في المياه الباردة بين بريطانيا وأيسلندا وقعت ثلاث مواجهات بحرية بين كلٍّ من بريطانيا، القوة البحرية العظمى، وأيسلندا، وهي دولة صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها مئات الآلاف، وفي كل مرة من تلك المواجهات كان النصر حليف أيسلندا، أمّا سببب هذه الحروب فلم يكن سوى سَمك القد وحق صيده، كانت هذه الحروب هي حروب القد.
وفقاً لـbritishseafishing بدأت هذه الحروب في أواخر خمسينيات القرن الماضي الماضي، وانتهت في عام 1976، وقد اندلعت كل حرب من حروب القد الثلاث بسبب قيام أيسلندا بتوسيع منطقتها الاقتصادية الحصرية للصيد، والتي أجبرت سفن الصيد البريطانية على الصيد بعيداً عن المياه غزيرة الأسماك لأيسلندا، ولكون صيد سمك القد كان أحد روافد الاقتصاد البريطاني، حاربت بريطانيا بكلّ ما أوتيت من قوة من أجل الاحتفاظ بإمكانية الوصول إلى المياه الأيسلندية، فأرسلت سفناً حربية تابعة للبحرية الملكية لمرافقة وحماية سفن الصيد التابعة لها.
خلفية حروب القد
ليس من المستغرب أن تعتمد دولة تحيط بها مياه المحيط من جميع الجوانب بشكل كبير على الأسماك، فقد كان لفترة طويلة السمك المنتج الرئيسي للتصدير والاستهلاك عند الأيسلنديين، ولكن من بين جميع الأسماك يُعتبر سمك القد هو الأكثر أهمية في البلد الاسكندنافي، كونه يعدّ الذهب الأبيض الخاص بأيسلندا.
في الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية ازداد قلق الصيادين الأيسلنديين بشأن كثرة السفن البريطانية في مياههم، ما أثر على كمية سمك القد التي يمكنهم صيدها بأنفسهم. وتصاعد القلق إلى أن أعلنوا في عام 1952 عن قواعد جديدة تنظم الصيد في المياه الأيسلندية، تحد من المياه التي يمكن للصيادين البريطانيين الصيد فيها، وتوسع مناطق الصيد الأيسلندية من ثلاثة إلى أربعة أميال بحرية من الشاطئ.
ردت بريطانيا، التي شعرت بالغضب إزاء هذه الضربة التي نفذتها جارتها الصغيرة، بفرض حظر على استيراد الأسماك الأيسلندية، وذلك حسب atlasobscura.
كانت تلك عقوبة قاسية، إذ كانت بريطانيا أكبر سوق لصادرات الأسماك في أيسلندا، لكن سرعان ما أخذ الأمر أبعاداً عكسية، وذلك عندما وجد الاتحاد السوفييتي فرصةً لاستيراد أسماط أيسلندا، وفي خضم حربها الباردة، حذت الولايات المتحدة حذوها، وشجعت حلفاءها الأوروبيين على أن يحذوا حذوها، وهكذا تم تخفيض العقوبات إلى الحد الأدنى، وتمكنت أيسلندا من الحفاظ على حدودها الجديدة.
وفي نهاية المطاف، في عام 1956، استسلمت بريطانيا العظمى، في أعقاب القرار الذي اتخذته منظمة التعاون الاقتصادي الأوروبية التي انحازت إلى أيسلندا.
حرب القد الأولى
في سبتمبر/أيلول 1958، قامت أيسلندا بتوسيع مياهها الإقليمية، من أربعة أميال بحرية إلى 12 ميلاً بحرياً، في عمق المياه التي لم تكن مملوكة لأحد في السابق.
رفضت بريطانيا القرار الأيسلندي، وبدعم من دول أوروبا الغربية أصرت بريطانيا على أنها ستواصل الصيد كما كانت تفعل من قبل، تحت حماية السفن الحربية التابعة للبحرية الملكية، ليدخل البلدان في صراع مباشر، في أولى مواجهات حروب القد..
ومع أنه كان نزاعاً غير متكافئ؛ إذ كانت بريطانيا في ذلك الوقت ثاني أقوى قوة بحرية في العالم، بعد الولايات المتحدة الأمريكية، في حين لم يكن لدى أيسلندا سوى القليل من قوارب الدورية، وسفن خفر السواحل العسكرية لحماية نفسها، فلم يمنع ذلك أيسلندا عن الذود عن أسماكها، وشنّ الهجوم على السفن البريطانية. وقد شنّت عدداً من المناوشات، منها إطلاق قوارب الدورية الأيسلندية النار تجاه سفن الصيد البريطانية، في محاولة لإجبارهم على مغادرة المنطقة الجديدة.
وفي المقابل، هددت بريطانيا بإغراق أي سفن أيسلندية تهاجم سفن الصيد البريطانية، ولكن في نهاية المطاف تراجعت بريطانيا، وقبلت بأنه ليس من حقها منع أيسلندا من تمديد منطقتها الاقتصادية الحصرية. وجرى أيضاً الاتفاق على تسوية النزاعات المستقبلية في محكمة العدل الدولية؛ لتجنب المزيد من الصراع، لتنتهي أوّل مواجهة من حروب القد بانتصار أيسلندا.
حرب القد الثانية
بعد مرور عقد من الزمان تقريباً، وفي سبتمبر/أيلول 1972، قامت الحكومة الأيسلندية بتوسيع حدود الصيد مرة أخرى إلى 50 ميلاً، الأمر الذي فتح الباب إلى مواجهة جديدة بينها وبين بريطانيا، الممتعضة أصلاً من توسيع أيسلندا مياهها الإقليمية سابقاً.
هذه المرة كانت أيسلندا أكثر جرأة، فقد أصبح لدى سفنها البحرية سلاح سري حاسم في صراع الصيد، فقد كانت جميع سفن خفر السواحل الأيسلندية السبع مسلحة بقواطع أسلاك الجر، والتي تسببت في أضرار كبيرة في سفن الصيد البريطانية.
ومرة أخرى، عارضت أوروبا الغربية قرار أيسلندا، ومرة أخرى صمدت أيسلندا، معلنةً أنها تقاتل ضد الإمبريالية ومن أجل استقلالها الاقتصادي.
وتحت ضغط من حلف شمال الأطلسي، استسلمت بريطانيا في أواخر عام 1973، وانتصرت أيسلندا مرة أخرى.
حرب القد الثالثة
مع التغييرات القانونية التي شهدها العالم في عام 1975، قامت أيسلندا برفع حدود مياهها الإقليمية لـ200 ميل، وهو الأمر الذي جعل مساحة واسعة من تلك المياه ساحة حربٍ بين سفن الصيد البريطانية والأيسلندية، إذ شهدت حرب القد الأخيرة هذه بعض المواجهات الأكثر سخونة خلال الحروب الثلاث، فيما بلغ مجموعه 55 حادثة تصادم بين سفن البحرية الملكية والقوارب الأيسلندية.
رفضت أيسلندا التفاوض، وفي النهاية قطعت العلاقات الدبلوماسية مع بريطانيا تماماً على الرغم من الاجتماعات المتكررة بين رئيسَي وزراء البلدين، ووزيري خارجيتيهما.
مرة أخرى تدخل حلف شمال الأطلسي، الذي كان تحت ضغط انسحاب أيسلندا منه، والذي أجبر بريطانيا على الاستسلام.
بنهاية حروب القد الثلاث لم يكن هناك سوى ضحيتين؛ صياد بريطاني من غريمسبي، الذي أصيب بقاطع الشباك، ومهندس أيسلندي، الذي تعرض للصعق بالكهرباء عن طريق الخطأ أثناء إصلاح قاربه.