خلال معركة طوفان الأقصى، برزت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، بصفتها واحدة من أقوى الفصائل الفلسطينية، وذلك من خلال ترسانتها من الأسلحة والصواريخ التي تواجه بها آلة الدمار والقتل الصهيونية. فمنذ تأسيسها في القرن العشرين، قدمت عشرات الشهداء على مر السنين، وتمكنت من إيصال صواريخها إلى مفاعل "ستوراك" النووي، وإلى قلب تل أبيب.
جزءٌ من التقدم والتطوّر الذي عرفته القوة العسكرية لهذا الفصيل، يعود إلى القائد العام الشهيد خالد الدحدوح، الذي كان له دورٌ كبيرٌ في بناء الترسانة الصاروخية لسرايا القدس مع بداية الألفية الجديدة، وهو الرجل الذي حاولت إسرائيل اغتياله أكثر من مرة، قبل أن تنجح في الأوّل من مارس /آذار 2006 من اغتياله عبر سيارة مفخخة، فمن هو الشهيد خالد شعبان الدحدوح الذي تدين الصناعة العسكرية لسرايا القدس بالفضل له؟
من هو الشهيد خالد الدحدوح؟
وُلد الشهيد خالد شعبان الدحدوح في 22 مايو/أيار 1965، في حي الزيتون بمدينة غزة، وكان ترتيبه الثالث بين إخوته في أسرته، صار يكنى بـ"أبي الوليد"،إذ له 8 أبناء بعد زواجه، استُشهد اثنان منهم بعد اغتياله، كامل الدحدوح استُشهد في 25 سبتمبر/أيلول 2009، نتيجة استهدافه بقصف صهيوني شرق غزة، وأما نجله الثاني "أدهم الدحدوح"، فقد توفيّ في حادث سير في تاريخ 10 أغسطس/آب 2010.
تلقى خالد شعبان الدحدوح تعليمه الابتدائي وحتى المرحلة الثانوية في مدارس حي الزيتون، وانتمى أبو الوليد الى صفوف حركة الجهاد الإسلامي منذ التسعينيات، حيث شارك في الفعاليات الشعبية التي كانت تقيمها الحركة.
وبعد عملية الشهيد فخري الدحدوح، مفجّر ثورة السكاكين التي نفذها في تل أبيب في 15 يناير / كانون الثاني 1993، والتي أدت لمقتل اثنين من جنود الاحتلال وجرح 10 آخرين، قامت قوات الاحتلال بحملة اعتقالات واسعة طالت العديد من أبناء عائلة الدحدوح وكوادر حركة الجهاد الإسلامي، وكان على رأس المعتقلين الشهيد خالد شعبان الدحدوح، الذي زُجّ به في سجون الاحتلال ليقضي مدة 3 سنوات في الأسر.
بعد خروجه من الأسر، صار الدحدوح أبرز قادة سرايا القدس خلال الانتفاضة الثانية التي اندلعت عام 2000، حيث شارك في فعاليتها وجهّز العديد من العمليات التي استهدفت جيش الاحتلال في غزّة، خاصة عمليات إطلاق الصواريخ واقتحام المواقع العسكرية والمستوطنات.
حمّلته المخابرات الصهيونية مسؤولية عمليات الجهاد الإسلامي
تدرّج خالد في المسؤوليات الرفيعة للجهاز العسكري لسرايا القدس، فكان المسؤول عن وحدة الهندسة والتصنيع التابعة للسرايا في غزة، كما تسّلم الإشراف على الوحدة التقنية فيها، فكان القيادي الذي وضع الحجر الأساس للمشروع الصاروخي لسرايا القدس، وانهمك في تطوير ترسانتها الصاروخية من حيث المدى والقدرة التدميرية.
ولم يلبث أن صار الدحدوح القائد العام لسرايا القدس حتى اغتياله سنة 2006، وتعرّفه مصادر الإعلام الحربي في سرايا القدس "أن الدحدوح يحمل صفة رئيس المجلس العسكري لسرايا القدس، وتحمّله المخابرات الصهيونية العامة "الشاباك" مسؤولية جميع عمليات إطلاق صواريخ محلية الصنع، التي تقوم بها الحركة ضد البلدات الصهيونية في منطقة النقب الغربي، جنوب الكيان".
وكما كان للقائد الدور الكبير في دعم المقاومة الفلسطينية بالعتاد والسلاح والمال، ولم يقتصر دور الدحدوح على قطاع غزة، إذ كان ايضاً من أبرز المنسقين لعمليات سرايا القدس في الضفة الغربية المحتلة.
و أشرف الدحدوح خلال قيادته الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي على تخريج العديد من عناصر ومقاتلي السرايا من خلال الدورات العسكرية التي قادها.
وكان الدحدوح من أوائل قادة الفصائل المسلحة التي تؤمن بفكرة وحدة المقاومة، فأقام خلال فترة قيادته لسرايا القدس علاقاتٍ قوية مع جميع قادة الأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية.
لم تكن الشخصية القيادية والجهادية للدحدوح، سوى إنعكاسٍ لعائلته الثورية التي قدمت العديد من الشهداء أبرزهم الشهيد أمين حمدان الدحدوح، والشهيد كريم مروان الدحدوح، والشهيد مهدي مروان الدحدوح، والأشقاء الشهداء أيمن وخالد ومحمد شعبان الدحدوح، والشهيد كامل خالد الدحدوح، نجل الشهيد القائد خالد، وأخيراً الشهيد القائد شعبان سليمان الدحدوح.
نجا من 5 محاولات اغتيال واستُشهد في السادسة
مع تنامي قدرة الفصائل الفلسطينية المسلحة، ونجاح سرايا القدس في قصف مستوطنات غلاف غزة بعشرات الصواريخ في فترة الانتفاضة، صار اسم القائد خالد الدحدوح يتصدر قائمة المطلوبين لدى الاحتلال.
فقد كانت هذه القائمة مكونة من 70 اسماً من قادة وكوادر حركات المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، والذين صاروا مطلوبين للاحتلال أحياء أو أمواتاً للاحتلال.
وبعد نجاته من 5 محاولات اغتيال كانت آخرها قبل سنة من اغتياله، وهي المحاولة التي قتل فيها شقيقه أمين الذي كان يشغل منصب قائد وحدة التصنيع في سرايا القدس، وابن عمه أيمن، وهو من القادة الميدانيين في السرايا.
اغتال الاحتلال في الأوّل من مارس/آذار 2006، القائد خالد شعبان الدحدوح، وذلك إثر غارة للاحتلال الإسرائيلي استهدفت سيارته جنوب مدينة غزة أثناء سيره قرب وزارة المالية الفلسطينية في تل الهوا غرب مدينة غزة، الأمر الذي أدى إلى استشهاده على الفور، وتحولت جثته إلى أشلاء تطايرت على امتداد مساحة كبيرة، إذ قضى رجال الإسعاف والمواطنين وقتاً طويلاً في جمع الأشلاء.
وقالت سرايا القدس حينها في بيان لها إن السيارة فجّرت "عن بُعد بواسطة أحد العملاء أو عن طريق طائرات الاستطلاع التي كانت تحلق بكثافة في سماء المنطقة لحظة مرور الشهيد بمحاذاتها".