مرّ على حكم الجزائر خلال العهد العثماني الكثير من الشخصيات البارزة التي نجحت في الوصول إلى الحكم، بعد قضائها سنواتٍ طويلة تحت الظل، ومن بين تلك الشخصيات القائد العسكري حسن قورصو، الذي حكم الجزائر لمدة سنة واحدة فقط، وذلك ما بين عامي 1556 و1557م، لكنّه بقيَ خالداً في تاريخ الجزائر بصفته واحداً من أبرز شخصياتها العسكرية على مرّ التاريخ، وذلك من خلال معاركه الشرسة التي خاضها ضد أعداء إيالة الجزائرية العثمانية، ومحاولته تثبيت حكمه العسكري للجزائر بالقوة، وإن كان ذلك بإعلان التمرد على السلطان العثماني سليمان القانوني.
حسن قورصو.. أسيرٌ كورسيكي أسلم وصار حاكماً للجزائر
قبل أن يحمل اسم حسن، كان اسمه الأصلي هو بيترو باولو تافيرا، نسبةً إلى الجزيرة التي وُلد بها سنة 1518، والواقعة على ضواحي جزيرة كورسيكا الواقعة بالقرب من فرنسا وإيطاليا والمقابلة للسواحل الجزائرية.
كانت هذه الجزيرة هدفاً مستمراً لغارات سفن المسلمين الحربية، الذين كانوا يستهدفون السفن والجزر الأوروبية من أجل تجارة العبيد.
في عام 1523، سقط بيترو باولو في أسر بعض البحارة المسلمين من الجزائر، الذين نقلوه من كورسيكا إلى إسطنبول، مكان أسواقها الخاصة بالعبيد.
وسط حياته الجديدة، دخل بيترو باولو إلى الإسلام وتعلّم اللغة العربية، كما اتخذ اسماً جديداً، هو حسن، وصار يلقب بحسن قورصو نسبةً إلى جزيرة مولده كورسيكا.
كان حسن قورصو محباً لركوب البحار والمشاركة في رحلات القرصنة، فمنذ صغره شارك حسن في العديد من الخرجات البحرية التي أثبت فيها كفاءته الحربية، ليتم دمجه في جيش الانكشارية، حيث برع بقدراته القتالية الفائقة التي جعلته مميّزاً وسط فرقته، الأمر الذي جعله يتسلّق المراتب والدرجات العسكرية بشكلٍ سريع.
وبعد بضع سنوات، تم إرساله إلى الجزائر، ليواصل حسن قورصو مسيرته المهنية والعسكرية المميزة، إذ تمت ترقيته إلى رتبة جنرال وسنّه لم يتجاوز الـ31، وسرعان ما تمّ تعيينه قائداً للجيش الجزائري سنة 1549، وذلك خلال فترة حكم صالح رايس، الذي كان مقرباً منه وشارك معه في العديد من المعارك والغزوات، وفي العام 1556 صار حسن قورصو حاكماً للجزائر بعد انتخابه من قبل الانكشارية.
مسيرة عسكرية حافلة بالمعارك
شارك حسن قورصو في معظم المعارك التي خضتها السلطة العثمانية بالجزائر، منذ وصوله الجزائر سنة 1548.
ففي سبتمبر/أيلول 1550، قاد حسن قورصو الجيش العثماني في غزوته على مدينة تلمسان، التي كان قد استولى عليها السعديون، لكن تلك الحملة فشلت في طرد السعديين من تلمسان.
ويتفق المؤرخون أنّ علاقة قورصو الاستثنائية مع حاكم الجزائر حينها صالح رايس كانت سبباً في المسيرة الفلكية لحسن قورصو داخل الجيش الجزائري، فقد كان صالح رايس يعتبر قورصو ذراعه اليمنى وأمين أسراره.
فحين أراد صالح رايس تثبيت الجبهة الداخلية للجزائر والقضاء على التمردات في الجنوب، كلّف حسن قورصو بمهمة إخضاع القبائل الجنوبية للسلطة العثمانية وذلك سنة 1552.
وبالفعل قاد حسن قورصو حملة عسكرية كبيرة ضد مدينتَي ورقلة وتقرت، وبعد معارك طويلة وشرسة، نجح قورصو في إخضاع الجنوب الجزائري إلى سلطة صالح رايس.
المهمة الثانية التي كلّف بها صالح رايس مساعده قورصو، كانت الهجوم على الإسبان في وهران من أجل طردهم من المدينة.
لكن هذه المهمة لم يكتب لها النجاح.
ففي يونيو/حزيران 1556، توجه حسن بأسطولٍ بحري قوامه 30 سفينة حربية، إضافة إلى جيش بري قوامه 10 آلاف جندي، والوجهة صوب مدينة وهران.
ورغم البداية القوية لجيش قورصو، فإنّ الإسبان نجحوا في كسر الحصار، وفشل حسن في استعادة المدينة منهم.
حاول التمرد على السلطان العثماني فانقلب عليه حلفاؤه
بوفاة صالح رايس، المفاجأة أنه أثناء الهجوم على وهران، لم يجد قادة الانكشارية رجلاً يخلف قائدهم في حكم الجزائر أكثر كفاءة من حسن قورصو، لذا قام قادة الانكشارية بمبايعة حسن قورصو بسرية وسرعة كبيرة حاكماً للجزائر.
لم يكن السلطان العثماني سليمان القانوني على علمٍ بوفاة واليه على الجزائر صالح رايس، وذلك عندما أوفد لجنة لمتابعة شؤون الحكم في إيالة الجزائر العثمانية.
تفاجأ الوفد بما جدّ في الجزائر، وذلك بعد أن وجدوا أنّ حسن قورصو قد أصبح حاكماً على الجزائر، وأن الحاكم السابق قد مات، وعادوا بتقريرهم إلى السلطان العثماني.
لم تعجب سليمان القانوني الطريقة التي جلس بها حسن على كرسي الحكم، فأصدر فرماناً بتعيين محمد تكيرلي حاكماً على الجزائر، وعدم الاعتراف بسلطة حسن قورصو.
رفض قورصو قرار السلطان العثماني بتعيين تكبرلى حاكماً على الجزائر في مكانه، وأعلن تمرده على القرار برفضه السماح للوالي العثماني الجديد بالنزول إلى ميناء الجزائر، كما قام بتهديد السلطة العثمانية بالزحف عليها إلى الباب العالي.
ومع الصراع الدائر بين قورصو والسلطة العثمانية المركزية، كان صراعٌ آخر في الجزائر يجري على الحكم بين أبرز قوتين عسكريتين في ذلك الوقت، هما الانكشارية ورياس البحر، وهو الصراع الذي حسم مصير قورصو.
إذ انقلب رياس البحر على قورصو، وسمحوا بالقوة بتولي الحاكم الجديد المعيّن من السلطان سليمان القانوني لمنصبه، في المقابل قامت باعتقال حسن قورصو، قبل أن يموت بعد ثلاثة أيام من اعتقاله، وذلك في أغسطس/آب 1556.