منذ دخوله الجزائر سنة 1830، واجه الاحتلال الفرنسي مقاومة شرسة من الجزائريين، تصدّر تلك المقاومة شيوخ الطرق الصوفية وقادة الثورات الشعبية، ولعلّ أطول وأبرز مقاومة شعبية، واجهتها سلطات الاحتلال الفرنسي، كانت تلك التي جرت وقائعها في صحراء الجزائر الشاسعة، وهي مقاومة الشريف بوشوشة، التي امتدت لأكثر من 10 سنوات، وجعلت الجيش الفرنسي تائهاً في الصحراء، وذلك بعد أن استعمل بوشوشة خطط الأمير عبد القادر في مقاومته، الأمر الذي صعّب على الفرنسيين القضاء عليه.
من هو الشريف بوشوشة؟
هو محمد بن التومي بن إبراهيم الملقب بـ"بوشوشة"، وذلك لكفاءته في الفروسية، وُلد بمنطقة الغيشة بالقرب من آفلو سنة 1827م، غير أنّ أصوله تعود إلى منطقة الزيبان، حيث قضى بها فترة شبابه، حسبما ذهب إليه المؤرخ يحيى بوعزيز.
ينحدر بوشوشة من أسرة فقيرة ومحافظة، حفـظ القرآن في سن صغيرة، ومارس في صغره مهنة الرعي، مما جعله يتقن فن الفروسية ويتصف بالشجاعة، وكان والده مداحاً أو راوياً شعبياً في الأسواق والمجامع.
في شبابه، امتهن الشريف بوشوشة مهنة العلاج بالرقية الشرعية، واستعمل العلوم الروحانية للعلاجات المختلفة، مثل السحر والعين، مما جعله ينال شهرة واسعة في منطقة الزيبان، غير أنّ وصول المستعمر الفرنسي إلى تخوم الصحراء سنة 1856م، جعل بوشوشة يغادر الزيبان إلى مسقط رأسه بالأغواط، ويفكر في طريقة لمقاومة جيوش الاستعمار.
استعمل بوشوشة حجة التطبيب بالرقية الشرعية للتنقل بين القرى المنتشرة في شمال الصحراء من أجل التحضير لثورته، غير أنّ الاحتلال الفرنسي قام باعتقاله بتهمة إثارة الفوضى عن طريق الوعظ الديني، وبعد أن تدخل بعض الوجهاء أُطلق سراحه، فغادر إلى الحدود الغربية، وفي طريقه اعتُقل مرة ثانية بناحية الأبيض سيدي الشيخ خلال شهر أكتوبر 1862م، وحُكم عليه بالسجن لمدة سنة كاملة.
انضم إلى ثورة سيدي الشيخ ثم أعلن ثورته الخاصة
في سنة 1863 فرّ بوشوشة من السجن، وتوجّه إلى منطقة الفجيج على الحدود المغربية، حيث أقام هناك لمدة سنتين، ولما اندلعت ثورة أولاد سيدي الشيخ، انضم بوشوشة إلى تلك المقاومة وبقيادته مجموعةً من الفرسان الذين استقدمهم من متليلي الشعانبة، وهو في طريقه إلى الحدود الغربية.
وبعد فشل ثورة سيدي الشيخ، بدأ بوشوشة في التفكير ملياً في تفجير ثورة خاصة به ضد الفرنسيين، كانت هذه الثورة واحدة من أشرس المقاومات في الجنوب الجزائري، والتي امتدت لأكثر من 10 سنوات.
ويمكن تقسيم ثورة بوشوشة إلى 3 مراحل، المرحلة الأولى وهي مرحلة الإعداد والتحضير، والتي امتدت من 1863 إلى 1869.
فبعد انسحابه من ثورة أولاد سيدي الشيخ، توجه بوشوشة إلى أقصى الجنوب من أجل إعادة هيكلة جيشه، حيث انتقل إلى منطقة توات، ثم استقر في مدينة المنيعة، وهناك عرضت عليه قبائلها قيادة فرسانها ضد القوات الفرنسية، وذلك بحسب مقال أكاديمي بعنوان "مقاومة الشريف بوشوشة من خلال الكتابات الفرنسية".
ومن المنيعة انتقل بوشوشة إلى وادي سوف، ومنها إلى مدينة نفطة التونسية لجمع السلاح والمال لثورته، وهناك كان لدى بوشوشة تواصل مع الطريقة السنوسية؛ تأسياً بسلفه في المقاومة الشعبية الشريف محمد بن عبد الله، حيث أصبح بوشوشة تابعاً للطريقة السنوسية، والتي دعمته بالمال والسلاح، وحاز دعم الطرق الصوفية في الجنوب.
وحّد قبائل الصحراء ضد الاحتلال الفرنسي
كان بوشوشة يدرك أنّ السيطرة على الصحراء ومنع الاحتلال الفرنسي من التوغل بها، يحتاج إلى قاعدة بشرية غير عادية، فقد كانت الصحراء في ذلك الوقت تخضع إلى مقاتلي قبيلة الشعانبة المنتشرين في جميع أحراشها، والذين لهم دراية بطرق الصحراء ومتاهات فيافيها.
لذا توجه إلى مدينة متليلي الشعانبة من أجل كسب ولاء قبيلة الشعانبة، وبالفعل كسب بوشوشة ولاء هذه القبيلة التي صار مقاتلوها وفرسانها رأس حربة جيشه.
مع بداية شهر سبتمبر/أيلول 1869 بدأ بوشوشة توجيه ضرباته إلى السلطات الاستعمارية في عين صالح، مستهدفاً جنود الاحتلال وأعوانهم من العملاء.
وفقاً لمقال بحثي بعنوان: "أضواء على مقاومة الشريف بوشوشة 1863 – 1875"، ومن أبرز عملياته كانت سيطرته على مدينة المنيعة، التي كانت أهم منطقة عسكرية للاحتلال الفرنسي سنة 1870، حين توجه بجيشه إلى المدينة وحرّرها، كما سيطر على أهم المدن الصحراوية في المنطقة، مثل ورقلة وتقرت.
تزامن اندلاع ثورة بوشوشة مع انطلاق ثورة ثانية في الصحراء، وهي ثورة الناصر بن شهرة بالأغواط، الأمر الذي دفع بوشوشة إلى التحالف مع بن شهرة، وطرد المستعمر من مناطق واسعة في شمال الصحراء، وأمام ضربات مقاومتي بوشوشة وبن شهرة القاسية ضد الفرنسيين، استعمل الجيش الفرنسي أسلحة سامة للقضاء على هذه الثورة.
استعمل خطط الأمير عبد القادر في إدارة ثورته
كانت التكتيكات العسكرية للشريف بوشوشة مقتبسةً من مقاومة الأمير عبد القادر، فقد شرع بوشوشة في كسب ولاء الطرق الصوفية تماماً مثلما فعل عبد القادر الجزائري، كما أخذ منه فكرة توحيد القبائل الصحراوية، وفكرة القيام بصنع زمالة متنقلة حسب الظروف.
بدأت ثورة بوشوشة في الأفول مع قدوم الجنرال الفرنسي دوُلاكروَا إلى ورقلة يوم 5 يناير/كانون الثاني 1872م، الذي قام بضرب القاعدة الخلفية لهذه المقاومة، وذلك باستهداف المدن والقرى الداعمة لها وحرقها والتنكيل بأهلها، وحصار بوشوشة في الشعاب.
وفي إحدى المرات، سقط بوشوشة وجيشه في فخ الجيش الفرنسي، فأحرقت زمالته واستُشهد الكثير من عناصر جيشه، وبعد ذلك الهجوم، تشتت شمل الشريف بوشوشة، فانقسمت قواته التي لجأ كلّ فردٍ منها إلى قبيلته، بينما بقي بوشوشة وحيداً برفقة عددٍ قليل من أتباعه. مع ذلك لم يستسلم بوشوشة وواصل القتال، إلى أن ألقي القبض عليه سنة 1875، وحُكم عليه بالإعدام،الذي نفذ في حقه يوم 29 يونيو 1875م.