"حرب المستشفيات"، هو أحد الأوصاف التي توصف بها حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، فلم يسلم أي مستشفى أو منشأة طبيةٍ من التدمير والقصف الإسرائيلي، كما تعرضت كبرى مستشفيات القطاع إلى الاجتياح من قبل آليات الاحتلال أدت إلى إخراج هذه المستشفيات عن الخدمة، آخر تلك المستشفيات كان مجمع ناصر الطبيّ بمدينة خان يونس.
إذ كان هذا المستشفى ضمن بنك أهداف الاحتلال منذ بدء العملية البرية في جنوب قطاع غزة، وظلّ مستشفى ناصر الطبي تحت الحصار لأسابيع طويلة قبل أن يتم اقتحامه فجر الخميس 15 فبراير/شباط الجاري.
ويعد مجمع ناصر الطبي ثاني أكبر مستشفيات قطاع غزة، ويقع بمنطقة خان يونس جنوب القطاع، وتم بناؤه في فترة الخمسينيات وقت الإدارة المصرية لقطاع غزة، وانعكس ذلك على تسميته باسم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، فما تاريخ هذا المستشفى؟
مجمع ناصر الطبي بنته مصر وسُميّ على اسم رئيسها التاريخي
مع حملات التهجير الواسعة للفلسطينيين من مدن وقرى فلسطين التاريخية إلى قطاع غزة بعد النكبة، اكتظ جنوب القطاع باللاجئين واحتاج السكان هناك إلى الرعاية الطبية والبنى التحتية، فكانت فكرة تشييد مستشفى كبير يستوعب مئات وآلاف المرضى والجرحى ويقلل الضغط على المستشفيات القليلة في شمال غزة.
وزادت مذبحتا عام 1955 و1956 التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في منطقة خان يونس، ونجم عنهما استشهاد عدد كبير من المصابين دون أن توفر لهم فرصة العلاج، من ضرورة إنشاء مستشفى كبير في المنطقة بشكلٍ عاجل.
تم اختيار موقع تشييد المستشفى على موقع ثكنات عسكرية بريطانية تأسست في أربعينيات القرن الماضي لغايات الحجر الصحي وأمراض الحمى، وفي 1957 بدأت أشغال بناء مستشفى ناصر في خان يونس، وبعد ثلاث سنوات من الأشغال تم افتتاح المستشفى رسمياً سنة 1960، وذلك إبان فترة الإدارة المصرية لقطاع غزة، وسُمي نسبة إلى الرئيس المصري جمال عبد الناصر، الذي زار المستشفى عدة مرات أثناء زيارته للقطاع كما أنه كان صاحب فكرة تشييد المستشفى.
وخلال نكسة عام 1967، تحول مستشفى ناصر الطبيّ إلى مستشفى عسكري لاستقبال حالات الجرحى من الجنود المصريين والفلسطينيين والعرب، ثم سرعان ما عاد لخدمة السكان المدنيين بعد نهاية الحرب، حيث كان يضم 160 سريراً.
وفي فترة حرب أكتوبر 1973، أغلق المستشفى من أجل إجراء عمليات الترميم التي كانت الأولى منذ تأسيسه، إذ جرت توسعة المستشفى وزيادة قدرته الاستيعابية إلى 210 أسرّة، يُضاف إليها 20 سريراً لقسم العظام.
واستقبل المستشفى مرضاه من مناطق جنوب قطاع غزة، كما كان يصله المرضى المصريون من رفح المصرية والعريش في سيناء.
في سنة 1984، قام الاحتلال بإغلاق قسم العظام في المستشفى بدعوى تلوثه وقامت بنقل نشاطه إلى مستشفى الشفاء في مدينة غزة
وبعد سنةٍ من ذلك، كان المستشفى يضم 243 سريراً ويتكون من أقسام الباطنة والجراحة والطوارئ والأطفال والنساء والولادة والمختبر وبنك الدم.
شهد تطويرات عديدة، وبنى مبارك مستشفى آخر بجانبه
شهد مستشفى ناصر الطبي العديد من عمليات التطوير والتوسعة، أبرزها سنة 1994 إذ تم إنجاز مبنى جديدٍ يتبع إلى مجمع ناصر الطبي أطلق عليه مستشفى مبارك نسبة للرئيس المصري حسني مبارك، قبل أن يتم تغيير اسم المستشفى سنة 2011، بعد سقوط نظام مبارك إلى مستشفى التحرير نسبةً إلى ميدان التحرير رمز الثورة المصرية.
ويتكون هذا المبنى من ثلاثة طوابق لرعاية الأطفال، حيث خُصص الأول للعلاج الطبيعي والعيادات الخارجية، والثاني لأقسام الاستقبال والولادة وغرف العمليات، والثالث تم تخصيصه لعلاج الأطفال والحضانة.
هذا المستشفى كان موضع ترميم هو الأول له سنة 2011، بميزانية بلغت 833 ألف دولار وقد تم تمويله من عدة جهات شملت لجنة التعاون لإعادة إعمار غزة والبنك الإسلامي للتنمية والهلال الأحمر القطري وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، وذلك بالتنسيق مع وزارة الصحة الفلسطينية.
في عام 2016، انطلقت حملة تبرعات أهلية في خان يونس لإعادة ترميم وتحديث مجمع ناصر الطبي، وفي عام 2017 أرسل الهلال الأحمر القطري تبرعاً بقيمة 284 ألف دولار أمريكي لصالح إعادة ترميم وتوسعة وتجهيز قسم القلب في المجمع.
وفي سنة 2020، بدأ مشروع ترميم آخر قسم ولادة "أ" وقسم العمليات بمستشفى التحرير بتمويل من منظمة" اليونيسف" وبإشراف مباشر من مكتب الهندسي التابع لوزارة الصحة الفلسطينية.
حوّله الاحتلال إلى ثكنة عسكرية
كان مجمع ناصر الطبيّ مستهدفاً من قبل جيش الاحتلال قبل وصول آليات الاحتلال إلى منطقة خان يونس، إذ تعرض المجمع في 18 ديسمبر/كانون الأول 2023، إلى قصف إسرائيلي بقذيفة لم تنفجر استهدفت مبنى الولادة.
وبعد شهرٍ من ذلك، عاود جيش الاحتلال استهدافه للمجمع من خلال قصفه مناطق قريبة من ثاني أكبر مستشفى في القطاع، ما دفع المرضى والسكان إلى الفرار.
وفي 22 يناير/كانون الثاني 2024، بدأ الحصار الإسرائيلي على مجمع ناصر الطبي الذي كان في داخله 300 كادر صحي و450 مريضاً وجريحاً و10 آلاف نازح داخل ساحاته وأجنحته. وبعد يوم من ذلك أعلنت وزارة الصحة في غزة أن الدبابات الإسرائيلية قصفت مستشفى ناصر، مشيرة إلى أنها أطلقت النار بكثافة على الطوابق العلوية بمبنى الجراحات التخصصية ومبنى الطوارئ في المستشفى وأوقعت عشرات الإصابات.
وطيلة الأيام الموالية، شهدت الشوارع المحيطة بالمجمع سقوط عشرات الشهداء نتيجة استهدافهم برصاص القناصة الذي أطبقوا حصاراً خانقاً على المستشفى.
وفي 10 فبراير/شباط 2024، أفاد المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة أشرف القدرة، بسقوط شخص وإصابة آخرين جراء إطلاق قوات إسرائيلية النار داخل مجمع ناصر، مطالباً المؤسسات الأممية بالتواجد داخل المجمع لحمايته وحماية الموجودين فيه.
وفي 13 فبراير 2024، أعلن أشرف القدرة أن الوضع يزداد سوءاً في مجمع ناصر الطبيّ، موضحاً أن القوات الإسرائيلية أبلغت إدارة المجمع بإخلاء المستشفى من النازحين والإبقاء على المرضى والكوادر الصحية فقط.
وفي 15 فبراير 2024، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي أن قوات خاصة إسرائيلية تعمل داخل مستشفى ناصر، مضيفاً أن لديه معلومات موثوقة بأن جثثاً لرهائن احتجزوا يوم السابع من أكتوبر الماضي، قد تكون موجودة في المستشفى، قبل أن يعلن عدم حصوله على أي دلائل عن استخدام المستشفى في احتجاز رهائن أو جثث لهم.
وأفادت مصادر طبية وحكومية في غزة لـ"عربي بوست"، السبت 17 فبراير/شباط 2024، بتحويل الجيش الإسرائيلي بعض أقسام مجمع ناصر الطبي إلى ثكنات عسكرية يحتجز فيها المئات من المدنيين، بعد سيطرته على كامل المستشفى.
وأكدت مصادر طبية خرجت من مجمع ناصر الطبيّ بمدينة خان يونس جنوبي القطاع، على إثر سيطرة الاحتلال على كامل أقسامه، أن نحو 400 مدني كانوا في المستشفى احتجزهم الجيش الإسرائيلي في بعض أقسامه، ولا يعرف مصيرهم بعد.