يمثل تدخل الطبيعة الأم في الحروب التاريخية جانباً هاماً، وغالباً لا يُهمل في دراسة النزاعات البشرية عبر العصور؛ حيث تتضمن هذه العوامل الطبيعية مجموعة متنوعة من الظواهر، مثل الطقس، والجغرافيا، والكوارث الطبيعية، والتضاريس.
ولهذه العوامل تأثير قوي على مجريات الأحداث الإنسانية، فيمكن أن تتسبب القوى الطبيعية في تحديد نهايات الصراعات وتوجيه مسار الحضارات.
في هذا التقرير، نعرض لكم بعضاً من الحروب والصراعات التاريخية التي كان للطبيعة دور بارز في تشكيل تأثيرها على السير التاريخي:
الصقيع الروسي يهزم نابليون في واترلو
في عام 1812، قرر نابليون توسيع إمبراطوريته الفرنسية شرقاً. قام بحشد جيش متعدد الجنسيات وقادهم عبر نهر نيمان، بهدف غزو روسيا..
حذر المستشارون نابليون من أن روسيا ستواجه جيشه الكبير بتضاريسها المعادية وطقسها غير المضياف، وأكد لهم نابليون أن الغزو سيكتمل قبل حلول الشتاء الروسي لكنه كان على خطأ.
رفض الروس التعامل مع قوات نابليون. وبدلاً من ذلك قاموا بسلسلة من التراجعات التكتيكية في الداخل الروسي.
وكانت إمدادات جيش نابليون الكبير غير كافية لمجابهة مثل هذه القوة الكبيرة، ووقع الآلاف من قوات نابليون ضحية للأمراض وسوء التغذية.
تمكن نابليون من احتلال موسكو في 14 سبتمبر، لكن جيشه الكبير أصبح آن ذاك ربع حجمه، وفق ما جاء في موقع NATIONAL OF WATERLOO.
بعد أن أحاط به الجليد، أخذ الجيش ينسحب عبر ساحات المعارك، ولم يجد مأوى من قسوة المناخ، لم تكفهِ المؤن المتضائلة مع لجوء الروس لسياسة الأرض المحروقة.
ومع استمرار الثلج بالهطول، كان الجنود الفرنسيون يفتقرون للملابس الدافئة والأحذية، حيث لم يكونوا مستعدين لفصل الشتاء، وما إن بدأت الحرارة تهبط إلى 30 درجة تحت الصفر حتى بدأوا بالتجمد.
وفي رسالة وجهها إلى زوجته الإمبراطورة ماري لويز، أوضح نابليون بونابرت أسباب هزيمته في روسيا قائلاً: "الشتاء كان كارثتنا، أصبحنا ضحايا الطقس الروسي".
في 31 مارس/آذار من عام 1814، دخل الحلفاء العاصمة الفرنسية باريس حيث دعوا السكان لاتخاذ قرار بشأن شكل حكومتهم المستقبلية.
كما قرر قادة الحلفاء عدم إبرام السلام مع نابليون.
وفي 2 أبريل/نيسان من عام 1814، أعلن مجلس الشيوخ الفرنسي خلع نابليون.
لقد أثرت حرب الاستنزاف التي شنتها روسيا، بمساعدة مناخها المعادي، على إمبراطورية نابليون التي التي كانت ذات يوم.
"العاصفة التي أنقذت واشنطن" عام 1814
خلال حرب 1812، شنت القوات البريطانية غزواً على مدينة واشنطن الحالية
وأحرق الجنود البريطانيون العديد من المباني الحكومية في المدينة، بما في ذلك البيت الأبيض ومبنى الكابيتول. خلال هذه الحادثة، أنقذت السيدة الأولى دوللي ماديسون صورة لجورج واشنطن من اشتعال النيران فيها. تمكن الرئيس جيمس ماديسون وأعضاء الحكومة من الإخلاء إلى مقاطعة مونتغمري بولاية ماريلاند.
واستمرت الحرائق في الانتشار بجميع أنحاء المدينة مع احتلال البريطانيين للعاصمة الأمريكية قبل أن تتدخل الطبيعة الأم في مجرى الأحداث.
غمرت العواصف الرعدية الشديدة المدينة المحترقة وأدى المطر إلى إخماد النيران وألحق أضراراً جسيمة بالعديد من السفن البريطانية. وبعد 26 ساعة من الاحتلال انسحب البريطانيون من المدينة.
هذه العاصفة الرعدية المفاجئة التي تزامنت مع احتلال المدينة أُطلق عليها منذ ذلك الحين اسم "العاصفة التي أنقذت واشنطن".
وبحلول نهاية الغزو والعاصفة التي تلته، كان الطقس العاصف قد أدى إلى مقتل عدد من الجنود البريطانيين أكبر من عدد القتلى الذين لقو حتفهم عن طريق المدافع الأمريكية.
المناخ يحول دون حروب هتلر للاتحاد السوفييتي
العامل الذي يتم تجاهله في كثير من الأحيان والذي أثر على عملية بربروسا والحرب النازية السوفييتية هو تأثيرات الطقس، وخاصة المطر والجليد والثلج، وهي نوع الظروف التي اشتهر بها المناخ الروسي أو السوفييتي.
ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الوضع المناخي المعاكس بدأ يؤثر على الغزو الذي قاده النازيون في أكتوبر 1941، بعد أربعة أشهر من الهجوم، عندما كانت قوات أدولف هتلر تتوقع في ذلك الوقت أن تنتصر، ولكن بدلاً من ذلك أسهم الطقس في أن يسير الغزو عكس المخطط له.
ففي يونيو 1941 – ديسمبر 1941 بدأ جيش هتلر الألماني غزواً للاتحاد السوفييتي اندفع النازيون عبر دول البلطيق، واحتلوا مناطق اقتصادية مهمة في أوكرانيا، ووصلوا إلى ضواحي موسكو بحلول نهاية سبتمبر.
ومع ذلك، مع ازدياد برودة الطقس، بدأ الهجوم الألماني في التوقف
حيث تباطأت حركة الدبابات الألمانية بسبب الأمطار والثلوج في أكتوبر، ما حول الطرق الروسية غير المعبدة إلى طين، ويذكر موقع GLOBAL VILLAGE SPACE أنه في ذلك الوقت لم تنجُ سوى واحدة فقط من كل 10 دبابات ألمانية من مستنقع الخريف الروسي. واضطر الجنود النازيون لإيقاف عملية الغزو لمدة أسبوعين والانتظار حتى تتجمد الأرض.
ويقول عالِمَا المناخ هيرمان فلوهن ويهودا نيومان، في دراسة قاما بها حول كيفية تأثير الطقس على الحرب النازية السوفييتية، أنه "في وقت الحرب العالمية الثانية، كان هناك عدد قليل جداً من الطرق المعبدة في الاتحاد السوفييتي. حيث حولت الأمطار وانخفاض معدلات التبخر في فصل الخريف الطرق والحقول غير الصلبة إلى مستنقعات تقبر فيها الدبابات وقطع المدفعية الثقيلة ووسائل النقل الآلية الأخرى للجيش النازي عند محاولته المضي قدماً".
عاصفة أنقذت إنجلترا من الغزو وحولتها لقوة أوروبية
خلال النصف الثاني من القرن السادس عشر ارتفعت حدة التوتر بشكل غير مسبوق بين إسبانيا وإنجلترا، حيث أبدى الملك الإسباني فيليب الثاني قلقه الشديد من انتشار المذهب البروتستانتي في إنجلترا، الذي نتج عن حركة الإصلاح الديني التي شهدتها البلاد خلال عهد هنري الثامن.
عمدت إنجلترا، بقيادة الملكة إليزابيث الأولى منذ ستينيات القرن السادس عشر، إلى دعم البروتستانت الهولنديين المعارضين لحكم إسبانيا الكاثوليكية.
وفي ثمانينيات القرن السادس عشر، اشتد الخلاف بين الطرفين، حيث انزعج الملك فيليب الثاني من تصرفات نظيرته الإنجليزية، التي دعمت قراصنة مثل فرانسيس دريك لمهاجمة السفن الإسبانية المحملة بالكنوز خلال رحلتها من العالم الجديد إلى أرض الوطن.
وفي بداية عام 1585، اندلعت حرب غير معلنة بين إسبانيا وإنجلترا بسبب توقيع الأخيرة اتفاقية تعاون مع المتمردين الهولنديين الذين كانوا يخضعون للسيطرة الإسبانية. وتجاوباً مع هذا الوضع، وضع ملك إسبانيا، فيليب الثاني، خطة لغزو إنجلترا بهدف خلع إليزابيث الأولى من الحكم، وتعيين ملك جديد موالٍ، والقضاء على حركة الإصلاح الديني.
ولتحقيق مخططها الموجه ضد إنجلترا، جمعت إسبانيا أسطولاً بحرياً هائلاً يُعرف بالأرمادا ضم 130 سفينة حربية.
ووفقاً للخطة، كان من المقرر أن تبحر الأرمادا من لشبونة إلى منطقة فلاندر قبالة السواحل الإنجليزية. هناك كان من المقرر تنظيم 30,000 جندي، بقيادة دوق بارما، لهذه الحملة العسكرية، حيث كانت الخطة تشمل المرور لاحقاً عبر القناة الإنجليزية والرسو على سواحل كينت، وهو ما يمثل بداية الغزو الذي سيقودهم نحو لندن.
وفي الوقت نفسه، لم تكن إسبانيا قادرة على إخفاء تحضيراتها للهجوم ضد الإنجليز، إذ كشف جواسيس الملكة إليزابيث الأولى عن الخطة الإسبانية ونقلوا معلومات حولها للجانب الإنجليزي.
رداً على ذلك، شن فرانسيس دريك هجوماً على منطقة قادس في عام 1587 ودمر جزءاً هاماً من الأرمادا الإسبانية، ما أجبر الملك فيليب الثاني على تأجيل خططه.
وفي هذه الأثناء، استفاد الإنجليز من تأخر موعد الهجوم الإسباني لإقامة تحصينات على الشواطئ وتجهيز قوة بحرية تضم عشرات السفن الحربية المجهزة بمدافع ذات نطاق بعيد لصد الغزو.
بعد سنوات من التحضير، انطلقت السفن الإسبانية بقيادة دوق شذونة في مايو 1588 في اتجاه منطقة فلاندر للقاء دوق بارما وقواته قبل مواصلة الطريق نحو إنجلترا.
وفي 6 أغسطس 1588، وصلت الأرمادا الإسبانية إلى منطقة كاليه الفرنسية بعد أن تعبت جراء هجمات متكررة من السفن الإنجليزية. بعد يومين فقط، شنت القوات البحرية الإنجليزية، بقيادة فرانسيس دريك واللورد شارل هاورد، هجوماً مفاجئاً على السفن الإسبانية ونجحوا في تشتيت تنظيم الأرمادا الإسبانية التي غادرت اليابسة على عجل نحو البحر، بحسب ما يذكر لنا موقع THE TIMES.
خلال معركة بحرية استمرت 9 ساعات، والتي أصبحت معروفة باسم "معركة غرافلين"، تم إجبار السفن الإنجليزية على الانسحاب بسبب نفاد ذخيرتها. بعد نهاية المعركة، تسببت عاصفة قوية في طرد السفن الإسبانية وطواقمها نحو بحر الشمال، وهو ما أدى إلى فشل لقاء قوات دوق بارما الإسبانية.
في هذه الحملة الفاشلة، خسر الإسبان نصف سفنهم الحربية وحوالي 15,000 جندي. كما كانت الأرمادا الإسبانية قد تأثرت بشكل كبير بالعواصف والأمراض، ولم تسفر المعارك مع الإنجليز عن خسائر كبيرة في الأرواح.
ونتيجة لهذه العواصف، تمكنت الملكة إليزابيث الأولى من الحفاظ على عرشها وإنقاذ إنجلترا من الغزو، ما أكسبها مكانة هامة كقوة أوروبية.
الرياح تغير هدف القنبلة الذرية خلال الحرب العالمية الثانية
تأثرت مدينة ناجازاكي بالهجوم النووي خلال الحرب العالمية الثانية بسبب تحول الرياح، حيث كان من المقرر أن تكون مدينة كوكورا هي الهدف الرئيسي للقنبلة الذرية الثانية، ولكن تغيرت الخطة بسبب حالة الطقس، وفق spectrum news.
في 9 أغسطس 1945 انطلقت طائرة بي-29 برفقة طائرتي مراقبة للأحوال الجوية، قامت بتفقد مناطق كوكورا وناجازاكي. قبل وصول القاذفة بوكسكار، قامت طائرات المراقبة بتقديم تقارير عن الأحوال الجوية في المنطقة. كانت مدينة كوكورا محجوبة بسبب السحب، ما أدى إلى قرار الطيار تشارلز سويني تغيير الهدف إلى ناجازاكي.
في اليوم السابق للهجوم كانت حرائق في حي ياهاتا تلتهب بفعل الرياح. وقد قررت شركة ياهاتا للصلب إشعال قطران الفحم في مصانعها لتشويش الطائرات الأمريكية التي كانت تحلق فوق المنطقة.
ونتيجة لذلك، كانت كوكورا محجوبة بالكامل، وقرر سويني التوجه نحو ناجازاكي، حيث نجح في التعرف على الهدف بصرياً وأطلق أول قنبلة نووية بلوتونيوم في التاريخ هناك.
بذلك، كان للرياح دور هام في تحديد هدف الهجوم النووي وإنقاذ مدينة كوكورا من الدمار الذي لحق بمدينتي هيروشيما وناجازاكي.