كانت نانا أسماء بودي عالمة مرموقة من قبائل الهوسا والفولاني، الأكثر انتشاراً على مستوى القارة الإفريقية، وعلاوة على كونها شاعرة ومعلمة وفقيهة ومتصوفة، استطاعت تلك المرأة في القرن التاسع عشر أن تصبح منارة للعلم لكل من الرجال والنساء على حدٍّ سواء، خلال فترة خلافة سوكوتو في إمبراطورية غرب إفريقيا، التي أصبحت فيما بعد جزءاً من شمال نيجيريا.
من هي نانا أسماء بودي
وُلدت نانا أسماء عام 1793، وهي ابنة عثمان دان فوديو، الصوفي الفيلسوف والمصلح الثوري ومؤسس خلافة سوكوتو على المذهب المالكي في دولة إسلامية جديدة هي إمبراطورية الفولاني، الواقعة فيما يُعرف الآن بشمال نيجيريا.
التحقت نانا أسماء بالمدرسة في سن الخامسة، وكانت تقع في مجمع كبير بناه والدها، وهو ما لم يكن شائعاً بين الفتيات في تلك الفترة.
بحلول التاسع أتمّت أسماء حفظ القرآن الكريم، وبعدها أبحرت في دراسة العلوم الإسلامية والشعر والأدب وغيرها، على يد أفضل الأساتذة والمعلمين الذين جلبهم لها والدها خصيصاً.
كانت صفات والدها ونشاطاته العلمية والدعوية الإسلامية هي التي شكلت أسماء، فأصبحت متعلمة جيدة في علوم العالم العربي والعالمي، وأصبحت على دراية جيدة بأربع لغات هي العربية، ولغة الفولا، ولغة الهوسا، ولغة التماشيك الطوارق.
وتميزت علمياً وثقافياً وكانت مطلعة على مختلف المجالات، من بينها الطب والمعارف العسكرية والفقه الإسلامي والتوحيد وغيرها، حتى أصبحت تتمتع بسمعة عامة، باعتبارها باحثة وعالمة وفقيهة وشاعرة مميزة في أكثر الدول الإسلامية نفوذاً بإفريقيا في ذلك الوقت، حتى باتت تُعرف باسم "الخنساء".
ومع بلوغها سن الأربعين، عُيّنت أسماء في منصب "عور غري" أي رئيسة اتحاد النساء عام 1832، كما أسست أكبر منظمة نسوية تضم نخبة سيدات خلافة سوكوتو لخدمة الدين وقضايا المرأة المتنوعة، ولا تزال هذه المؤسسة نشطة حتى اليوم.
نظام تعليم متخصص لسيدات المناطق الريفية
وفي واحد من أكثر إنجازاتها إثارة للإعجاب هو قيامها بتطوير أسلوب تعليمي كامل يسمح للأشخاص الأميين بتعلم المعارف الدينية الأساسية كحجر أساس.
النظام الذي أسمته يان تارو (الزملاء أو التلاميذ باللغة المحلية) لا تزال أجزاء من نيجيريا تستخدمه حتى اليوم في المدارس والتعليم، حيث شمل مجموعات من المعلمات النساء اللاتي كنّ يسافرن إلى المناطق الريفية لتحسين تعليم نساء الهوسا، وهو ما كان سابقاً لأوانه بقرون طويلة عندما تم تطبيقه لأول مرة في حوالي عام 1830.
وكانت هذه المجموعات من المعلمات يسافرن لجميع أنحاء الخلافة لتعليم الإناث في منازلهن، واستخدمن كتابات نانا أسماء وعلماء صوفيين آخرين كمصادر علمية لتدريس الفتيات من خلال فن الاستذكار والشعر المقفّى.
ونتيجة للتأثير الواسع لهذا النظام التعليمي الجديد والمبتكر، أصبحت معلمات نانا أسماء رموزاً للدولة الجديدة والنظام الجديد وللتعليم الإسلامي حتى خارج المجتمع النسائي.
واعتبرت نانا أسماء أن كل مشاكل المجتمع في ذلك الوقت كان من الممكن مكافحتها من خلال تثقيف وتعليم السيدات، باعتبارهن صاحبات الفضل في إدارة وتشكيل المجتمع.
واعتقدت أن المجتمع لديه فرصة أفضل بكثير للقضاء على عيوبه، إذا تم تعليم المرأة مفاهيم الأخلاق والدين والعدالة، لذا حرصت على تدريبهن على المساهمة بفكرهم ومهاراتهم كأعضاء منتجين ومساهمين على قدم المساواة في المجتمع.
وقد حرصت على تعليم النساء بعض الحرف اليدوية والصناعات البسيطة لتمكينهن من تحسين مستوى معيشتهن والإنفاق على أسرهن، في وقت كان يعاني فيه الرجال من تفشي البطالة وقلة الموارد بسبب شيوع الحروب الأهلية بين القبائل في تلك الفترة، الأمر الذي أحدث ثورة نسائية كبيرة في البلاد.
استخدام الشعر في تثقيف المجتمع
استخدمت نانا أسماء موهبتها أيضاً كشاعرة لتثقيف الجمهور ونقل رسالتها إلى المجتمع. كتبت العديد من القصائد التي تروي كفاح والدها من أجل شعب الهوسا، ودعت لعيش حياة غنية بمعايير العدالة والسلام.
وبالمثل، تطرقت العديد من أشعارها وكتاباتها إلى ضرورة تمكين نساء الهوسا من ظروفهن والعمل على تحسين فرصهن في الحياة ومنحهن فرصة التحكُّم في مصائرهن ومستقبلهن.
وعلى مدار حياتها كتبت نانا أسماء قرابة 60 عملاً أدبياً ودينياً وعلمياً مختلفاً، بجانب مجموعة كبيرة من القصائد الشعرية بعدد من اللغات، علاوة على بعض الروايات التاريخية والكتابات الوعظية التي لا تزال تُستخدم حتى اليوم كأدوات لتعليم المبادئ الأساسية للقيم والأخلاق للباحثات عن التعلم في نيجيريا ودول غرب إفريقيا.
وبحلول العام 1807، تزوجت نانا أسماء من الوزير الأعظم لخلافة سوكوتو، العلامة عثمان قطاطو بن ليم، الذي كان يُعد أحد أكبر علماء عصره، وأنجبت منه 5 أبناء، أصبحوا لاحقاً من العلماء المشاهير في زمانهم. حتى تولى نجلها عبدالقادر الوزارة خلفاً لأبيه، وبرع الآخرون في الفقه وعلوم الشريعة ولهم العديد من المؤلفات.
أثر ممتد حتى بعد وفاتها
لم يتوقف نشاط نانا أسماء على الكتابات فقط، فقد كانت تزور النساء في المجتمع دورياً، وتستمع إلى قضاياهن، وتساعد على حل النزاعات، وتشجع على الالتزام بالمعايير الأخلاقية والدينية للنساء والرجال على حدٍّ سواء.
فلم يكن النظام التعليمي الذي أطلقته، ودعمته بكتاباتها وأشعارها، متعلقاً فقط بتعليم المرأة، ولكنه قدّم أيضاً شبكة للنساء لضمان عيشهن في مجتمع سويّ وآمن لهن ولأطفالهن.
ولكون نانا أسماء من المبتكرين والمؤثرين الرئيسيين في تعليم النساء لمجتمع الهوسا الفولاني المسلم في إفريقيا، لا يزال نظام المعلمات المسافرات، وعلاقة المرشد بالتلميذ التي ابتكرتها كوسيلة لتطوير المجتمع، نشطة بكفاءة بعد أكثر من 150 عاماً على وفاتها في العام 1864 عن عُمر يناهز 70 عاماً تقريباً.