قد يبدو السرطان وكأنه مرضٌ حديث العهد، لكن الواقع يؤكد أن هذا المرض الخبيث قد أصاب البشر على مدى قرون عديدة، حتى لو لم يُطلق الاسم عليه حينها، ولم تُشخّص أعراضه إلا في العصر الحديث.
وما يثير الدهشة بالفعل أن الباحثين والعلماء اكتشفوا مجموعة من الرفات البشرية التي تشير إلى وجود مرض السرطان، والتي تعود إلى عصور ما قبل العصر الحجري، وما قبل التاريخ أيضاً.
لكن ما هي أول إصابة بمرض السرطان مسجلة في التاريخ؟ ومتى كانت المرة الأولى التي أُشير فيها بوضوح إلى هذا المرض، في نصوص طبية؟
تاريخ مرض السرطان
يأتي أقدم دليل على إصابة الإنسان بمرض السرطان من رفات واحد من الأقارب القدامى للجنس البشري، والذي عاش منذ حوالي 1.7 مليون عام، وتُشير الدلائل إلى أن هذا الفرد عاش مصاباً بورمٍ خبيث في عظمة إصبع قدمه اليسرى.
ويرجح علماء الآثار أن هذا الفرد ينتمي إما إلى نوع "الإنسان الموازي"، أو إلى نوع "إنسان عامل"، بعدما اكتشفوا بقايا هيكله العظمي داخل كهف سوارتكرانس، ويقع هذا الكهف في جنوب إفريقيا ويضم رواسب من الحجر الجيري، يُطلق عليه غالباً اسم "مهد البشرية"، لكونه موطناً لأكبر مجموعة من البقايا البشرية في العالم.
و"إنسان عامل" (Homo Ergaster) هو نوع منقرض شبيه بالإنسان، وقد عاش في مناطق شرق وجنوب القارة الإفريقية، قبل 1.9 مليون سنة.
أما "الإنسان الموازي" (Paranthropus Robustus) فيُعتقد أنه جاء من بعد الإنسان العامل، وكان يتميز بأسنانٍ خدية ضخمة جداً، منحت أفراد هذا النوع وجهاً واسعاً على شكل طبق.
وبحسب دراسة أُجريت عام 2016، عندما قارن الباحثون التصوير المقطعي المحوسب لحفرية عظمة إصبع القدم مع صور إصابات حديثة بـ"الساركوما العظمية"- وهو ورم سرطاني ينشأ في العظام- اكتشفوا على الفور الشكل الواضح للساركوما العظمية، الذي يشبه القرنبيط.
تعتبر الساركوما العظمية حالياً واحدة من أكثر سرطانات العظام شيوعاً بين البشر، وقد تحدث في أي عمر، لكنها تظهر بشكلٍ متكرر عند الأطفال والمراهقين والشباب الذين لا يزالون في مرحلة النمو.
ومع ذلك، يُعتقد أن الإنسان البدائي الذي عُثر على رفاته كان بالغاً، رغم أن عمره المحدد لا يزال غير معروف حتى اللحظة.
وفي حديث إلى موقع Live Science، يُشير بروس روتشيلد (عالم آثار أمريكي) إلى أنه ليس مستغرباً أن تكون أقدم إصابة بمرض السرطان في العظام، مؤكداً أن "العظام هي واحدة من الأنسجة القليلة القادرة على البقاء في السجل الأحفوري".
أول سجل مكتوب عن السرطان
رغم أن عظمة إصبع القدم، البالغ عمرها 1.7 مليون عام، هي أقدم إصابة معروفة بمرض السرطان في "أشباه البشر"، وهي مجموعة من الجنس البشري يُعتبر أن الإنسان المعاصر أحد أنواعها، فإن أول سجل مكتوب عن مرض السرطان لم يظهر إلا بعد ذلك بكثير.
ففي العام 3 آلاف قبل الميلاد، كتب إمحوتب- عالم رياضيات وطبيب ومهندس مصري قديم- ما بات يُعرف اليوم باسم "بردية إدوين سميث"، وهي نص طبي يعرض العديد من الإصابات الجسدية والعمليات الجراحية.
ويشرح النص 48 من هذه البردية حالة طبية بالتفصيل، تُشير إلى الإصابة بسرطان الثدي. كُتب هذا النص باللغة الهيراطيقية المصرية القديمة، وتُرجم لاحقاً إلى نص إنجليزي مكوّن من مجلدين، على يد عالم الآثار الأمريكي جيمس هنري برستد.
وفي النص، وصف إمحوتب خصائص أنواع مختلفة من الأورام، من ضمنها "الأورام الشحمية" و"الأورام الصلبة".
ووفقاً لكتاب "The Emperor of All Maladies: A Biography of Cancer"، تضمّن نص إمحوتب أيضاً توصيفاً دقيقاً لسرطان الثدي، حين وصفه بأنه "كتلة صلبة منتفخة في الثدي تنتشر تحت الجلد".
وفي حين يقدم إمحوتب عدداً من العلاجات لحالات طبية متنوعة، واردة جميعها في النص، لكنه كتب تحت عنوان "علاج ورم الثدي" أنه لا يوجد له علاج. ومع ذلك، فقد ذكر أفضل الممارسات لتحجيم أنواع أخرى من الأورام.
ووفقاً لدراسة أُجريت عام 2016 ونشرت في دورية "The Journal Cancer"، لا تقدم "بردية سميث" لمحةً عن كيفية ممارسة المصريين القدماء للطب الجراحي قبل آلاف السنين فحسب، ويمكن القول إنهم كانوا من أوائل الجراحين في العالم، لكنها تقدم أيضاً بعضاً من أقدم الأدلة المسجلة على تشخيص مرض السرطان.
لم يتضح بعد كيف تطورت حالات مرض السرطان في عصور ما قبل التاريخ، لكن علماء اليوم- وعلى غرار أسلافهم البشر- ما زالوا يحاولون اكتشاف أسباب العديد من أنواع مرض السرطان، وأفضل سبل علاجها.