يُعدُّ شهر رمضان شهر الصيام والتضرّع للمسلمين في جميع أنحاء العالم، ولكن على الرغم من الطابع الروحاني الذي يتميز به، فإنه شهد على مر العصور العديد من الأحداث الطريفة والغريبة تتعلق بالصيام والإفطار والتعاملات اليومية خلال هذا الشهر الكريم، ومفاجآت غير متوقعة، مما يضفي عليه طابعاً خاصاً من بين هذه الغرائب خطاب السلطان الناصر محمد بن قايتباي سلطان الدولة المملوكية وخطاب الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة لشعوبهم في شهر رمضان، والتي تبدو غير مألوفة وغير اعتياديّة، فما هو فحوى هذه الخطابات، وماذا جاء فيها؟
العيد يوم الجمعة رغم أنف السلطان
كان السلطان الناصر محمد بن قايتباي، سلطان الدولة المملوكية ، يشعر بالتشاؤم من أن يُصادف العيد يوم الجمعة.
وفي التاسع والعشرين من شهر رمضان عام 902هـ/1497م، أمر بأن تُدقّ أجراس القلعة، وقال أنا أعمل العيد يوم الغد هذا الشهر، سواء شوهد الهلال أو لم يُرَ، فلما أشيع ذلك بين الناس وبلغ مسامع قاضي القضاة الشافعي (زين الدين زكريا) ذهب إلى القلعة فاجتمع بالسلطان، وعرّفه أن العيد لا يكون إلا برؤية الهلال، فشق ذلك على السلطان، وهمَّ بعزل القاضي في ذلك اليوم.
وعلى الرغم من محاولات القاضي لتوضيح الأمر، فإن السلطان رفض الاعتراف بالحقيقة، وأصرّ على قراره. وفي النهاية، لم يُشاهد الهلال في تلك الليلة، وبالتالي كان يوم العيد يوم الجمعة، وهو ما كان على رغم من إرادة السلطان.
وعند حلول يوم العيد، لم يحضر السلطان صلاة العيد، ولم يستقبل الخليفة أو أياً من الأمراء والوجهاء الذين جاءوا إلى القلعة لتهنئته بالعيد.
والسلطان الناصر بن قايتباي هو سلطان من الدولة العثمانية، حكم في الفترة من عام 1444 إلى عام 1446 كان ابناً للسلطان مراد الثاني وقد تولى الحكم بعد وفاة والده، لكن حكمه لم يدُم طويلاً. اشتهر بالعزم والشجاعة، ولكنه لم يكن حظه جيداً في الحكم لفترة طويلة، وتوفي بن قايتباي في عام 1446 وخلفه في الحكم بوالده محمد الثاني.
خطاب بورقيبة يصدم التونسيين
في الثالث عشر من شهر فبراير 1960، ألقى الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة خطاباً شهيراً يدعو فيه التونسيين إلى فهم جديد لمقاصد الصيام، وهو ما صدم التونسيين وأثار جدلاً واسعاً بينهم.
وأشار الرئيس التونسي إلى قرب حلول شهر رمضان، وقد كان ذلك بحضور مفتي الديار التونسية، وجاء في قول الرئيس "ونحن اليوم على أبواب رمضان لا يفصلنا عنه إلا ثلاثة أسابيع، ومسألة الصوم درستها طويلاً ومن واجبي أن أبسّطها هنا بكل صراحة بحضور مفتي الديار التونسية الذي اجتمعت به قبل اليوم، وتحادثت معه مرات متكررة بشأن هذا الموضوع".
وقد اعتمد الرئيس التونسي على السيرة النبوية لتعزيز موقفه في أهمية إعادة النظر في فهم الصيام بطريقة جديدة، مُضيفاً: "إن هذا حديث شريف وسنة نبوية كريمة كانت مجهولة منا، والحال أنها جديرة بأن تُلقى كل يوم جمعة في الجوامع والمساجد، وأن تظفر بما هي حَرِية به من درس وتحليل، لقد كان صلى الله عليه وسلم في حاجة إلى جنود الإسلام ليقهر بهم أعداء الدين، وماذا يفيد الدين يا ترى إذا تمسكوا بالصوم، ثم اندحروا أمام قريش"
ثم أشار الرئيس التونسي إلى أنه لا حاجة لجهد كبير في فهم الأمر، بل يكفي أن نلجأ إلى السيرة النبوية التي تبين أنه يجوز ترك الصيام في حالة وجود خطر على النفس أو العمل أو الإنتاج أو أداء الواجبات، معرباً عن ثقته في أن الشعب سيستجيب بالامتثال والطاعة والعمل المثمر، رغم الممارسات السابقة.
وأضاف "إنّ جميع رجال الدين الحاضرين في هذه القاعة يعلمون أن الإسلام يحضّ على الإفطار في رمضان ليقوى المسلمون على أعدائهم".
وختم بدعوته للتونسيين، قائلاً "وإذا أردتم أن يكتب الله لكم ثواباً في الدار الآخرة، فما عليكم إلاّ أن تعملوا بضع ساعات إضافية، خير لكم من صوم لا عمل فيه يدفعكم إلى زيادة التقهقر، وهذه السنة النبوية كشفت القناع عن حقائق دينية كانت مجهولة لا يتعرض لها الفقهاء خشية من بساطة الناس".