة ومهينة لفترات طويلة، ما يسبب له آلاماً جسديةً ونفسيةً شديدةً، ويمكن تلخيص تفاصيل "الشبح" كما يلي:
وضعيات الجلوس أو الوقوف القسري: يُجبر الأسير على الوقوف أو الجلوس في وضعية معينة لفترة زمنية طويلة دون حركة، قد يتم تكبيل اليدين خلف الظهر أو أمام الجسد وتثبيت الأرجل لمنعه من التحرك.
استخدام الأصفاد: يتم تقييد الأسرى بأصفاد معدنية شديدة الضيق حول اليدين، ما يسبب ضغطاً وألماً كبيراً، خصوصاً مع مرور الوقت.
ربط الأسير بمكان مرتفع: في بعض الأحيان، يتم تقييد الأسير بحبل أو أصفاد تربطه إلى سقف أو جدار بزاوية معينة، ما يجعل الحركة أو الراحة مستحيلة.
الحرمان من النوم والحركة: يُمنع الأسير من النوم أو الاستلقاء، ويُجبر على البقاء في وضعية الشبح لساعات طويلة قد تصل إلى أيام، ما يسبب إرهاقاً جسديًا ونفسيًا شديدًا.
التعرض للبرد أو الحر: في بعض الأحيان، يتم تعريض الأسرى لدرجات حرارة شديدة البرودة أو الحرارة، ما يزيد من قسوة التعذيب.
الآثار الجسدية والنفسية: تؤدي هذه الطريقة إلى آلام شديدة في الظهر والمفاصل، وتورم اليدين والقدمين نتيجة القيود، إضافة إلى الإرهاق النفسي والضغط الذي قد يصل إلى انهيارات نفسية.
التجويع والحرمان من الماء
تتطابق شهادات الأسرى الذين أفرجت عنهم سلطات الاحتلال الإسرائيلي مؤخراً تتطابق مع روايات أخرى عن ظروف الاعتقال القاسية التي تعرضوا لها.
أكّد هؤلاء الأسرى، بمن فيهم من قطاع غزة، أنهم تعرضوا للتجويع المستمر منذ 7 أكتوبر، ولم يحصلوا على ما يكفي من الطعام طيلة فترة احتجازهم، وأوضحوا أن الوجبات المقدمة كانت سيئة للغاية، وكانت تُقدم بكميات ضئيلة وملاعق معدودة.
كما أشاروا إلى أنهم كانوا محرومين من الماء لفترات تصل إلى 23 ساعة يوميًا، وفي الساعة الوحيدة المتاحة لهم، كان عليهم قضاء كل احتياجاتهم من شرب، وضوء، ونظافة، ما يزيد من معاناتهم اليومية ويجعل الظروف أكثر قسوة وصعوبة.
أهلا بكم في جهنم
كشف تقرير بعنوان "أهلا بكم في جهنم" نشره موقع "الجزيرة نت" عن مقتل 60 أسيراً فلسطينياً على الأقل داخل السجون الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول. استند التقرير إلى شهادات عدة أسرى فلسطينيين، وأظهر أن أكثر من 12 من مراكز الاحتجاز الإسرائيلية قد تحولت إلى معسكرات تهدف أساسًا إلى تعذيب المحتجزين فيها.
أكد التقرير أن هذه الانتهاكات تشكل انتهاكًا واضحًا للقانون الدولي، وترقى إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. واستند إلى شهادات 55 أسيرًا فلسطينيًا تم الإفراج عنهم مؤخرًا، شملوا 30 أسيرًا من الضفة الغربية والقدس الشرقية، و21 من قطاع غزة، و4 فلسطينيين من داخل الخط الأخضر يحملون الجنسية الإسرائيلية.
وأشار التقرير إلى أن عمليات عد الأسرى وتفتيش الزنازين تتم يوميًا بطريقة مهينة، حيث يُجبر الأسرى على التواجد في زاوية الزنزانة، مكبلي الأيدي ورؤوسهم على الأرض، من 3 إلى 5 مرات يوميًا، كما ذكر أنّ مصلحة السجون الإسرائيلية استغلت حالة الطوارئ لعرقلة وصول المحامين إلى الأسرى.
ويستعرض التقرير بشكل مفصل الأدوات والأساليب التي يستخدمها الاحتلال الإسرائيلي في تعذيب الأسرى داخل سجونه، حيثُ تشمل هذه الأدوات:
غاز الفلفل: يُستخدم لشل حركة الأسرى وإحداث ألم شديد.
قنابل الصوت: تُطلق لإحداث ضوضاء عالية تسبب الارتباك والقلق.
الهراوات الخشبية والحديدية: تُستخدم لضرب الأسرى وإلحاق الأذى الجسدي.
مسدسات صعق الكهرباء: تُستخدم لإحداث صدمات كهربائية مؤلمة.
الكلاب المتوحشة: تُستخدم لتهديد الأسرى وإرهابهم.
الضرب واللكم والركل: تُستخدم لتعرض الأسرى للإصابات الجسدية.
الشبح: تُجبر الأسرى على البقاء في أوضاع مؤلمة لمدد طويلة.
تعصيب الأعين: يُستخدم لتقييد الحركة وإحداث تشوش بصري للأسير، وقد يستمر لعدة ساعات أو أيام أو حتى أسابيع.
كما يشمل التعذيب:
تقييد الأيدي والأرجل: تُربط الأيدي والأرجل بشكل دائم ولأسابيع طويلة، ما يؤدي إلى تلف الأعضاء وبترها.
وضعية القرفصاء: يُجبر الأسرى على طأطأة رؤوسهم في وضعية القرفصاء، والنوم على البطون لفترات طويلة.
ووفقًا للتقرير، فإن هذه المعاملة القاسية تُنفذ كجزء من سياسة متعمدة تحت إشراف وزير الأمن الوطني المتطرف، إيتمار بن غفير.