لا شكَّ في أنَّ كثيراً من الناس يعلمون أنّ ماكدونالدز المعروفة بوجباتها السريعة، عبارة عن إمبراطورية عقارية تختبئ تحت ستار سلسلة المطاعم، وأن جامعتي هارفارد وستانفورد عبارة عن صناديق تحوطية أكثر من كونهما جامعات مرموقة، ولكن هل كنت تعلم أن "ستاربكس" بنك ولكن بشكل غير رسمي؟
كيف تحول "ستاربكس" من سلسلة مقاهٍ إلى بنك؟
منذ تأسيسها عام 1971، تمكنت شركة ستاربكس من زيادة حصتها في السوق بشكل كبير من خلال جذب مجموعة واسعة من المستهلكين وتوفير تجربة أكثر انسجاماً مع أسلوب حياة العميل، إضافة إلى الأسعار التنافسية.
هوارد شولتز، الرئيس التنفيذي لشركة ستاربكس، والذي يُعتبر أحد أنجح رجال الأعمال في العالم، قرر ترك مكانه ليصبح رئيس مجلس الإدارة في عام 2000، وعيّن مكانه شخصاً يُدعى أورين سميث كرئيس تنفيذي.
عندما غادر هوارد شولتز منصبه، كان لديه نحو 3000 متجر سواء في الولايات المتحدة الأمريكية، أو في دول العالم الأخرى، ليضع أورين سميث مساراً جديداً للشركة لضمان نموها بشكل أسرع.
من عام 2000 إلى عام 2007، قاد سميث سلسلة القهوة إلى تحقيق نمو كبير، إذ افتتحت الشركة سنوياً نحو 1500 فرع جديد، وفي عام 2007 حققت أفضل مبيعات لها على الإطلاق، من خلال بيع 6 مليارات كوب في عام واحد.
على مر السنين أصبحت "ستاربكس" اسماً مألوفاً وجزءاً من الثقافة الأمريكية، ونمت لدرجة أنها أدت إلى ظاهرة تسمى "تأثير الفرابتشينو".
وتأثير الفرابتشينو هو ظاهرة أدت إلى ارتفاع أسعار العقارات بشكل كبير عندما يكون مقهى ستاربكس قريباً من العقار، وقد لوحظت هذه الظاهرة في العديد من المدن حول العالم.
ووفقاً لما ذكره موقع Usurumarthi محلل الخدمات الاستشارية العقارية، فإنّ سعر العقار في الولايات المتحدة على سبيل المثال يبلغ 137 ألف دولار في حال كان قريباً من مقهى ستاربكس، بينما سيكلف 102 ألف دولار في حال لم يكن هناك "ستاربكس" قريب.
وبالمثل، بلغت نسبة تقدير العقارات القريبة من "ستاربكس" 96%، بينما بلغت النسبة 65% كموقع عادي.
الأزمة الاقتصادية في 2008 وتأثيرها على "ستاربكس"
ووفقاً لما ذكره موقع Medium الأمريكي، فإن هذا النمو السريع الذي حققه أورين سميث، لم يحدث بدون مشاكل، إذ إن إدارته كانت تعطي الأولوية للأرباح على حساب جودة المنتج وتجربة العملاء، الأمر الذي قلل من وفاء المستهلكين تجاه مشروبهم الذي كان مفضلاً في يوم من الأيام.
ولذلك كان لانهيار سوق الأسهم في عام 2008 تأثير سلبي على سعر سهم "ستاربكس" بسبب الركود، فبدأت "ستاربكس" بخسارة ملايين الدولارات، وأخذت تغلق كثيراً من المحال التي افتتحتها.
أكثر من مجرد سلسلة بيع قهوة!
بعد سنوات من الركود والخسائر التي قلل من فداحتها هوارد شولتز بعد عودته إلى منصبه السابق، قررت "ستاربكس" أخيراً الاستعانة بأول مسؤول تقني في تاريخ شركتها، إذ تعاقدت مع المدير التنفيذي السابق لشركة Adobe Systems Inc، جيري مارتن-فليكينجر، لقيادة فريقها التكنولوجي.
وبالفعل لم يخيب مارتن-فليكينجر آمال "ستاربكس"، وكانت أول إنجازاته إطلاق بطاقة "ولاء ستاربكس" على شكل تطبيق إلكتروني يحمّل على الهواتف الذكية.
ووفقاً لما ذكره موقع ScroogeMarketer، فإن نسبة 30% من مبيعات "ستاربكس" تتم من خلال هذا التطبيق الذي أطلق لأول مرة في عام 2015.
ولكن ما علاقة هذا التطبيق بتحويل "ستاربكس" إلى بنك
"ستاربكس" لم تقُل صراحةً قط عن أي خطط لتصبح بنكاً، ولكن هذا التطبيق الذي عمل على تغيير الطريقة التي يدفع بها المستهلكون مقابل القهوة، جعل "ستاربكس" تستفيد من أموال عملائها كما لو أنها بنك نظامي.
ويعمل هذا التطبيق من خلال استراتيجية سهلة جداً، وهي أن كل شخص يمتلك في تطبيقه محفظة خاصة به، تستخدم هذه المحفظة لشراء ما تريده من أي مقهى لـ"ستاربكس" في البلد الذي حملت به التطبيق.
على سبيل المثال، بدلاً من أن تدفع بشكل نقدي عند شراء كوب قهوتك، وبدلاً من أن تستخدم بطاقتك البنكية، بات بإمكانك تحويل مبلغ من المال إلى محفظتك في "ستاربكس" واستخدامها في أي وقت تريد.
ولتضمن "ستاربكس" قيام عملائها بتلك الخطوة، أضافت لهم بعض المغريات والمكافآت، على سبيل المثال "نقاط نجوم" يحصل مستخدم هذا التطبيق على عدد منها عند كل عملية شراء، وبعد تجميع عدد معين منها، سيربح كوباً من القهوة مجانياً.
تطبيق ستاربكس في تركيا يتيح للعملاء الحصول على كوب من القهوة بقيمة 15 ليرة تركية، عند قيام أي شخص بتنزيل التطبيق وإنشاء حساب لأول مرّة، وتعبئته بقيمة 75 ليرة تركية.
إضافة إلى ذلك، سيحصل العميل الذي يجمع "15 نجمة" من خلال عمليات الشراء، على كوب مجاني من القهوة.
أما تطبيق ستاربكس في دولة الإمارات العربية المتحدة، فسيحصل العميل على 4 نقاط نجوم عند كل عملية شراء بقيمة 10 دراهم، وكل 250 نقطة ستمنح صاحبها مشروباً مجانياً.
وعند وصول العميل إلى 750 نقطة، سيتم منحه "العضوية الذهبية"، ومن ميزاتها أن صاحبها يحصل على مشروب مجاني في عيد ميلاده، إضافة لعروض ومزايا حصرية مصممة خصوصاً له.
رصيد عملاء "ستاربكس" تجاوز رصيد عملاء كثير من البنوك الأمريكية
هذه الطريقة الذكية جعلت الناس يحتفظون ببعض أموالهم في حسابات "ستاربكس"، مع العلم أنهم قد يستخدمونها خلال يوم واحد، أو خلال عدة أيام، أو هناك بعض الناس الذين يضعون مبلغاً مخصصاً لمشروبات "ستاربكس" كل شهر.
ووفقاً لموقع MarketWatch المتخصص بالمال والأعمال، فإنّ البيانات التي تم جمعها أكدت أنّه في نهاية عام 2017 كان لدى "ستاربكس" نحو مليار و200 مليون دولار في رصيد عملائهم على التطبيق، وهذا أعلى من الودائع التي يحتفظ بها العملاء في بنك "Green Dot" نحو 780 مليون دولار.
مع نهاية عام 2019، بلغ رصيد العملاء في حسابات ستاربكس 1.5 مليار دولار، وعلى الرغم من أن هذا المبلغ ليس كبيراً، فإنه يمثل مبلغاً كبيراً عندما تعرف أنّ أكثر من 3900 بنك ومصرف في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية وكندا لديها أصول أقل من مليار دولار واحد.
وبهذه الفكرة العبقرية، حققت "ستاربكس" كثيراً من الأموال من خلال العملاء الذين قدموا عن غير قصد لسلسلة القهوة قرضاً بقيمة 1.5 مليار دولار، بفائدة 0%. من أجل كسب أرباح مجانية، يمكن لـ"ستاربكس" استثمار تلك الأموال في السوق أو إنفاقها على التوسع في أسواق جديدة.
وهناك في الواقع أكثر مما يبدو عليه، إذ تشير التقديرات إلى أن 10% من هذه الأموال سوف تُنسى أو تضيع ولن يتم استخدامها أبداً، يشار إليها باسم الكسر.
وتُظهر بعض التقارير أنه في السنوات المالية 2017 و2018 و2019، حققت "ستاربكس" 125 مليون دولار و155.9 مليون دولار و104.6 مليون دولار من دخل الكسر.
"ستاربكس" لم تذكر بشكل مباشر قط، أنها قد تصبح مصرفاً في يوم من الأيام، لكن عندما تفكر في مدى جودة أداء الشركة مع برنامج البطاقة المدفوعة مسبقاً وتطبيق الهاتف المحمول الخاص بها، فإن فكرة أن تصبح بنكاً رسمياً في يوم من الأيام لن تكون فكرة سيئة.
وأخيراً فإنّ الشركات الكبيرة لا تتطلع إلى تحقيق الربح فقط؛ إنها تتطلع أيضاً إلى تغيير طريقة تفاعل المستهلكين مع خدماتها المالية، إذا دخلت "ستاربكس" رسمياً في مجال الخدمات المصرفية، فسيكون عالم البنوك مختلفاً تماماً في المستقبل، سيؤثر هذا بشكل كبير على المشهد المالي، وسيكون من المثير للاهتمام أن نرى كيف تغير سلسلة القهوة هذه الخدمات المصرفية للبنوك والمؤسسات المالية الأخرى.