قال مؤلفو كتاب جديد حول الطب في مصر القديمة إنه كان "أكثر تقدماً ونجاحاً" مقارنة بذلك الزمن، ويتبنى كتاب "ممارسات الطب والشفاء في مصر القديمة"، للباحثين روزالي ديفيد وروجر فورشو، منظوراً جديداً في دراسة ممارسات الرعاية الصحية في أرض الفراعنة منذ آلاف السنين.
حيث قال الباحثان التابعان لجامعة مانشستر في المملكة المتحدة لمجلة Newsweek الأمريكية، الأحد 14 يناير/كانون الثاني 2024: "أردنا أن ننظر إلى الطب في مصر القديمة وطرق العلاج من منظور مختلف؛ لذا يقدم كتابنا تفسيراً يركز على الأشخاص، ويبحث تحديداً في طبيعة النظام فيما يتعلق بمقدمي الرعاية الصحية ومرضاهم".
علاجات الطب في مصر القديمة
شمل نظام الرعاية "علاجات صيدلانية" تتضمن وصفات مصنوعة من معادن ومكونات نباتية وأجزاء حيوانية، وكذلك عمليات جراحية أساسية والعلاجات العملية؛ مثل تضميد الأطراف المكسورة؛ وبدرجة أقل بكثير، العلاجات "السحرية".
كانت هذه العلاجات متاحة عالمياً للرجال والنساء والأطفال من جميع مستويات المجتمع، وفقاً للباحثين. وقال الباحثان: "إنَّ هذا النهج العالمي، إلى جانب الموقف المستنير تجاه التشوهات والإعاقات وتوفير الرعاية لكبار السن والعجزة، شكّل نظاماً شمولياً نجح بقوة بالنسبة للمصريين القدماء لأكثر من 3000 عام".
كما قال ديفيد، الأستاذ الفخري في علم المصريات الطبي الحيوي، في بيان صحفي: "كان نظام الرعاية الصحية المصري متقدماً وناجحاً؛ لأسباب ليس أقلها تطوير طرق مبتكرة لعلاج لدغات الثعابين وإنقاذ الأرواح".
أضاف: "برغم ما تلقته إنجازاته من إشادة على نطاق واسع في العصور القديمة، لكنها غالباً لا تلقى التقدير الكافي في وقتنا هذا. وكانت إسهامات الطب المصري القديم واضحة حتى في ممارسات العصور الوسطى والممارسات اللاحقة في أوروبا، ولا تزال بعض جوانبه موجودة حتى اليوم في الطب الغربي الحديث".
لماذا كان الطب في مصر القديمة ناجحاً؟
تشير الأدلة المتاحة إلى أنَّ الأفراد في مصر القديمة كان لديهم بعض الحرية في اختيار مقدمي الرعاية الصحية لهم. وتخصص بعض المعالجين في العلاجات العملية؛ مثل تضميد الأطراف المكسورة أو إجراء عمليات جراحية بسيطة، بينما قدم البعض الآخر علاجات "سحرية"؛ مثل قراءة التعويذات أو وضع الأيدي.
كانت هذه الاختيارات يمليها نوع ما طبيعة المرض، من بين عوامل أخرى. وفي بعض الحالات، قد يكون المرضى استشاروا كلا النوعين من الممارسين واتبعوا علاجات مختلفة من أجل الشفاء.
هناك بعض الأدلة من النقوش القديمة تشير إلى أنَّ الناس دفعوا مقابل الرعاية الصحية، على الرغم من أنَّ هذا ربما كان يعتمد على قدرتهم المالية؛ مما يعني أنَّ العلاج لم يكن مخصصاً للأثرياء فقط.
كما زار بعض الأطباء وغيرهم من العاملين الصحيين؛ مثل القابلات، منازل المرضى. ومع ذلك، ضمت بعض المعابد مراكز؛ حيث يمكن للمرضى الخضوع لعلاجات مختلفة. إضافة إلى ذلك، عالج بعض الأطباء الجرحى في ساحة المعركة وفي المناجم ومواقع البناء.
التعامل مع الإعاقات والتشوهات وكبار السن
طوّر المصريون القدماء علاجات صيدلانية لعلاج بعض الحالات؛ مثل العمى وفقدان السمع والتهاب المفاصل العظمي وهشاشة العظام لدى كبار السن. كما حاولوا مكافحة ظهور الشيخوخة بمختلف العلاجات التجميلية؛ مثل تحسين الجلد المتجعد، وصبغ الشعر الرمادي.
عندما يتعلق الأمر بالأشخاص الذين يعانون من التشوهات والإعاقات، كان لدى المصريين القدماء "موقف مستنير" يختلف تماماً عن المجتمعات المعاصرة، وفقاً للباحثين.
فيما أوضح الباحثان: "فعلى عكس اليونانيين القدماء، لم يتوقع المصريون القدماء أن يتمتع الجميع بلياقة بدنية مثالية. ولم يتركوا الأطفال ذوي الإعاقة ليموتوا، بل قدم المجتمع الرعاية الصحية عند الحاجة، سواء كانت الحالة نتيجة لظروف وراثية أو تشوهات خلقية أو حوادث أو إصابات".
ماذا عن الطب المصري القديم اليوم؟
قال الباحثون إنَّ القدماء المصريين كانت لديهم مجموعة من العلاجات -بعضها لا يزال صالحاً حتى يومنا هذا- التي اتسمت بالفعالية في تخفيف الأمراض المختلفة، برغم أنَّ متوسط العمر المتوقع للمصري القديم كان مماثلاً للمجتمعات الأخرى قبل اكتشاف المضادات الحيوية.
على سبيل المثال، كان لدى المصريين بعض العلاجات الناجحة لعمليات بتر الأطراف وشفاء الجروح.
فيما لا يزال العديد من عناصر الرعاية الصحية في الطب في مصر القديمة موجوداً حتى اليوم في الطب الغربي. ومن بينها علاج الفك المخلوع الذي سُجِّل لأول مرة في بردية إدوين سميث، التي يرجع تاريخها إلى حوالي 1600 قبل الميلاد، والتي تعتبر أقدم دراسة جراحية معروفة عن الصدمات.
إضافة إلى ذلك، كان القدماء المصريون أول من توصل لتقنيات جراحية مثل خياطة الجروح، وكذلك أول من استخدم بعض الأدوات الطبية مثل المبضع، وفقاً للباحثين ديفيد وفورشو.
كما هو الحال اليوم، اتبع المصريون القدماء إرشادات محددة لتعريف العلاقة بين مقدمي الرعاية الصحية ومرضاهم وحمايتها. بالإضافة إلى ذلك، قدم المعالجون الرعاية والعلاج لجميع مرضاهم، بغض النظر عن خطورة الحالة، بما في ذلك تقديم الرعاية التلطيفية المناسبة حتى للمرضى الذين اعتُبِر شفاؤهم ميؤوساً منه.