هناك العديد من الفرضيات التي تقول إن الحضارة المصرية القديمة كانت متطورة أكثر بكثير مما نعتقد، ولا يرجع أصل هذه الفرضيات فقط إلى البناء المذهل للأهرامات والذي دفع العلماء للتساؤل عن كيفية تشييدها بطرق بسيطة، إنما هناك العديد من الألغاز الأخرى التي دفعت كثيرين للاعتقاد بأن التقنيات التي طورها المصريون كانت أكثر تعقيداً مما نتخيل، ويعتبر "ضوء دندرة" واحداً من تلك الألغاز، إذ يعتقد البعض أن المصريين ربما عرفوا المصباح الكهربائي قبل آلاف السنين.
قصة ضوء دندرة
في معبد الإلهة حتحور بمدينة دندرة المصرية وُجدت نقوش فرعونية تعود لما قبل الميلاد فسرها العلماء على أنها وصف لمصابيح كهربائية استخدمها المصريون القدماء.
وجدت صور "ضوء دندرة" في ثلاثة نقوش حجرية في المعبد، حيث تظهر هذه النقوش رسماً لشيء يبدو وكأنه لمبة تشبه أنبوب كروكس، مع "مقبس" في أحد طرفيه و"كابل" يتحرك تحته بينما يظهر في داخله سلك على شكل ثعبان. (وأنبوب كروكس هو تجربة كهربائية قديمة أجراها الفيزيائي الإنجليزي وليام كروكس باستخدام أنبوب تفريغ بشكل اسطواني).
وفي أحد النقوش يظهر كاهن يحمل المصباح المسمى بـ"ضوء دندرة"، كما يظهر قرد أمام "المصباح" وهو يحمل ما يشبه سكاكين.
كان مهندس كهربائي نرويجي هو أول من اقترح أن هذه الصورة ربما تصور مصباحاً كهربائياً. ولفت المؤلفان النمساويان بيتر كراسا وراينر هابيك الانتباه بشكل أكبر إلى هذه الفرضية عندما نشرا كتاباً يعتمد على نقوش دندرة بعنوان "Das Licht der Pharaonen". Hochtechnologie und elektrischer Strom im alten Ägypten ' (نور الفراعنة. التكنولوجيا العالية والكهرباء في مصر القديمة).
كذلك قام جارن، وهو مهندس كهربائي آخر، باختبار الفرضية فيما بعد وقام ببناء نموذج لضوء دندرة الظاهر في النقوش.
حيث قال جارن واصفاً النموذج الذي صنعه لمصباح دندرة:
"إذا قمنا بإخلاء لمبة زجاجية بجزأين معدنيين يصلان إليها (ب)، (ج)، يمكننا أن نرى تفريغاً عند مستويات أقل بكثير، اعتماداً على حجم البالون الزجاجي (د). عند ضغط حوالي (40 ملم من الزئبق)، تتعرج خيوط ضوئية تشبه الثعبان من أحد الأجزاء المعدنية إلى الآخر. وإذا قمنا بالتفريغ أكثر، فإن خيوط الضوء تتسع حتى تملأ البالون الزجاجي بالكامل. هذا هو بالضبط ما نراه في النقوش الموجودة في معبد حتحور".
الأساطير المصرية.. تفسير مختلف لضوء دندرة
لكن معظم علماء المصريات يفسرون ما يسمى بضوء دندرة بطريقة مختلفة. مفتاح اللغز هو أن تتذكر أن هناك نقوشاً (وصوراً أخرى) بجانب صورة المصباح، لذلك من الضروري مراعاة تفسير اللوحة ككيان واحد بدلاً من اللجوء إلى تفسير معاني كل نقش على حدة.
تخبرنا النقوش أن الإله حورس هو ثعبان يرتفع من زهرة اللوتس، ويحمل جسده بواسطة عمود (ما يسمى "الكابل" في فرضية ضوء دندرة).
أصبح الآن من السهل جداً رؤية عدد الرموز في ما يسمى بضوء دندرة المرتبطة فعلياً بالأساطير المصرية.
في إحدى أساطير الخلق المصرية القديمة، كانت زهرة اللوتس هي أول شيء ظهر من بحر نون البدائي اللامتناهي (يشار إليه أحياناً باسم "بحر السكينين")، والذي كان موجوداً في قديم الزمان. ويقال إن تلك الزهرة هي ابنة إله الشمس، أتوم رع، وهناك العديد من الرسوم القديمة لزهرة اللوتس على شكل "مصباح"، شبيه بالمصباح الذي أشير إليه لاحقاً باسم ضوء دندرة.
نعلم أيضاً أنه تم استخدام ثعبان داخل فقاعة في نقوش أخرى لتمثيل الإله أتوم راع.
وبناء على ذلك قد يكون الشكل الذي فسره بعض العلماء على أنه مصباح كهربائي قديم، ما هو إلا تصوير لإله الشمس الخارج من زهرة اللوتس، ويراد بهذا الرسم الإشارة إلى "ظهور الكون من العدم".
كذلك يوجد ثعبان آخر بالقرب من "ضوء دندرة"، لكن لا يوجد فقاعة تحيط به، بل يرتفع فقط من زهرة اللوتس، وهو دليل آخر يشير إلى أن الرسم مجرد تمثيل لأسطورة قديمة آمن بها المصريون، وليس مصباحاً كهربائياً كما اعتقد البعض.
هل تم حل لغز ضوء دندرة؟
وهكذا، فإن العديد من الرموز الموضحة في النقوش المثيرة للجدل التي يعتقد البعض أنها تصور ضوء دندرة مرتبطة بقصص الخلق المصرية القديمة، والاحتفالات، والآلهة وأفكار إعادة الخلق. تشير النقوش المنتشرة حول ضوء دندرة بوضوح إلى أن هذا "الضوء" ليس مصباحاً كهربائياً وليس دليلاً على وجود تكنولوجيا متقدمة في مصر القديمة.
نقطة رئيسية أخرى ضد فرضية ضوء دندرة هي عدم وجود نصوص تاريخية تناقش استخدام الكهرباء في مصر القديمة. فلو كانت المصابيح الكهربائية موجودة فعلاً لما اكتفى المصريون بتصويرها برسوماتهم فقط بل لكانوا كتبوا عنها كذلك.
أخيراً، تجدر الإشارة إلى أن علماء الآثار لم يعثروا على أي قطع أثرية كهربائية بما في ذلك المصابيح في آلاف المواقع القديمة في جميع أنحاء مصر. بمعنى آخر، لا يوجد دليل ملموس متاح حتى الآن يشير إلى أن قدماء المصريين قد سخروا قوة الإضاءة الكهربائية.
رداً على هذه الدلائل، زعم بعض مؤيدي فرضية ضوء دندرة أن الطقوس التي استخدمت فيها الأضواء الكهربائية كانت تجري في احتفالات سرية أقامها الكهنة القدامى في أوقات قريبة من احتفالات رأس السنة الجديدة أو الاحتفالات المتعلقة بالخلق. قد يعني ذلك أن القطع الأثرية نفسها كانت أيضاً سرية أو قد تم تدميرها بعد الانتهاء من الاحتفالات.
في حين أنه من الممكن أن تكون هناك بعض النقوش في معبد حتحور في دندرة مبهمة بالنسبة لنا ولا تزال تشكل لغزاً كبيراً، لكن لا يمكننا تجاهل النقوش الواضحة الأخرى التي تروي لنا الأساطير المصرية القديمة وتقدم لنا تفسيرات محتملة للنقوش الغامضة.
وبغض النظر عن المعنى الكامن وراء نقوش دندرة، فإنها بلا شك واحدة من المعالم الأساسية في مصر والتي تجذب السياح من جميع أنحاء العالم لمشاهدة تفاصيل هذا اللغز الذي لم يحل بعد.