شكلت دول الجوار قاعدةً خلفيةً للثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي، والتي اندلعت في 1 نوفمبر/تشرين الثاني 1954 واستمرت سبع سنوات ونصف، فقد كان الإمداد العسكري واللوجستي للثوار الجزائريين يمرّ عبر الحدود الشرقية والغربية للجزائر، الأمر الذي زاد من لهيب الثورة، وضاعف شدتها.
وأمام فشل السلطات الفرنسية في وضع حدٍّ لنشاط المجاهدين الجزائريين، لجأ الضباط الفرنسيون إلى مخططاتٍ كبرى لإفشال الثورة الجزائرية، ومن ذلك خط شال وموريس الذي أرادت من خلاله السلطات العسكرية الفرنسية خنق الثورة الجزائرية، فقد راهنت الإدارة الفرنسية على خط شال وموريس، بشكل أساسي للقضاء على نشاط الثورة بالولايات الحدودية، وذلك بتجفيف كافة مصادر التمويل والاتصال لجبهة التحرير الوطني في الداخل والخارج
أسندت عملية تخطيط وتطوير السد الشائك والمكهرب الذي يشق الحدود الجزائرية الشرقية والغربية إلى المكتب الثاني للقطاع العسكري العاشر، الذي سخّر كل اإمكانياته للقضاء على الثورة، من خلال إنجاز أسلاك شائكة ومكهربة، مدعمة بقنابل متنوعة، إضافة إلى مراكز مراقبة مجهزة بمختلف الأسلحة والكشافات الضوئية، وأجهزة الإنذار على طول الحدود مع تونس والمغرب.
موريس.. أراد عزل الجزائر عن تونس والمغرب
أجبر الضغط الثوري المتصاعد الاستعمارَ الفرنسي على اعتماد أساليب غاية في الوحشية من أجل إلحاق الهزيمة بالثوار الجزائريين، ورأت فرنسا في الحدود الغربية والشرقية الشريانَ الذي يمدّ هذه الثورة بالحياة، ومن الواجب قطعه.
وبعد سنتين من اندلاع الثورة، بدأ التخطيط الفعلي لخنق الثورة التحريرية، وذلك من خلال مخطط قاده الضابط الفرنسي أندري موريس وزير الدفاع في حكومة بورجيس مونوري الفرنسية، والذي اقترح إنشاء خطٍّ كهربائي لعزل الثورة الجزائرية عن تونس.
فقام موريس مع نهاية عام 1956م وبداية 1957م باقتراح مشروعٍ لإقامة خط مكهرب يفصل الجزائر عن تونس والمغرب، وقد صادق البرلمان الفرنسي على المشروع.
انطلقت عملية إنشاء السلك الشائك المكهرب في أغسطس/آب 1956م، وامتد من الجهة الشرقية على مسافة 320 كلم جنوباً، انطلاقاً من شاطئ مدينة عنابة وغاص في الجنوب الشرقي مع الحدود الجزائرية الليبية.
وعلى الحدود الغربية امتد "خط موريس" من مدينة تلمسان إلى جنوب بشار على مسافة 700 كلم، ويتراوح عرضه بين 6 و25 متراً بارتفاع مترين، وتكوّن من شبكة أسلاك كهربائية وصلت قوتها إلى 12000 فولت، كما زُوّد بشبكة إنذار وحقل ألغام يحوي نحو 50 ألف لغم.
"شال.. سيّج حدود الجزائر مع تونس بسلكٍ مكهرب
بعد أن استلم ديغول الحكم على أثر الانقلاب الذي وقع في 12 مايو/أيار 1958 بالجزائر، أحدث الرئيس الفرنسي تغيرات جذرية في القيادة العسكرية الفرنسية بالجزائر، بمقتضاها عيّن ديغول في ديسمبر/كانون الأوّل 1958، الضابط الفرنسي شال قائداً عاماً للقوات الفرنسية بالجزائر، وألزم القيادة الجديدة بضرورة إنهاء ثورة الجزائريين، وذلك بحسب كتاب "تاريخ الجزائر المعاصر".
وفي سبيل ذلك، حمل الضابط الفرنسي شال مشروعاً عسكرياً ضخماً يحمل اسمه، أراد من خلاله استكمال مشروع سلفه موريس، وذلك عبر التركيز على الحدود الجزائرية الشرقية، من خلال إنجاز سلكٍ مكهربٍ وشائك لحماية الدبابات من نيران وقذائف جيش التحرير الجزائري، وبجواره حقل ألغام مضيئة وألغام مضادة للجماعات، ويتراوح عرضه بين 12 و400 متر.
كما بلغت قوة ضغط هذا الخط 30 ألف فولت، وبلغ ارتفاعه نحو مترين تغطيهما أسلاك شائكة لحماية الدبابات من القذائف كما سلف ذكره.
فتح شال وموريس جبهة الصحراء لتزويد الثورة بالسلاح
بحسب مذكرة أكاديمية بعنوان "خط شال وموريس وتأثيرهما على الثورة الجزائرية"، فعلى الرغم من وحشية وبشاعة الخطين اللذين كانا يحصدان كلّ من أراد المرور من الحدود الشرقية والغربية إلى الجزائر خصوصاً من الأطفال والمدنيين، فإن الثوار الجزائريين تحدوا هذا المخطط حتى أفشلوه، فقد كان المقاومون يخرّبونه ليلاً، الأمر الذي جعل الجيش الفرنسي يعيد كلّ يومٍ بناء ما خُرّب، وزاد من تكلفة المشروع.
كما تحوّل إمداد الثورة الجزائرية إلى جهة الجنوب والصحراء، والتي تتميز بكونها منطقة واسعة ومفتوحة، حيث فتح الثوار الجزائريون تلك الجبهة ضد الفرنسيين من أجل تهريب السلاح والمؤن إلى الداخل الجزائري، وهي المعركة التي انتصر فيها الجزائريون.