خلال الحرب العالمية الأولى، وعلى الرغم من خروجها منتصرةً على ألمانيا، فإنّ فرنسا تكبدت خسائر فادحة، جعلت الفرنسيين يفكرون في الطريقة التي يحمون بها بلادهم من أي حرب قادمة، وذلك ببناء حصن دفاعي أطلق عليه اسم خط ماجينو.
في الحرب العالمية الأولى، خسر الفرنسيون 12 ألف كيلومتر مربع من أراضيهم التي احتلها الألمان، كما سيطر الألمان على 40% من احتياطيات الفحم الفرنسي، ووقع في قبضتهم 64% من الحديد الخام.
وطيلة الحرب حشدت فرنسا 8 ملايين مواطن للقتال، 52% منهم صاروا ضحايا للألمان، أي أن فرنسا خسرت 5% من إجمالي عدد سكانها في تلك الفترة.
من منطلق تلك الخسائر كان تكرار التجربة يعدّ أمراً فظيعاً لدى الفرنسيين، الأمر الذي دفعهم باكراً للتفكير في حماية وطنهم من الحرب القادمة، فكان وزير الحربية أندريه ماجينو صاحب فكرة إنشاء خطٍّ دفاعي، حمل اسمه.
خط ماجينو الذي أنشئ من أجل منع تكرار مأساة الحرب العالمية الأولى
في 11 نوفمبر /تشرين الثاني 1918، وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها منهية فترة أربع سنوات كانت فيها القوات الألمانية تحتل شرق فرنسا بشكل شبه مستمر.
حسب thoughtco، خلفت الحرب مقتل أكثر من مليون فرنسي، وإصابة ما بين 4 إلى 5 ملايين آخرين، وفي أعقاب هذه الحرب، بدأت فرنسا تطرح سؤالاً بالغ الأهمية: كيف ينبغي لها الآن أن تدافع عن نفسها؟
ورغم أنّ الحرب أعقبتها معاهدة فرساي التي كان من المفترض أن تمنع قيام الحرب، وذلك بمعاقبة البلدان المهزومة وفي مقدمتها ألمانيا، فإنّ تلك المعاهدة كانت سبباً مباشراً في قيام الحرب العالمية الثانية بعدها بسنوات.
كان العديد من السياسيين والجنرالات الفرنسيين، وعلى رأسهم الفيلد مارشال فوش، متأكدين أن فرساي كانت مجرد هدنة أخرى، وأن الحرب ستُستأنف في النهاية، لذا زادت أهمية البحث عن وسيلة للدفاع عن فرنسا في وجه هذه الحرب.
اختلف القادة الفرنسيون في الطريقة التي يدافعون بها عسكرياً عن فرنسا، وظهرت ثلاث مدارس فكرية رئيسية، استندت اثنتان منها في حججهما إلى الأدلة التي تم جمعها من الحرب العالمية الأولى، ودعتا إلى إنشاء خط من التحصينات على طول الحدود الشرقية لفرنسا.
وتطلّع أصحاب الفكرة الثالثة، بقيادة شارل ديغول، نحو المستقبل، إذ كانوا يعتقدون أن الحرب ستصبح سريعة ومتنقلة، وترتكز حول الدبابات والمركبات الأخرى بدعم جوي. وقد قوبلت هذه الفكرة بمعارضة شديدة، وتمّ تفضيل فكرة إنشاء خط من التحصينات.
في تلك الأثناء برزت حنكة وإقناع وزير الحربية أندري ماجينو، الذي دافع عن فكرة إنشاء خط دفاعي من التحصينات، وببساطة جعل ماجينو إنشاء خط تحصينات ضرورة واجبة، مهما كان المستقبل الذي يتربص بفرنسا. فصوّت البرلمان الفرنسي على إنشاء خط ماجينو على خمس مراحل أساسية، ثم صوّت على قانون ضخم يحمل اسم "قانون ماجينو"، يتم بموجبه تخصيص 2.9 مليون فرنك فرنسي لتشييد حصون منيعة متفرقة على طول الحدود الألمانية والإيطالية. وسيمر جنين ماجينو بأطوار خمسة، حتى يصبح قادراً على مواجهة الوحش الألماني.
أول مرحلة من تشييد خط ماجينو استغرقت ثلاث سنوات، وتركزت فقط حول الدراسات العسكرية والفنية النظرية للتأكد من سلامة الفكرة التي طرحها وزير الحربية، واختيار الأماكن المناسبة. في تلك السنوات الثلاث عملت لجنتان بالتنسيق، الأولى تُحدد السيناريوهات المتوقعة لتقدم العدو الألماني، واللجنة الثانية تقرر وضع التحصينات المناسبة لمنع تقدم العدو، وفقاً لسيناريوهات اللجنة الأولى.
واستغرقت المرحلة الثانية نفس المدة، والتي تشكلت فيها عدة لجان إقليمية لدراسة تقارير اللجان السابقة وتقرير ما سيتم تنفيذه. تلك اللجان الإقليمية كان دورها أن تُبقي الإنشاءات متناسبة مع الميزانية المخصصة، ليس لقلة المخصصات المالية، لكن لضخامتها، فكان لا بد من التأكد أن كل شيء يذهب لمكانه دون التعرض لاختلاسات في منتصف الطريق.
في حين استغرقت المرحلة الثالثة 11 عاماً، لكونها تعدّ مرحلة التشييد والبناء. صادفت تلك المرحلة بحبوحة فرنسية اقتصادية هائلة، الأمر الذي جعل المشروع العسكري لا يواجه متاعبَ في التمويل، فقد تم بناء الخط بتكلفة تجاوزت 9 مليارات دولار بقيمة اليوم.
قام المهندسون العسكريون بإنشاء الدُّشم والملاجئ، وتمت أعمال الحفر والبنى التحتية، وبُنيت أماكن المدافع والخنادق الأمامية المخصصة لوجود الجنود.
بعدها بدأ القائمون في بناء أعمال التهوية، والمصاعد الكهربائية، وأماكن مبيت تسع النصف مليون جندي القائمين بالعمل في طول الخط، كما ثم إنشاء موانع الدبابات وأنظمة إنذار للحريق، وشبكات للصرف الصحي.
وبحلول عام 1936، كان خط ماجينو قد اكتمل إلى حد كبير، وذلك عندما قام المسؤولون الفرنسيون باصطحاب ونستون تشرشل في جولة على خط ماجينو، في أغسطس/آب 1939، انبهر تشرشل بما رآه.
كان الفرنسيون قد صبّوا في الخط الدفاعي أكثر من 1.5 مليون متر مكعب من الحوائط الخرسانية، وباتوا يمتلكون أكثر من 100 كيلومتر من الدهاليز والأنفاق تحت الأرض، فيها أكثر من 1536 فرناً لصهر المعادن، بدرجة حرارة عالية، لتصنيع الأسلحة واستخدام المعادن المذابة في أغراض عسكرية. في تلك المساحة الشاسعة من التحصينات وُضع 23 موقعاً ممتلئة بالدبابات، بجوارها 339 مدفعاً بأعيرة مختلفة، يحرس كل ذلك 152 برجاً متحركاً.
وكانت السنوات التي سبقت الحرب فترةً لاختبار الخط وتدريب الجنود عليه، ويمكن القول إنّ الخط صار جاهزاً بشكلٍ كاملٍ بعد 20 سنة من بداية العمل عليه، أي مع بداية الحرب مباشرةً.
الخط الدفاعي الذي دمره الألمان في أربعة أيام
مع وجود خط ماجينو، الذي يمنع الألمان من عبور الحدود الفرنسية الألمانية مباشرة، عرف الجيش الفرنسي أن الألمان سيتعين عليهم المرور عبر بلجيكا لاستكمال هجومهم، اعتمد الفرنسيون على الحاجز الطبيعي لمنطقة الأردين، وهي منطقة غابات كثيفة ذات تضاريس وعرة وعدد قليل من الطرق، لتضييق المنطقة التي يمكن للألمان عبورها.
لكن الجنرال الألماني هاينز جوديريان، الذي قضى بعض الوقت في آردين خلال الحرب العالمية الأولى، وكان يعرف المنطقة جيداً بما يكفي لرسم خريطة للتضاريس وإيجاد طريقة لعبورها، أمر قواته بالزحف من أردين، عاكساً بذلك توقعات الفرنسيين وحلفائهم البريطانيين.
وفقاً لـhistory، تمكن الألمان بسرعة من التفوق على الجيش الفرنسي الذي كان يتجه شمالاً لقتالهم. ونتيجة لذلك، تمكن الألمان من تطويق الفرنسيين وحلفائهم البريطانيين ودفعهم نحو الساحل، ثم التوجه جنوباً إلى باريس.
بمجرد أن أصبح الألمان خلف خط ماجينو، قاموا بمهاجمته من الخلف والاستيلاء على التحصينات، وأسروا أكثر من 500 ألف جندي من عناصره.
خلال أربعة أيام فقط كان الخط قد سقط، وبعد 20 يوماً أخرى كان الألمان قد دخلوا باريس.
واليوم أصبح "خط ماجينو" عبارة شهيرة تستخدم لوصف حاجز غير ملائم يوفر شعوراً زائفاً بالأمان.