إذا كنت من مستخدمي تطبيقي إنستغرام وتيك توك، فإنك بالتأكيد قد سمعت مقطعاً مسجلاً، أو تحدياً راقصاً، يستخدم أغنية "ماكيبا" (Makeba) الحماسية في الخلفية.
فهي أغنية أيقونية معروفة تعود للعام 2015، بلحن جذاب جعلها تسهم في الرواج الفيروسي للمقاطع التي تستخدمها.
لكن ما لا يعرفه الكثيرون عن الأغنية أنها تحتفي بشخصية إفريقية حظيت بتاريخ طويل من الإنجازات والنجاحات، وهي ميريام ماكيبا، المغنية والناشطة المناهضة للفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وهي أغنية عن حقوق الإنسان، واعتزازاً بمسيرة المغنية الناشطة.
إعادة إحياء أغنية "ماكيبا" ورواجها الفيروسي
يوجد حالياً أكثر من مليون مقطع فيديو على منصة تيك توك (TikTok) وحدها تستخدم أغنية "ماكيبا" كصوت خلفي للمقطع، وفقاً لمعلومات صادرة عن التطبيق.
وقد بدأت مقاطع الفيديو التي تعرض تحديات رقص قصيرة على الأغنية في جمع ملايين المشاهدات لكل منها؛ حيث بدأت بالظهور لأول مرة في مايو/أيار عام 2023 الجاري.
أما المغنية التي أدت الأغنية، فهي الفنانة الفرنسية جين، التي أمضت بضع سنوات في الكونغو، وقالت في مقابلات صحفية عديدة إنها تربت على سماع أغاني ميريام ماكيبا، التي تحتفي الكلمات بإنجازاتها ومسيرتها.
وميريام ماكيبا، المغنية وكاتبة الأغاني الجنوب إفريقية، هي واحدة من أشهر النشطاء المناهضين للفصل العنصري في العالم، إلى أن حظيت بلقب "ماما أفريكا" تقديراً لإسهاماتها.
وفي الأغنية تنشد جين بكلمات تقول: "أريد أن أراك تغني، أريد أن أراك تقاتل لأنك الجمال الحقيقي لحقوق الإنسان.. لا أحد يستطيع التغلب على ماما إفريقيا، فقط ابتسامتها يمكن أن تزيل معاناة ألف آخرين من المضطهدين"، وذلك في تكريم لميريام ماكيبا، التي توفيت عام 2008.
ميريام ماكيبا.. المغنية المناضلة ضد العنصرية
كانت ماكيبا، المعروفة باسم "ماما أفريكا" أو "ماما إفريقيا"، هي مغنية وكاتبة أغاني وممثلة وناشطة في مجال الحقوق المدنية من جنوب إفريقيا، نشطت خلال ذروة الفصل العنصري في بلدها.
بدأت حياتها المهنية في الغناء في الخمسينيات من القرن الماضي، وأدت بشكل رئيسي موسيقى الجاز والأفرو بوب، مع مجموعة تدعى مانهاتن براذرز، قبل أن تنضم في النهاية لمجموعة "سكاي لاركس" النسائية.
بحلول نهاية العقد، كانت قد ظهرت في الفيلم المناهض لحكومة الفصل العنصري بجنوب إفريقيا بعنوان "عودي يا إفريقيا" (Come Back Africa)، وهو العمل الدرامي المؤثر الذي جذب انتباهاً وطنياً للمغنية الناشطة، وأدى إلى الدفع بشهرتها لبلوغ المستوى الدولي أيضاً.
نتيجة لذلك، انتقلت ماكيبا إلى مدينة نيويورك عام 1959 لمتابعة مسيرتها الموسيقية.
ثم في عام 1960، وبعد وقت قصير من مذبحة شاربفيل التي فتح فيها ضباط الشرطة النار في بلدة بغالبية من السود على مجموعة من المحتجين السلميين المعارضين لقوانين الفصل العنصري القمعية، مما أسفر عن مقتل 69، علمت ماكيبا أن والدتها توفيت.
وعندما حاولت العودة للجنازة، علمت أن جواز سفرها الجنوب إفريقي قد تم إلغاؤه من قبل الحكومة على خلفية نشاطها المعارض. لتكون تلك هي بداية مرحلة الـ30 عاماً من المنفى للفنانة الجنوب إفريقية لم تتمكن فيها من العودة لوطنها.
حينها بدأت ماكيبا في تناول مواضيع سياسية أكثر وضوحاً عبر موسيقاها وأعمالها، وأصبحت ناشطة ضد الفصل العنصري في وطنها، إلى أن حازت جائزة غرامي تقديراً لمسيرتها وأغانيها الناجحة.
تاريخ حافل وأثر مستمر
مع نهاية نظام الفصل العنصري بجنوب إفريقيا، تمكنت ميريام ماكيبا أخيراً من العودة إلى وطنها في العام 1990 لمدة 6 أيام. ثم بحلول عام 1992، تمكنت من إحياء حفلات في جوهانسبرغ.
وقد استمرت المسيرة الفنية الحافلة بالاعتزاز الإفريقي العميق لسنوات طويلة، إلى حين العام 2008، عندما أُصيبت ماكيبا بنوبة قلبية أثناء أدائها أغنيتها الناجحة "باتا باتا"، حيث توفيت في وقت لاحق في المستشفى عندما لم يتمكن الأطباء من إنعاشها.
ومن أبرز ما حققته مسيرة ميريام ماكيبا الفنية هي تثقيف جمهور الولايات المتحدة والعالم في فترة حساسة من التاريخ بقيم وثقافة الحضارة الإفريقية، لذلك كان نمط أغانيها يعتمد على استخدام لغات أصلية مقتبسة من ثقافتها الأم، وتعريف الجماهير بالألحان القبائلية التي سادت قديماً بين مجتمعات جنوب إفريقيا البدائية.