اتسعت أعمال الشغب في بريطانيا، حيث شارك فيها مئات المحتجين من اليمين البريطاني المتطرف المناهضين للهجرة، إثر انتشار معلومات زائفة عبر الإنترنت حول مهاجر من "المسلمين المتشددين" يُزعم أنه نفذ هُجوماً بسكين ضد ثلاث فتيات يوم الاثنين 24 أغسطس/آب خلال حفل راقص في مدينة ساوثبورت.
قاد هذه المظاهرات مجموعات يمينية متطرّفة، ما دفع السلطات لاعتقال العشرات منهم وحذرت من دعوات جماعات يمينية للخروج والتظاهر، فيما عبّر أئمة المساجد في بريطانيا عن قلقهم من تصاعد التحريض ضدهم، وذلك بعد تعرّض مسجد في مدينة سندرلاند في شمال شرقي البلاد، وآخر في مدينة ساوثبورت (شمالي غرب) لهجمات خلال اشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين.
واليمين المتطرّف البريطاني هو تيار سياسي وفكري بريطاني بدأت أولى بوادر تشكله عقب الحرب العالمية الأولى، وانحسر بعد الحرب العالمية الثانية، لكنه عاد للظهور نهاية القرن العشرين، يتبنى أفكارا معادية للإسلام والمسلمين، وللمهاجرين واللاجئين والتعددية الثقافية عموما.
نشأة أقصى اليمين البريطاني وأبرز أحزابه
وفقاً لموسوعة britannica تشكَّل أقصى اليمين البريطاني نتيجةً لتداخل عوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية على مدى قرون، وبرز كتيّار متطرّف عقب الحرب العالمية الأولى.
تأثرت هذه الحركات بالأيديولوجيات الفاشية في إيطاليا والنازية في ألمانيا، ما ساهم في ظهورها بشكل أكثر تنظيماً. كان من أبرز الشخصيات التي قادت هذا التيار أوزوالد موزلي، الذي أسس الاتحاد البريطاني للفاشيين في عام 1932، ساعياً إلى تجسيد الأيديولوجيات الفاشية في السياق البريطاني.
فكر اليمين المتطرف البريطاني
يركّز الفكر اليميني المتطرف على القومية العرقية والعنصرية، مع تأكيد على "النقاء الثقافي" ويرتبط هذا الفكر بمخاوف من تأثيرات الأجانب على الهوية الوطنية والاقتصاد.
ويشدّد اليمين المتطرف على فكرة النقاء العرقي، ويعتبرها أساس الحفاظ على هوية الأمة، كما يستهدف اليمين المتطرف المهاجرين، وخاصة المسلمين، ويصورهم كأعداء للقيم الغربية. يُلقى اللوم عليهم لتسبُبهم في استغلال نظام الرفاهية الاجتماعية، وارتفاع معدلات الجريمة، وانتشار الأمراض التي تم القضاء عليها سابقًا.
ويقدم اليمين المتطرف لنُصُره هوية حصرية، ويحدد من يُلام عليهم من الطبقة السياسية، ويعتمد على حلول سريعة مثل طرد الأجانب وإسقاط النخب السياسية، وهو يستغل الغضب العام من الفساد السياسي ويشجع على تعزيز المشاركة السياسية المباشرة والثقة في القادة الكاريزميين.
أحزاب اليمين المتطرّف
الاتحاد البريطاني للفاشيين (BUF)
هو حزب سياسي بريطاني يميني يُعرف بالاتحاد البريطاني للفاشيين، تأسس في عام 1932 على يد أوزوالد موزلي، الذي كان يسعى للهيمنة كدكتاتور محتمل.
تبنى الحزب معاداة السامية بشدة وفلسفة اقتصادية نقابية، واستلهم أيديولوجيته ونهجه من النظام الفاشي الإيطالي وألمانيا النازية، وكلاهما قدم دعماً مالياً للحركة البريطانية، ثمّ تم حل الحزب بعد وقت قصير من بدء الحرب العالمية الثانية.
في مايو/أيار 1940، وطبقاً للوائح الدفاعية في زمن الحرب التي سمحت باعتقال واحتجاز المتعاطفين مع العدو، تم سجن أوزوالد موزلي وقادة آخرين من اتحاد الفاشيين البريطانيين، وبحلول يوليو من نفس العام، تم إنهاء أنشطة المنظمة.
بعد الحرب، حاول موزلي في عام 1948 إحياء اتحاد الفاشيين البريطانيين كمجموعة جديدة، لكنه فشل في تحقيق هذا الهدف. رغم ذلك، لم تختفِ أيديولوجيته تماماً، حيث تأسس الحزب الوطني البريطاني في أوائل الستينيات على يد جون تيندال عام 1982، مستمراً في التأثير على الساحة السياسية
الحزب الوطني البريطاني
الحزب الوطني البريطاني (BNP) هو حزب سياسي تأسس في عام 1982 من أقصى اليمين في المملكة المتحدة على يد جون تيندال ويتميز بتوجهاته الفاشية، ويقع مقرّه الرئيسي في ويغتون، كمبريا.
وعلى الرغم من عدم وجود أي ممثلين منتخبين له على أي مستوى من مستويات حكومة المملكة المتحدة، فقد حقق الحزب ذروته في عام 2000. في ذلك الوقت، كان لديه أكثر من خمسين مقعداً في الحكومات المحلية، مقعد واحد في هيئة لندن التشريعية، واثنان من أعضاء البرلمان الأوروبي.
وذكرت صحيفة "the guardian" في تقرير لها أنه لا أحد ممن شاهدوا جون تيندال، الرئيس السابق للجبهة الوطنية والحزب الوطني البريطاني، الذي توفي عن عمر يناهز 71 عاماً، وهو يخاطب أنصاره يمكن أن يشك في أنه كان يعتقد أنه الزعيم المختار للعرق المتفوق.
وقد عزز الحزب الوطني البريطاني سياساته من خلال التركيز على قضايا مثل نهاية العالم الثالث، الهجرة، وصعود شعبية اليمين.
رابطة الدفاع الإنجليزية
أسس تومي روبنسون، بالتعاون مع ابن عمه كيفن كارول، رابطة الدفاع الإنجليزية (EDL) في 27 يونيو/حزيران 2009. تعتبر رابطة الدفاع الإنجليزية حركة سياسية يمينية متطرفة حسب تصنيف معارضيها وبعض وسائل الإعلام، رغم أن الجماعة تنكر رسمياً أن تكون موجهة سياسياً وتدعي أنها ضد العنصرية.
وكان "تومي روبنسون" من بين الأسماء التي ترددت بانتظام في الهتافات التي استخدمها المحرضون اليمينيون المتطرفون أثناء عمليات إحراق المكتبات، ومهاجمة المساجد، وتحطيم النوافذ بحسب ما جاء في موقع middleeast eye
الهدف المعلن للحركة هو مواجهة أسلمة إنجلترا، من خلال تنظيم العديد من المظاهرات التي جذبت مئات المتظاهرين في مدن مختلفة عبر البلاد منذ تأسيسها على يد تومي روبنسون، كما يهدف الحزب إلى "إبقاء بريطانيا للبريطانيين" من خلال منع الأشخاص من دول أخرى من الانتقال إلى المملكة المتحدة.
حزب الاستقلال البريطاني
تأسس حزب استقلال المملكة المتحدة (UKIP) في عام 1993، متبنياً فلسفة ليبرالية شعبوية تركز على انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. يعود أصل الحزب إلى رابطة مناهضة الفيدرالية، التي قادها آلان سكيد، والتي عارضت معاهدة ماستريخت التي أسست الاتحاد الأوروبي.
رشح الحزب حوالي 200 مرشح في انتخابات عام 1997، ولكن أداؤه كان ضعيفاً، حيث حصل على نحو 1% من الأصوات. ومع ذلك، حقق الحزب نتائج أفضل في انتخابات البرلمان الأوروبي عام 1999، بفوزه بثلاثة مقاعد. استغل الحزب تزايد المشاعر المعادية للهجرة وسخط الناخبين من حزب العمال، مما ساعده على الفوز بـ12 مقعداً في البرلمان الأوروبي في عام 2004.
حقق حزب استقلال المملكة المتحدة أداءً مميزاً في انتخابات البرلمان الأوروبي عام 2009، حيث حصل على 13 مقعداً، متفوقاً على الديمقراطيين الليبراليين ومتساوياً مع حزب العمال. في البرلمان الأوروبي، تعاون الحزب مع أحزاب متشككة في أوروبا ومعادية للهجرة، مثل الجبهة الوطنية الفرنسية وحزب الحرية الهولندي.
في مايو/أيار 2014، حصل الحزب على أكثر من 27% من الأصوات في الانتخابات الأوروبية، وهو إنجاز تاريخي، ثم فاز بأول مقعد منتخب له في البرلمان في أكتوبر/تشرين الأول 2014.
رغم حصول الحزب على حوالي أربعة ملايين صوت في الانتخابات العامة مايو/أيار 2015، وترجم ذلك إلى مقعد برلماني واحد فقط، دعا زعيم الحزب نايجل فاراج إلى إصلاح نظام التصويت. بعد فشله في الفوز بمقعد ثانٍ، أعلن فاراج استقالته، لكن اللجنة التنفيذية للحزب رفضت قبولها. في مايو/أيار 2016، حقق الحزب تقدمًا آخر بفوزه بسبعة مقاعد في الجمعية الوطنية لويلز.
تصاعُد أعمال الشغب والاحتجاجات اليمينية في بريطانيا
وشهد الأسبوع الأول من أغسطس الجاري موجة من الاحتجاجات اليمينية المناهضة للهجرة، ترافقت مع أعمال شغب غير مسبوقة في عدة مدن بريطانية. تمثلت أعمال العنف بهجمات نفذتها جماعات اليمين المتطرف ضد مساجد المسلمين وفنادق وبنايات تأوي طالبي اللجوء.
تجددت أعمال الشغب بعد جريمة قتل وقعت في 29 يوليو/ تموز 2024، حيث قُتلت ثلاث فتيات تتراوح أعمارهن بين ست وتسع سنوات، وأصيب ثمانية أطفال آخرون واثنان من البالغين بجروح خلال هجوم مسلح على حفل راقص للأطفال في بلدة ساوثبورت الساحلية شمال إنجلترا.
ألقت الشرطة القبض على الشاب البالغ من العمر 17 عاماً، الذي نفذ الهجوم، إلا أن الحادث استُغل بسرعة لنشر معلومات مضللة على منصات التواصل الاجتماعي، مفادها أن المهاجم كان مهاجراً إسلامياً، ما أدى إلى تصاعد حركة احتجاجات عنيفة مناهضة للمسلمين في المدينة.
توسعت الاحتجاجات اليمينية المدفوعة بالمعلومات المضللة، مما دفع الشرطة البريطانية إلى الإسراع بنشر الحقائق حول الجريمة ومرتكبها. اتضح أن المهاجم، الذي وُلد في ويلز لأبوين مهاجرين من رواندا، ليس مًهاجراً ولا مُسلماً، وأن الجريمة لا تُصنّف كعمل إرهابي.
في مساء اليوم التالي، تجمع أكثر من ألف شخص في وقفة احتجاجية لتكريم ضحايا جريمة ساوثبورت. ومع ذلك، اندلعت أعمال عنف بالقرب من مسجد محلي، حيث قامت الحشود بإلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة والمفرقعات على المسجد، بالإضافة إلى مهاجمة سيارات الشرطة. وأسفرت هذه الاعتداءات عن إصابة 27 ضابطًا، نُقلوا إلى المستشفى لتلقي العلاج، وأضرمت النيران في شاحنة للشرطة.