بعد أسابيع من وفاة إيزابيل بيدرو، جاسوسة الموساد الإسرائيلية، عن عمر يناهز 89 عاماً، تداولت الصحف العبرية تفاصيل حياتها المثيرة للاهتمام، والتي لامست بشكل خاص نشاطاتها في الشرق الأوسط.
حيث تم توجيه الجاسوسة للعمل على الأراضي المصرية في فترة حساسة من تاريخ مصر، وذلك قبل اندلاع حرب النكسة في 1967.
الجاسوسة الإسرائيلية ودورها في مصر
هي إيزابيل أو إيزابيل بيدرو، وُلدت عام 1934 في دولة الأوروغواي بأمريكا الشمالية خلال استقرار أسرتها هناك، وكان والدها من مؤسسي مستوطنة "جفعات هشلوشة". درست في طفولتها الهندسة والرسم، ثم بعد نضجها بدأت تنشط ضمن الحركة الصهيونية هناك.
وبحسب ما جاء في صحيفة "هآارتس" الإسرائيلية، ذكرت إيزابيل أنها التقت في عاصمة الأوروغواي بوزيرة خارجية إسرائيل، حينئذ، غولدا مائير، خلال نشاط للحركة الصهيونية، وحينها طلبت منها الأخيرة العودة إلى إسرائيل، قائلة لها "نحن في حاجة إليك هناك".
وفعلاً هاجرت عام 1961 إلى إسرائيل ودرست العبرية، وجرى تدريبها قبل أن تسافر إلى مصر في فترة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وهناك قضت سنتين تتجسس على المسؤولين المصريين، قبل أن تعود إلى تل أبيب مجدداً قبل حربها مع مصر بعامين، وذلك في العام 1965.
وخلال عامين، اشتهرت بيدرو بمهمتها السرية في مصر، حيث عملت تحت ستار دراسة الآثار والاهتمام بالتاريخ المصري القديم كمبرر للتخفي والعمل بسرية في تجميع المعلومات ونقلها إلى إسرائيل.
كان دورها هو "اختراق مصر، ومراقبة أي زاوية عسكرية محتمَلة، والاستماع إلى ما تقوله النخب السياسية المختلفة، وتكوين العلاقات التي تمكنها من تحصيل المعلومات"، وذلك مع الحفاظ على سرية هويتها.
وبحسب الصحيفة، التقت إيزابيل مع عميل الموساد إسحاق شامير، الذي أصبح فيما بعد رئيس وزراء إسرائيل، حيث تم ترتيب سفر بيدرو إلى مصر، وهناك اندمجت في المجتمع المصري الراقي.
المعلومات التي نقلتها بحسب رواية الموساد
ووفقاً للموساد، حصلت بيدرو على تأشيرة دخول إلى مصر بعد أن أبلغت السلطات أنها مهتمة بدراسة علم الآثار هناك. وفي غضون وقت قصير، اندمجت في المجتمع المصري الراقي، وأصبحت مصدراً للمعلومات.
ووفقاً لما ورد في الصحف العبرية، فقد تمكنت الجاسوسة الإسرائيلية من نقل معلومات حول نقل الجيش المصري لشحنات أسلحة إلى السودان على متن القطارات، وحول تحركات العسكريين السوفييتين على الأراضي المصرية.
كانت مهمة بيدرو هي المراقبة والإبلاغ عن أي أحداث وتحركات عسكرية غير عادية في مصر. إذ كلفها إسحاق شامير بهذه المهمة، وكانا يلتقيان في المطاعم والنوادي الليلية بعدما أخبرها شامير ذات مرة أن هذه هي أفضل الأماكن للاجتماعات السرية.
كما قامت بيدرو بتتبع السفن الحربية المصرية في ميناء الإسكندرية، وزارت المنطقة التي تم بناء السد العالي على نهر النيل في أسوان فيها، ونقلت معلومات حول المشروع الذي يلعب دوراً حيوياً في أمن الغذاء والطاقة في البلاد لإسرائيل، وفقاً للرواية الإسرائيلية
وباستخدام شفرة مورس مخبأة في حقيبة خشبية مزدوجة القاع وجهاز راديو مُثبّت على الموجات القصيرة، تواصلت بيدرو مع الموساد ونقلت المعلومات التي جمعتها إلى الأشخاص الذين يتعاملون معها، كما سلمتها خلال اجتماعات عقدتها خارج مصر.
هل كانت الجاسوسة دمية في يد المخابرات المصرية؟
وبالرغم من الرواية الإسرائيلية للجاسوسة الشابة، فإن مدة عملها وخدمتها القصيرة تثير الكثير من الشكوك حول مدى صحة المعلومات المتداولة.
فبحسب ما ورد في موقع روسيا اليوم في نسخته العربية، أبحرت إيزابيل على متن سفينة رحلات بالقرب من موقع بناء السد، وزعمت أنها تقربت من الضابط الرئيسي المسؤول عن السفينة.
وقالت إنه "روى لها الكثير عن تاريخ السد الذي بسبب الحاجة إلى بنائه بات من الضروري إنقاذ معبد أبو سمبل، الذي نُحت في قلب جبل ضخم في عهد رمسيس الثاني".
وكانت هذه فرصتها الذهبية لكي تتصنع دور المهندسة المعمارية المهتمة بالآثار والعلاقة بين الماضي والحاضر، وفي هذه اللحظة قالت إنه أطلعها على ملفات تشمل الخرائط التفصيلية للسد الجديد، بما في ذلك أساساته في أعماق نهر النيل.
ووفقاً للموقع الروسي، فقد كانت إيزابيل في حقيقة الأمر تحت سيطرة كاملة من المخابرات المصرية، التي كانت قد شددت من مراقبتها لكل الأجانب القادمين إلى مصر في فترة الستينيات. خاصةً بعد اغتيالات العلماء الألمان الذين ساعدوا مصر في تلك الفترة على تطوير برنامج الصواريخ في عهد جمال عبد الناصر، والتي تأكد لاحقاً أن الموساد يقف وراءها.
ولهذا قامت المخابرات المصرية باستغلال إيزابيل بيدرو لتمرير العديد من المعلومات المغلوطة، من أجل تضليل الاستخبارات الإسرائيلية في العديد من الملفات، ومن بينها تمرير الخرائط "المزورة" للسد العالي.
وبعد أقل من 3 سنوات فقط، اكتشف الموساد أنه تعرض للخداع بعد تأكيد عدم صحة التقارير التي كانت ترسلها إيزابيل. إذ يُعتقد أن هذا تحديداً كان سبب مسارعة الموساد إلى سحب إيزابيل من مصر عام 1965.
وبحسب روسيا اليوم، فقد تم إخضاعها لسلسلة جلسات استجواب بسبب الاعتقاد أنه قد تم تجنيدها من المخابرات المصرية.
تأكيداً لرواية تلاعب المخابرات بالجاسوسة المزعومة، شكك اللواء سامح سيف اليزل، وكيل المخابرات العامة المصرية الأسبق، في حديثه لصحيفة اليوم السابع المصرية، قصة نجاح الجاسوسة إيزابيل بيدرو، التي روّجتها مذكرات رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق شامير لـ"تحسين صورته".
وقال في لقاء صحفي للجريدة المصرية، يعود لعام 2010، إن الإعلان عن مثل تلك المزاعم ما هو إلا محاولة إعلامية لتعزيز صورة نجاح الاحتلال المزعوم في اختراق الاستخبارات العربية.
ويرى اليزل أن إسرائيل تريد من خلال الجاسوسة المزعومة أن "تبني نجاحاً وهمياً على حساب مصر، لزرع الثقة في أتباعهم".