بسببها أُجبرت فرنسا على منح الاستقلال لمستعمراتها.. “معركة ديان بيان فو”، أسوأ هزيمة تلقاها الجيش الفرنسي بعد الحرب العالمية الثانية

عربي بوست
تم النشر: 2023/07/12 الساعة 16:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/07/12 الساعة 16:50 بتوقيت غرينتش
معركة ديان بيان فو التي أذلت القوات الفرنسية في فيتنام/ ويكيبيديا

كانت معركة ديان بيان فو، التي دارت رحاها في الفترة ما بين 13 مارس/آذار و7 مايو/أيار 1954، انتصاراً عسكرياً فيتنامياً حاسماً، أنهى من خلالها الفيتناميون الحكم الاستعماري الفرنسي لبلدهم والمستمر لعقود طويلة، كما ساهم في إنهاء استعمار فرنسا لعدد كبير من الدول الإفريقية والآسيوية، وذلك بعد أن أشعلت ملحمة الفيتناميين شعلة الثورة في المستعمرات الفرنسية، الأمر الذي دفع فرنسا إلى منح الاستقلال تدريجياً لعدد كبيرٍ من مستعمراتها، من أجل الحفاظ على مستعمرات أكثر أهمية. 

كما كان لمعركة ديان بيان فو دروس عسكرية وتكتيكية مهمة، فقد كان استعمال الفيتناميين لحروب العصابات في هذه المعركة أسطورياً ومساهماً مباشراً في هزيمة الفرنسيين.

عندما أرادت فرنسا استرجاع نفوذٍ دامَ قرنين من الزمن

وفقاً لموقع history، يعود تاريخ الوجود الفرنسي في فيتنام إلى القرن الـ17، وذلك عندما وصل التجار الفرنسيون إلى البلد الآسيوي، ثم سرعان ما انضم إليهم في النهاية المبشرون المسيحيون الفرنسيون.

ومن أجل حمايتهم، بدأت الغارات العسكرية الفرنسية على فيتنام في عام 1858، وبحلول عام 1884، وبعد نهاية الحرب الصينية الفرنسية، أصبحت فيتنام ولاوس وكمبوديا مستعمراتٍ فرنسية تعرف باسم الهند الصينية الفرنسية.

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، سعت فرنسا لإعادة بسط سيطرتها على المنطقة، فقامت بإرسال قواتها إلى فيتنام من أجل استعادة نفوذها بالبلد.

لكن هذه المرة، قوبل الوجود العسكري الفرنسي في البلد بمعارضة قوية من حركة فيت مينه، وهي حركة شيوعية يقودها القومي الفيتنامي هوشي مينه والتي سعت إلى استقلال فيتنام، التي اختارت العمل المسلح لتحقيق هذا الهدف، فكانت تلك مقدمات الصدام العسكري الأعنف بعد الحرب العالمية الثانية.

بدأت فيت مينه القتال ضد الفرنسيين في عام 1946 فيما أصبح يُعرف باسم حرب الهند الصينية الأولى، مستخدمة في البداية تكتيكات حرب العصابات ثم أساليب الحرب التقليدية، حيث تلقت أسلحة ودعماً مالياً من الاتحاد السوفييتي والصين قادة المعسكر الشرقي واللذين كانا في صراع من فرنسا.

الجيش الفرنسي ينزل على وادي ديان بيان فو

في نوفمبر/تشرين الثاني 1953، قام الجيش الفرنسي بعملية إنزال كبيرة، وذلك بعد أن هبط الآلاف من المظليين الفرنسيين في وادي ديان بيان فو الواقع في المنطقة الجبلية الشمالية الغربية البعيدة من فيتنام بالقرب من الحدود اللاوسية، إذ يبعد هذا المكان نحو 300 كلم من العاصمة هانوي، تمهيداً لمعركة ديان بيان فو.

استولى المظليون الفرنسيون على مهبط طائرات صغير هناك وبدأوا في إنشاء معسكرٍ ضخم يضم سلسلة من الحاميات المحصنة على محيط 40 ميلاً حول المهبط.

عزّزت فرنسا من قواتها في المعسكر، بمضاعفة قواتها هناك إلى أكثر من 15 ألف جندي. في المقابل، كان لدى حركة فيت مينه الفيتنامية نحو 50 ألف مقاتل، يقودهم الجنرال فو نجوين جياب، وهو شيوعي متحمس يُعتبر أحد أعظم الاستراتيجيين العسكريين في القرن العشرين.

معركة ديان بيان فو
إستعمل الفيتناميون تقنيات عسكرية فريدة في معركة ديان بيان فو/ ويكيبيديا

بنزولها واحتلالها وادي ديان بيان فو، كان لدى فرنسا هدفان أساسيان، إذ سعت إلى إنشاء قاعدة عسكرية يمكن من خلالها مهاجمة خطوط الإمداد وشلّها إلى لاوس، كما أرادت استفزاز حركة فيت مينه وإجبارها على تنظيم هجوم مفتوح وحاشد، فقد كان الفرنسيون واثقين بالانتصار في مثل هذا النوع من الحروب.

في الحقيقة، كان تقدير القيادة الفرنسية لمدى قوة وعبقرية القائد الفيتنامي جياب خاطئاً، فقد استهان الفرنسيون بقيادة جياب وكذلك أسلحة وقدرات جيش فييت مينه.

وضع الفرنسيون خطتهم، عندما توقعوا الاعتماد على مهبط الطائرات لإعادة إمداد القاعدة الفرنسية، وذلك لظنهم أن حركة فيت مينه لا تمتلك أسلحة مضادة للطائرات.

كان جياب يراقب القوات الفرنسية في وادي ديان بيان فو من بعيد، ولمدة أربعة أشهر، لم يحاول جياب وقف التوغل الفرنسي، بل كان يحضّر لمفاجأته بعيداً عن الأنظار.

 قام جياب بنشر قواته عبر التلال شديدة الانحدار حتى حاصر جيشه وادي ديان بيان فو بشكل كلي وحاسم، كما حفرت قواته مواقع مدفعية محصنة بشكل جيد وفي مواقع مناسبة لاستهداف المعسكر الفرنسي بدقة.

"معركة ديان بيان فو".. أسوأ هزائم الجيش الفرنسي بعد الحرب العالمية

وفقاً لـoxfordbibliographies، فإنه في ليلة 13 مارس/آذار عام 1954،إنطلقت معركة ديان بيان فو، فقد بدأ جياب هجومه المكثف على القوات الفرنسية في ديان بيان فو، وسقطت آلاف القذائف على المعسكرات مستهدفةً نخب الجنود، ومدمرةً تحصيناتهم ومدفعيتهم.

وفي موجات عسكرية متتالية هاجمت قواتُ المشاة الفيتامية نقاطَ التحصين الفرنسية واحدة تلو أخرى، متجاهلين خسائرهم الهائلة، وخلال ساعات لم يعد العلم الفرنسي يرفرف فوق الحصن، وسحقت النقاط العسكرية الفرنسية بوابل من النيران، قبل أن يجتاحها طوفان بشري من المشاة، وانهارت استراتيجية الدفاع الفرنسية.

معركة ديان بيان فو
معركة ديان بيان فو، أسوء هزيمة للقوات الفرنسية بعد الحرب العالمية الثانية/ ويكيبيديا

وتحت غطاء نيران المدفعية التي لم يستطع الفرنسيون الصمود أمامها، تبنت قوات حركة فييت مينه استراتيجية حرب الخنادق التي استخدمت في الحرب العالمية الأولى، وهي الاستراتيجية التي سمحت للقوات الفرنسية بالتقدم بشكل كبيرٍ داخل الخطوط الفرنسية، وعزلت ما تبقى من الجنود الفرنسيين في المعركة.

كانت القوات الجوية الفرنسية التي أراد الفرنسيون الاعتماد عليها في معركة ديان بيان فو بدون فاعلية، فقد كان المهبط تحت سيطرة الفيتناميين، وأدى إسقاط الإمدادات بالمظلات إلى سقوطها في يد قوات فيت مينه، في حين أسقط الجيش الفيتنامي 62 طائرة خلال المعركة ودمّر 167 أخرى، وذلك بفضل الدعم الصيني السوفييتي بمضادات الطائرات.

ولمدة 56 يوماً، استمرت المعركة بالوتيرة نفسها والاتجاه نفسه، إلى أن دمر انفجار هائل تحت الأرض مركز القيادة الفرنسي، وفي يوم 7 مايو/أيار 1954، وعند الساعة الـ4:00 عصراً، أعلن الجنرال الفرنسي دكاسترو عبر جهاز الراديو أن العدو الفيتنامي على وشك اختراق الحصن المركزي، بعد ساعة ونصف كان الفيتناميون في قلب القاعدة العسكري الفرنسية في ديان بيان فو.

أجبرت فرنسا على الاستغناء عن عدد كبير من مستعمراتها

مع الصدمة التي خلَّفتها معركة ديان بيان فو على القوات الفرنسية، سعت الحكومة الفرنسية إلى إنهاء القتال، من خلال قبولها الجلوس على طاولة المفاوضات، إذ تم التفاوض على تسوية رسمية في مؤتمر دولي بجنيف، تم من خلالها إعلان استقلال فيتنام، وذلك بحسب دائرة المعارف البريطانية.

معركة ديان بيان فو
أجبرت معركة ديان بيان فو فرنسا على التفريط بمستعمراتها/ ويكيبيديا

أدى هذا الانتصار الفيتنامي المذهل إلى إشعال المستعمرات الفرنسية في العالم الثالث، فأشهر قليلة بعدها، اندلعت الثورة في الجزائر، وخوفاً من المعركة نفسها، قامت فرنسا بالاستغناء عن عديد من مستعمراتها، فمنحت الاستقلال لعدد كبير من الدول الإفريقية، ولعل أبرزها تونس والمغرب والسنغال وإفريقيا الوسطى.

كان للإحساس الفرنسي بالإذلال، خاصةً داخل الجيش، تداعيات دائمة على الرأي العام الفرنسي، وساهم إلى جانب الأحداث اللاحقة بالجزائر في سقوط الجمهورية الرابعة في عام 1958.

تحميل المزيد