عرف التاريخ العديد من التظاهرات الطلابية التي كان لها تأثير محوري في تغيير الأحداث وتحولات كبيرة في السياسة وقيادة وتوجيه المجتمعات بشكل إيجابي، حيث كانت تسعى إلى رفع الوعي العام وكشف خفايا تسلط السلطة، وتعد الحافز الأول للثورات والانتفاضات التي أطاحت بالأنظمة الفاسدة والحكومات القمعية في عدة دول عربية، بما في ذلك مصر وتونس واليمن وسوريا، خلال فترة الربيع العربي.
أما اليوم وفي ظلّ تواصل الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين والمنددة بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في الجامعات الأميركية، ما أدى إلى إلقاء الشرطة القبض على عشرات المحتجين من الطلبة الجامعيين وفي الوقت الذي إمتدّ فيه صدى هذه الاحتجاجات إلى جامعات كندا ودول غربية، حيث امتدت الثورة الطلابية من الساحل الشرقي إلى أقصى غرب البلاد.. يفرض السؤال نفسه حول غياب صوت الطلاب في الجامعات العربية وما الذي أصابها حتى تصطف في مقاعد المتفرجين تجاه حكام لا يزالون يواصلون قمع شعوبهم حتى اليوم من جهة واستنكار هذا التخاذل في سبيل الدعوة لتحرير فلسطين من جهة أخرى.
الحراك الطلابي في مصر
يحتفل الشعب المصري في يوم 21 فبراير بيوم الطالب المصري، وهو يوم يُخلد ذكرى نضال الحركة الطلابية في مصر ضد الاحتلال الإنجليزي في الأربعينيات كما يتزامن هذا اليوم أيضاً مع ذكرى النضال ضد نظام عبد الناصر المهزوم، حيث حاول ضربهم بالطيران وتجسد هذه الذكرى دور الحركة الطلابية في مصر في النضال الوطني، وتبرز تضحياتهم بدمائهم من أجل الوطن عبر مختلف الفترات التاريخية في تاريخ مصر المعاصر
ثورة 1919 شرارة الحراك الطلابي المصري
وقد كانت ثورة 1919 كانت ثورة طلابية في المقام الأول، حيث برز دور الطلبة بشكل فعّال خلال هذه الفترة وتظهر أهمية دور الطلبة في ثورة 1919 من خلال استجابتهم لنفي زعيم الوفد سعد زغلول، حيث توجهوا إلى بيت الأمة رافضين التهدئة التي حاولت قيادات الوفد إقناعهم بها.. رفض الطلبة الانتظار والمفاوضات مع الاحتلال، وشعروا بالضرورة الملحة للخروج والاحتجاج بقوة من أجل استعادة حقوقهم وقد كانت هذه الفعالية الطلابية وقوداً لثورة 1919، التي تعتبر واحدة من أهم الثورات في تاريخ مصر المعاصر حيث انطلق صوت الطلبة بالهتاف الشهير "سعد سعد يحيا سعد"، معبّرين عن تضامنهم مع زعيمهم ومطالبتهم بإعادته.
الحركة الطلابية في مصر في مقارعة الاحتلال
بعد ثورة 1919، استمرت الحركة الطلابية في مصر في النشاط السياسي، حيث لعبت دوراً بارزاً في الحراك الوطني.. كانت الطلاب متنوعين في انتماءاتهم السياسية، حيث كان البعض منهم ينتمي إلى الأحزاب الوطنية مثل الوفد ومصر الفتاة والحزب الوطني، بينما انجذب آخرون لتيارات سياسية أخرى مثل حركات الشيوعيين والإخوان المسلمين. ومن أبرز الأحداث التي شهدتها الحركة الطلابية كانت الانتفاضة الكبرى بعد الحرب العالمية الثانية، حيث كان الهدف منها إلغاء معاهدة عام 1938 والمطالبة بالجلاء البريطاني
الحركة الطلابية في مصر بعد ثورة 1919: من الاحتجاجات السلمية إلى الثورة المسلحة
في فترة الثلاثينيات، انتعشت الحركة الطلابية في مصر بشكل ملحوظ، حيث شهدت اجتماعات مكثفة بين القيادات الطلابية داخل الحركة الوطنية، بهدف توحيد التيارات السياسية المختلفة وإعداد برنامج مشترك.
ونتيجة لذلك، تم تنظيم مسيرة في 9 فبراير، وتقديم مذكرة للقصر تطالب بوقف المفاوضات مع بريطانيا وإلغاء معاهدة 1936 وأي معاهدة دفاعية معها.
وفي يوم 9 فبراير 1946، خرج آلاف الطلاب في مسيرات ضخمة من القاهرة أصبحت شهيرة بـ"مسيرة كوبري عباس"، للانضمام إلى زملائهم في الحرم الجامعي وبينما كانوا يعبرون كوبري عباس، اندلعت حالة من الهلع وسقط بعض الطلاب في النهر غرقاً.
وفي 10 فبراير، اجتمع الملك مع عدد من الطلاب وأظهر عدم رضاه عن تصرف الحكومة، وبعد ذلك تم عزل النقراشي باشا وتعيين وزارة جديدة برئاسة إسماعيل صدقي وأثناء هذه الفترة، حاول الطلاب التنسيق مع الطبقة العاملة وشهدت مصر محاولة للتوحيد بين الطلاب والعمال.
وفي 21 فبراير، دعت اللجنة الوطنية للعمال والطلبة إلى إضراب عام، ما أدى إلى مظاهرات ضخمة في العديد من المدن، وفي القاهرة حاول الطلاب التقدم نحو ميدان التحرير ولكن تصدت لهم الحامية البريطانية، ما أسفر عن سقوط العديد من الضحايا.
وعندما وصلت أخبار هذه الأحداث إلى دول أخرى، أعلنت التضامن مع الطلاب المصريين وأقامت إضرابات في جامعاتها. ولم تتوقف الحركة الطلابية بعد هذه الأحداث، بل استمرت في التنسيق مع الحركات السياسية المختلفة، وبعض الطلاب إتجهوا إلى العمل الفدائي المسلح ضد القوات البريطانية، واستمرت الحركة في حراكها الثوري حتى ثورة 23 يوليو 1952.
من النضال ضد الاحتلال إلى مواجهة السلطة الناصرية
في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية، كانت الحركة الطلابية في مصر تتصدر الأحداث السياسية. فقد شهدت الجامعات نشاطاً ملحوظاً من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس في السنوات التي سبقت ثورة يوليو عام 1952 وقد كان لهم دور بارز في الأحداث التي نجمت عن إلغاء معاهدة 1936.
خلال الفترة من عام 1946 إلى 1952، شهد النشاط السياسي داخل الجامعات توزيعاً بين ثلاث كتل رئيسية، وهي: الوفديون والشيوعيون والإخوان المسلمون، بالإضافة إلى مجموعات قليلة تابعة للحزب الاشتراكي "مصر الفتاة" وكانت الحركات الطلابية تعتمد بشكل أساسي على التظاهرات والإضرابات في المناسبات الوطنية المختلفة للتعبير عن مطالبها.
وقد واجهت حكومة جمال عبد الناصر الطلاب بقسوة بعد ذلك، حيث ألقي القبض على قيادات الحركة الطلابية في عام 1968 بسبب توسع دوائر المطالب وانتشارها لتشمل الحريات وتنوع شكل النظام وأدت هذه التطورات إلى تصاعد المظاهرات مجدداً مع الطلبة يطالبون بالإفراج عن زملائهم المعتقلين. وفي هذا السياق، قام اللواء مصطفى الحناوي، قائد الطيران في تلك الفترة، بكشف موقفه وموقف عدد من الضباط الآخرين برفض تنفيذ أوامر عبد الناصر بضرب الطلاب المحتجين في الإسكندرية بالنيران بواسطة المروحيات ورغم رفضهم، فإن اللواء الحناوي وزملاءه تم عزلهم لاحقاً بأمر من عبد الناصر.
ثم تراجعت الحكومة في نهاية المطاف وألغت الأحكام التي صدرت بحق الطلاب، وأُحيلت القضية إلى محكمة عسكرية عليا أخرى، واستجابت لمطالب الطلاب بمزيد من الاستقلالية والحرية في تنظيم اتحاداتهم والمشاركة في الحياة السياسية.
انتفاضة يناير 1972 في مصر: صوت الطلبة ومطالب الوطن
تعتبر انتفاضة يناير 1972 في مصر نقطة تحول هامة حيث اندفع الطلاب للتعبير عن قضايا الوطن بشكل واضح، حيث أصبحوا صوتاً قوياً يعبر عن الوعي السياسي والوطني.
وقد كانت أهداف المطالب الطلابية تتمحور حول إنهاء حالة اللاسلم واللاحرب، والمطالبة باتخاذ إجراءات فورية لتحرير الأراضي المصرية المحتلة من قبل العدو الصهيوني، والدعوة إلى تحقيق الديمقراطية وتغيير النظام السياسي في مصر، بالإضافة إلى حرية الصحافة.
كما كان التركيز على البنية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد، حيث طالب الطلبة بإقامة "اقتصاد حرب"، ورفضوا ربط الاقتصاد المصري بالمصالح الإمبريالية، وطالبوا بالإفراج عن العمال المعتقلين واحترام الجمعيات النقابية.
وعكست هذه الانتفاضة تحولاً في الحركة الطلابية من مجرد رد فعل على الهزيمة إلى حركة سياسية تمثل فئات اجتماعية مختلفة، ما أجبر النظام الحاكم على مواجهة القضايا الملتهبة. وعلى الرغم من محاولات بعض الإذاعات الأجنبية والصحف الموالية استغلال الوضع لخدمة أهدافها، إلا أن هذه الحركة أسهمت في دفع النظام لاتخاذ إجراءات صارمة، بما في ذلك إلقاء القبض على قادة الحركة الطلابية، في خطوة تحمل معها تهديداً بالاستخدام المتزايد للقمع السياسي.
الحركة الطلابية المصرية وثورة 25 يناير
رصدت الثورة المصرية في يناير 2011 مطالب الحركة الطلابية بشكل واضح، فبالرغم من انحسار الحركة الطلابية فيما بعد ذلك، فإن إرثها الواضح لا يُنكر.
تفاعل الطلاب المصريون بشكل كبير مع الأحداث الثورية في البلاد، وشهدت الجامعات مطالبات كبيرة بالتخلص من ذيول الحزب الوطني، وتجسد ذلك في اعتصام طلابي بجامعة الإسكندرية لعشرة أيام للمطالبة بإقالة رئيس الجامعة، ومظاهرات في جامعة القاهرة لإبعاد عميدهم الذي كان عضواً سابقاً في الحزب الوطني.
كانت الأحداث السياسية بعد ذلك، مثل مجزرة محمد محمود ومجزرة بورسعيد، سياقاً لإعادة ساحة العمل للحركة الطلابية في مصر لكن الانقسامات زادت بعد أحداث 30 يونيو 2013، حيث اشتعلت المشاحنات بين طلاب الجماعة والتيارات المدنية والثورية في الجامعات.
تونس
الحركة الطلابية التونسية والتصدّي للاحتلال الفرنسي
في القرن العشرين، شكّلت الحركة الطلابية في تونس جزءاً أساسياً من تاريخ نضال الطلبة الذي يرتكز على الدفاع عن القيم الإنسانية والكونية، وينادي بضمان حقوق الشعوب في تقرير مصيرها فقد كانت سمة "الاحتجاج" هي السمة البارزة في المقاومة ضد الاستعمار في مرحلة مبكرة، وكذلك في مواجهة الظلم والدكتاتورية بعد الاستقلال لصالح شعبهم.
وفي الوقت الذي كانت فيه حالة القلق مسيطرة على مختلف التيارات القومية والإسلامية واليسارية والمستقلة داخل الحركة الطلابية في تونس قبل 36 عاماً، كانت أصوات الطلاب تدعو إلى ضرورة إيجاد إطار طلابي جامع يضمن تمثيلاً شاملاً لمختلف التوجهات، ليكون عائقاً أمام محاولات السلطة فرض سيطرتها على الجامعة من خلال استهداف الأصوات المعارضة.
بعد تأسيس الاتحاد العام التونسي للطلبة، شهدت الجامعات والشوارع والمدن التونسية مسيرات حاشدة يقودها الاتحاد، حاملةً شعارات تنادي بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وقد كان الاتحاد مستعداً لتقديم التضحيات، وقد تجلى ذلك في عدة محطات..
من بين تلك المحطات الهامّة كان يوم 8 مايو/أيار 1991، حيث اقتحمت قوات الأمن المدرسة القومية للمهندسين بتونس وأراقت دماء الشهيد أحمد العمري. وفي نفس اليوم، اقتحمت قوات الأمن كلية العلوم بتونس وأطلقت النار على رأس الشهيد عدنان بن سعيد، ما جعل هذا اليوم يوماً أسوداً وحزيناً في تاريخ الجامعة التونسية.
المواجهة الحاسمة مع السلطة
وقد وصل نظام بن علي، في عام 1991، إلى قناعة تامة بأن تعزيز سيطرته على البلاد يتطلب السيطرة على الجامعات، التي اعتبرها مصدراً مستمراً للقلق بسبب النشاط السياسي فيها بعد أن فشلت جميع المحاولات لإيجاد تسوية سياسية مع التنظيم الطلابي الكبير داخل الجامعات، الذي كان يطالب بالحريات السياسية والانتخابات الحرة والشفافة.
وفي استجابة سريعة، بدأ النظام في تلفيق التهم القضائية ضد المناضلين الطلابيين، وشن حملات أمنية واسعة في الجامعات باستخدام البوليس السياسي والطلاب اليساريين المتطرفين للتجسس على قادة الحركة الطلابية وقد تم اقتحام المبيتات الجامعية واعتقال الآلاف من الطلاب، واقتحام مقرات الاتحاد العام التونسي للطلبة ووضع الأسلحة البيضاء وقنابل المولوتوف داخلها لتهميش المنظمة وحلها بشكل قضائي.
وفي 8 يوليو/تموز 1991، أصدرت محكمة حكماً بحل الاتحاد العام التونسي للطلبة، وبدأت حملات الاعتقال واسعة النطاق ضد قادته ونشطائه. خلال ست سنوات فقط، تحول الاتحاد -الذي نظم أربع مؤتمرات ديمقراطية وفاز بأغلبية ساحقة في الانتخابات الطلابية- إلى عقبة كبيرة أمام نظام بن علي، الذي أراد القضاء على أي صوت معارض في البلاد.
وقد جعل قرار حل الاتحاد العام التونسي للطلبة في عام 1991، الجامعة التونسية تدخل في فترة من الركود لسنوات طويلة، حتى سقوط النظام. وفي عام 1995، تم إعادة تشكيل الحركة الطلابية كتنظيمات سرية تضم مختلف القوى السياسية، وبقيت النضالات الطلابية مستمرة في المؤسسات المعترف بها مثل الاتحاد العام لطلبة تونس.
ووفقاً للمؤرخ التونسي سالم الأبيض فقد كانت الاعتقالات الدورية في الجامعة لنشطاء الحركة الطلابية كانت تتم على إثر مشاركتهم في أحداث معينة أو مظاهرات، وكانت بعضها يؤدي إلى تنفيذ الخدمة المدنية العسكرية في أماكن مثل "رجيم معتوق" بمحافظة قبلي أو "قرعة بوفليجة" في الصحراء التونسية أو في جزيرة "زمبرة" في محافظة نابل. وأشار إلى أن تجنيد الطلبة طال أجيال السبعينات والثمانينات والتسعينات، وأنه في عام 1987، جرى اعتقال مجموعة من اليساريين الذين اعتصموا في كلية الحقوق بشأن القضية الفلسطينية، وتم اعتقالهم جماعياً، وأثر ذلك في تحريك سلسلة من التحركات الطلابية أدت إلى تجنيد مجموعة كبيرة من الطلبة الإسلاميين والقوميين.
سوريا
في سوريا، لعب الحراك الطلابي دوراً بارزاً ومؤثراً خلال فترة الاحتلال الفرنسي من عام 1920 وحتى عام 1946 ، فقد كانت المظاهرات والإضرابات والمنشورات جزءاً من استراتيجية الحراك الطلابي في تلك الفترة، ونجحوا في جذب الانتباه وتحقيق تأثير يعكس مدى الوعي المجتمعي بالقضايا السياسية والوطنية.
وبعد الاستقلال، استمر الحراك الطلابي في سوريا في مواصلة النضال ضد الحكومات التي كانت تحاول تمثيل المصالح الفرنسية خلال الفترة الاستعمارية السابقة وكان للطلاب دور بارز في عدة أحداث، مثل الاعتصام الذي نظمه طلاب جامعة دمشق احتجاجاً على تصدير القمح إلى فرنسا، وهو تعبير عن دعمهم للشعب الجزائري في نضاله ضد الاحتلال الفرنسي.
وعلى الرغم من محاولات النظام لقمع النشاطات السياسية الطلابية بعد تولي حزب البعث للحكم، فإن الحراك الطلابي عاد للظهور مجدداً خلال فترة الربيع العربي في عام 2011 حيث شهدنا تجمع الطلاب في مظاهرات سلمية في جامعة حلب، حيث اعتمدوا مطالب بالحرية وإسقاط النظام، وفقاً لما نشره موقع bbc.
ففي الفترات الأولى من الحراك السلمي تم إنشاء جسم للطلبة الأحرار وسمي بـ"اتحاد طلبة سوريا الأحرار"، وكان لهذا الجسم دور مهم في إنشاء المظاهرات، وحتى بعد انتقال الثورة إلى العسكرة كان له دور بارز، لكن نتيجة الاعتقال والتعذيب الذي تعرض له الطلبة، والقصف العشوائي الذي استهدف المدارس والجامعات والأبنية السكنية، وفقدان حقهم في الحرية، ونتيجة الحرب، اتجه معظم الشباب السوري من الطلبة طبعاً إلى الدول المجاورة إما لإكمال تعليمهم أو للعمل لتدبر أمور حياتهم، كما أنهم كانوا يبحثون عن بعض من الأمان.
أما في الوقت الحالي، وبعد تفاقم الأوضاع في سوريا، فإن الحراك الطلابي لم يعد يمارس دوره بنفس الفعالية كما كان في السابق ومن المهم مقارنة الحراك الطلابي في الفترات السابقة بوضعه اليوم، حيث لم يكن هناك حكام يقمعون الشعوب بالقدر الذي نشهده حالياً، حيث كانت مظاهر القمع والظلم أقل بكثير. ومع ذلك، يمكن للحراك الطلابي أن يعود للظهور في الظروف المناسبة، خاصة في حالات الثورات ضد الاستبداد والظلم، وإثبات قدرته على إحداث شعلة تغيير تمتدّ شرارتها إلى المجتمع.
الجزائر
لا يعدّ تاريخ نضال الطلبة الجزائريين جديداً، بل يمتد عمره إلى فترة الحركة الوطنية الجزائرية ذاتها فمنذ اكتشاف الطلبة الجزائريين لفعالية العمل التنظيمي داخل الجامعات والمعاهد في العقد الثاني من القرن العشرين، بدأوا ينظمون أنفسهم في زمن الاستعمار الفرنسي.
في عام 1926، تشكلت رابطة الطلبة الأهالي، وفي العام التالي، تحولت إلى جمعية الطلبة المسلمين لشمال أفريقيا كما كان لطلبة الجزائر في جامعة الزيتونة بتونس أيضاً دور فعّال في إحياء هذا النضال بعد ذلك، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية.
وفي هذه الفترة، برزت شخصيات سياسية عديدة في صفوف الطلبة الجزائريين، مثل فرحات عباس، السعيد الزاهري، مفدي زكريا، والشيخ البشير الإبراهيمي (من جمعية العلماء المسلمين)، ومحمد يزيد، عبد السلام بلعيد، وأحمد طالب الإبراهيمي وتجلى هذا النضال في إعلان دعم الطلبة الجزائريين ومساندتهم لجيش التحرير الوطني في كفاحه المسلح ضد الاستعمار في 11 فبراير 1955، بعد حوالي ثلاثة أشهر فقط من اندلاع الثورة التحريرية، وانضم كثيرون من الطلبة إلى صفوف المجاهدين.
إثر هذا الموقف البطولي لطلبة الجزائر، قامت السلطات الاستعمارية بحملات اعتقال وتعذيب ضد الطلبة، ما دفعهم إلى الإعلان عن الإضراب العام عن الدروس في 20 يناير 1956. وبعد ذلك، تم الإعلان عن الإضراب العام اللامحدود عن الدراسة في 19 مايو 1956، وقام عدد أكبر من الطلبة بالانضمام إلى صفوف جيش التحرير.
ويشهد تاريخ النضال الجزائري يشهد على بطولات عديدة لأسماء خالدة من طلبة الجزائر في مواجهة الاستعمار الفرنسي. من بين هؤلاء الأبطال كان الشهيد عمارة رشيد، الذي تعرضت جثته للحرق بالبنزين عقب استشهاده. وكذلك الطالب عبد الرحمن طالب الذي نُفّذ بحقه حكم الإعدام بالمقصلة في سجن بارباروس الشهير، بعد تعرضه لتعذيب وحشي حيث تمثّل هذه القصص جزءا من تضحيات الطلبة الجزائريين في سبيل حريتهم واستقلال بلادهم.
نضال الطلبة الجزائريين بعد الاستقلال
وقد استمرّ نضال الطلبة الجزائريين حتى بعد الاستقلال، حيث عارض الاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين الانقلاب الذي قاده العقيد هواري بومدين ضد الرئيس بن بلة وقد أدّى هذا العمل المقاوم إلى تجميد الاتحاد في عام 1967، ثم حله في عام 1972، ودمجه ضمن الاتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية التابع لحزب واحد وهو جبهة التحرير الوطني ومع دستور عام 1989 الذي فتح الباب أمام التعددية السياسية، فتح الطريق أيضاً أمام التعددية الطلابية.
ومع انقلاب عام 1992، قام النظام بتدمير العمل الطلابي من خلال شراء الولاءات من خلال تحالفات مختلفة وازداد الوضع سوءاً في عهد بوتفليقة، حيث حاولت الحكومة تدجين الطلبة من خلال سياسات تعليمية تعتمد على الكم دون الجودة، ما أدى إلى تدجين الجامعات الجزائرية. ولكن في فبراير 2019، انفجرت غضب الطلبة في الاحتجاجات التي أظهرت وعيهم وثوريتهم، ما جعلهم رمزاً للحراك الجزائري.
الأردن
بدأ نشاط الحراك الطلابي في الأردن خارج حدود المملكة نتيجة عدم وجود جامعات محلية، ما دفع الطلاب الراغبين في الدراسة الجامعية إلى الالتحاق بالجامعات العربية المجاورة.
ومنذ بداية الخمسينيات من القرن الماضي، بدأ الحراك الطلابي ينشط في البلاد نتيجة ظهور الأحزاب السياسية وتوسع الجسم الطلابي. وفي عام 1951، بدأت مبادرات التنظيم تتسارع، ما أدى إلى تأسيس "مؤتمر الطلبة الأردنيين" في صيف عام 1953، كأول تنظيم طلابي في البلاد.
الحراك الطلابي الأردني والقضية الفلسطينية
منذ بداية ظهوره، كان حراك الطلبة في الأردن مرتبطاً بالحركة السياسية، حيث كان يعبّر عن القضايا الوطنية بشكل أكبر من الهموم الأكاديمية كما كان له ارتباط وثيق بالقضية الفلسطينية. ومن بين أبرز الأحداث التي شهدها تاريخ الحراك الطلابي في الأردن، كان الإضراب الذي نظمه طلاب الجامعة الأردنية في عام 1978، واستمر لمدة 11 يوماً، كان احتجاجاً ضد اتفاقية "كامب ديفيد".
وفي عام 1974، شهد الحراك الطلابي في الأردن دخول الإسلاميين في أول تجربة نقابية بقيادتهم لاتحاد الطلبة في الجامعة الأردنية وقد خاضوا معركة شرسة مع رئيس الجامعة آنذاك، الدكتور عبد السلام المجالي، خلال إضراب كلية العلوم الذي أدى إلى تغيير الأوضاع لاحقاً ثمّ تم إلغاء اتحاد الطلبة وتحويله إلى نظام الجمعيات الطلابية في محاولة للسيطرة على الحركة الطلابية الناشئة.
اعتصام الطلبة في جامعة اليرموك عام 1986
ومن بين المراحل الفارقة في الحراك الطلابي التي لا يمكن تجاوزها، يأتي اعتصام الطلبة في جامعة اليرموك عام 1986، حيث قررت إدارة الجامعة رفع رسوم التدريب العملي في كلية الهندسة وقد دفع هذا القرار الطلاب إلى تنظيم احتجاجات من أجل إلغاء القرار.
ومع اقتراب موعد الامتحانات النهائية، قررت الإدارة فصل أكثر من 30 طالباً من المشاركين في الاحتجاج بشكل جزئي، واتخذت إجراءات أمنية واعتقلت عدداً آخر من الطلاب، مما أدى إلى تفاقم الأزمة بشكل كبير.
ورغم التضامن الذي أبداه بعض أساتذة الجامعة مع الطلاب، حيث قرروا تأجيل الامتحانات، إلا أن الطلاب قرروا عدم دخول الامتحانات تعبيراً عن احتجاجهم.
وقد شهدت الجامعة استمرار المظاهرات والاحتجاجات والتجمعات الطلابية، حتى أعلن الطلاب اعتصاماً مفتوحاً، ورفضوا مغادرة الجامعة خوفاً من التعرض للاعتقال.
وفي منتصف الليل، جاء الرد الأمني بفض الاعتصام بالقوة، حيث قامت قوات البادية بإطلاق النار بشكل عشوائي، ما أسفر عن مقتل الطالبتين مها محمد قاسم ومروة طاهر الشيخ، إضافة إلى الطالب إبراهيم حمدان.
الحراك الطلابي اليوم
أمّا اليوم فقد أضاف الحراك الطلابي في الجامعات الأمريكية بعداً إعلامياً وشعبياً جديداً للقضية الفلسطينية، وأعاد استقطاباً في التفكير الطلابي الذي غاب عنه خلال النصف الأخير من القرن الماضي، وتدرك الولايات المتحدة الأمريكية والحكومات الغربية والعربية أهمية الدور الطلابي في دعم مشاريعها وحروبها أو معارضتها، وهو ما جعلها تستخدم تكتيك الحرب الناعمة لمحاصرة الدور الطلابي وتخفيف تأثيره في القضايا المتعلقة بالحرية والديمقراطية والاستقلال.
في حين تظل الحركة الطلابية السبيل والطريق نحو نيل مراد الشعوب الأسمى، حيث يعي الشباب بأنّ صوتهم سبيل من سبل المقاومة والصمود ، وأنّهم إذا أرادوا فهم بالفعل يمتلكون القوة الحقيقية للتغيير والتأثير.