تعتبر لوحات نساء الجزائر، وتحديداً النسخة "O"، التي رسمها الفنان العالمي بيكاسو، أغلى لوحة بيعت في مزاد علني على الإطلاق؛ إذ بيعت في عام 2015 بمبلغ وصل إلى 179 مليون دولار لأحد هواة جمع التحف الخاصة، فما قصة هذه اللوحات؟
قصة لوحات نساء الجزائر
التحفة الفنية التي تحمل عنوان "Les femmes d'Alger"، والتي تعني نساء الجزائر بالفرنسية، هي سلسلة مكونة من 15 لوحة مرقمة من حرف A إلى حرف O، رسمها الفنان الإسباني بيكاسو ما بين عامي 1954 و1955، كما أنها واحدة من سلسلة لوحات رسمها بيكاسو تكريماً للفنانين الذين أعجب بهم.
السلسلة هي عبارة عن 6 لوحات صغيرة، لوحتان عموديتان بشخصية معزولة، و7 لوحات كبيرة، بالإضافة إلى تاريخ محدد على ظهر كل لوحة.
تُظهر هذه اللوحات الـ15 قدرة بيكاسو على التعبير عن نفسه بلغات تصويرية مختلفة، وتتميز بعض اللوحات بمنحنيات ناعمة وألوان زاهية، بينما تذكرنا أخرى بفترة عصره التكعيبي بحواف حادة وألوان رمادية.
وقد كانت اللوحة O من السلسلة أغلى لوحة فنية بِيعت في التاريخ حتى سنة 2017، في مزاد نظَّمته صالة مزادات كريستيز في مدينة نيويورك، بمبلغ بلغ 179.4 مليون دولار أمريكي.
ووفقاً لما ذكره موقع HelloGiggles المتخصص بالفنون، فإنّ بيكاسو أراد تحرير المرأة في هذه اللوحات من النظرة الاستشراقية، التي يرى بها الغرب النساء الشرقيات، ولذلك فقد رسم لوحته هذه من خلال تصوير وضعية نساء جزائريات شبه عاريات في القرن التاسع عشر.
تقول العديد من المصادر، من بينها موقع Picasso Celebration، إن بيكاسو استلهم هذه السلسلة من لوحة استشراقية تحمل الاسم نفسه ليوجين ديلاكروا، رسمها بعد حوالي أربعة أعوام من استعمار فرنسا للجزائر سنة 1834، والتي تناولت موضوع المرأة الجزائرية بعيداً عن الظروف المأساوية التي فرضها عليها الاستعمار.
في حين تقول مصادر أخرى إنّ الدافع وراء إنشاء هذه السلسلة هو اندلاع حرب الاستقلال الجزائرية، التي كان يؤيدها بيكاسو، حتى إنه أنجز في تلك الفترة أيضاً لوحة للمناضلة الجزائرية الشهيرة جميلة بوباشا.
في مقال "نساء الجزائر لبيكاسو وحرب الاستقلال الجزائرية"، الذي كتبته أماندا بيريسفورد ونُشر في مجلة الجمعية الغربية للتاريخ الفرنسي (2015)، تم إجراء دراسة لتأثير هذه السلسلة.
وتقول بيريسفورد في مقالها إنّ أخبار اندلاع حرب الجزائر وصلت إلى باريس عبر الصحافة في بداية نوفمبر/تشرين الثاني 1954، وهو التاريخ الذي بدأ منه بيكاسو هذه السلسلة، مستلهماً الفكرة من لوحة من أعمال ديلاكروا، والذي كان يعرف باريس جيداً نظراً لزياراته إلى الجزائر.
وأضافت أنه من غير المعروف ما إذا كان بيكاسو يريد التلميح إلى حرب الاستقلال الجزائرية في سلسلته، لكن بعض الدلائل تشير إلى هذا الاتجاه.
أما موقع Culture Trip الثقافي العالمي، فيرى أنّ الفنانة الجزائرية بايا محيي الدين، واسمها الحقيقي فاطمة حداد، كانت الملهم الرئيسي لبيكاسو من أجل رسم لوحات "نساء الجزائر".
باعتبارها فنانة علّمت نفسَها بنفسها احتفظت بايا بالارتباط بالفن "القبلي"، الذي فتن العالم الغربي، ورفضت بشدة أي شكل من أشكال التصنيف، وبدلاً من ذلك اعتمدت على الذكريات والتجارب الشخصية.
ولدت بايا في الجزائر عام 1931، ولم تكن حياتها سهلة على الإطلاق، يُتمت في الخامسة من عمرها، وربّتها جدتها.
لم تتمكن من الالتحاق بالمدرسة، وعملت خادمةً لدى امرأة فرنسية تُدعى مارغريت كامينا، والتي وصفتها الفنانة فيما بعد بأنها والدتها بالتبني.
لاحظت كامينا الموهبة التي أظهرتها خادمتها الشابة في صنع الأشكال من الطين، فشجعتها على تطوير حرفتها، لتحترف الرسم أيضاً.
وبدلاً من اتباع النماذج الغربية النموذجية للإنتاج الفني التي تم تدريسها في ذلك الوقت، اعتمدت الشابة بايا على تجاربها وتصوراتها الشخصية، إلى جانب الفن القبلي التقليدي للجزائر.
ويقال إن رسوماتها كان لها تأثير كبير على فنانين مثل بيكاسو وماتيس وأندريه بريتون.
المناضلة جميلة بوباشة من بينهنّ أيضاً
اهتمام الرسّام العالمي بابلو بيكاسو بالثورة الجزائرية دفعه إلى محاولة إدانة معاناة النساء الجزائريات في ظل الاستعمار، وإحدى تلك اللوحات كانت للمناضلة الجزائرية جميلة بوباشا.
في يوليو/تموز 2008، عُرضت صورة بوباشا التي جسّدها بيكاسو في متحف ماما الوطني العام للفن الحديث والمعاصر بالجزائر العاصمة، بمناسبة معرض كبير بعنوان "الرسامون الدوليون والثورة الجزائرية"، ثم تم نقلها من مرسيليا إلى الجزائر العاصمة، تحت حراسة مشددة، إذ تقدر قيمة لوحة جميلة بوباشا لبابلو بيكاسو اليوم بنحو 400 مليون دولار.
مطالبات جزائرية بشراء لوحات نساء الجزائر
ووفقاً لما ذكره موقع "أصوات مغاربية"، فإنّ بعض المثقفين والمؤثرين في الجزائر يحاولون إقناع السلطات بضرورة الالتفات إلى هذه الصورة، والعمل على اقتنائها وضمها إلى التراث الفني المعروض في المتاحف الوطنية.
لكن هذه المطالبات تصطدم بالعديد من العقبات، أولها أسعارها المرتفعة، وثانيها هو طبيعة الرسم الموجود عليها، حيث تصور "جسداً أنثوياً عارياً".
وقد أثار هذا العمل الفني حفيظة العديد من التيارات المحافظة في الجزائر، على اعتبار أن ذلك يتعارض مع القيم الدينية للمجتمع الجزائري.