منصب يتولاه الملوك منذ عهد هنري الثامن.. لماذا يطلق على تشارلز الثالث لقب “حارس العقيدة والحاكم الأعلى للكنيسة”؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/05/08 الساعة 20:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/05/08 الساعة 20:46 بتوقيت غرينتش
رويترز/ الملك تشارلز الثالث

على الرغم من انفصال إنجلترا منذ زمن طويل عن الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، فإن الملوك الإنجليز لم يقطعوا علاقتهم بالكنيسة بل العكس، فمنذ أن حدثت تلك القطيعة بات الملك هو "الحاكم الأعلى للكنيسة في إنجلترا". ومنذ القرن الخامس عشر وحتى يومنا هذا، لا يزال يطلق على الملك لقب "حارس العقيدة"، وهو لقب حمله الملك تشارلز الثالث بعد انتهاء مراسم تتويجه في السادس من مايو/أيار عام 2023. 

الملكية البريطانية والكنيسة 

تأسست العلاقة بين الملك وكنيسة إنجلترا من خلال سلسلة من القوانين البرلمانية في ثلاثينيات القرن الخامس عشر.

بدأت القصة عندما انفصل هنري الثامن عن الكنيسة الرومانية الكاثوليكية وأنكر السلطة البابوية، وأعلن نفسه رئيساً أعلى للكنيسة بدلاً من البابا عام 1534.

لم يكتفِ هنري الثامن بذلك، بل منع الكنيسة من إصدار أي قوانين دون موافقة الملك، وعلى الرغم من أن البابا كليمنت أصدر حينها حكماً بالحرمان الكنسي ضد هنري الثامن فإن الملك لم يأبه وقطع العلاقات الدبلوماسية بين روما وإنجلترا، ومرر قانوناً يؤكد أن بريطانيا ليست خاضعة لسلطة بعد الله إلا للملك، وأن التاج الملكي الإنجليزي قد تعرض للإهانة بطريق غير مبررة ومتعنتة، وبشكل ابتزازي من قبل البابا.

ومنذ ذلك الحين بات الملك يشغل أيضاً منصب "الحاكم الأعلى للكنيسة"، كما أنه يلقب أيضاً بـ"حارس العقيدة"، وهو لقب منحه بابا الكنيسة الكاثوليكية ليو العاشر للملك هنري الثامن عام 1521 قبل أن تحدث القطيعة بين الكنيسة الرومانية الكاثوليكية والملك. وبقي الملوك من بعد هنري الثامن يحملون هذا اللقب حتى بعد انفصال كنيسة إنجلترا عن الكنيسة الكاثوليكية في القرن السادس عشر.

ويتولى الملك -كونه الحاكم الأعلى للكنيسة- عدداً من المهام، من ضمنها تعيين الأساقفة بناءً على مشورة من رجال الدين ورجال السياسة في الدولة، إذ يقسم الأساقفة بعد التعيين يمين الولاء للملك ولا يجوز لهم الاستقالة بدون إذن ملكي. وتعتبر إنجلترا الدولةَ الوحيدة التي لا يزال فيها الأساقفة الأنجليكان يعيَّنون من قبل سلطة سياسية.

ومن الجدير بالذكر أن القانون في بريطانيا يمنع تتويج أو توريث العرش لأي شخص غير بروتستانتي. وبحسب قانون التسوية الصادر عن البرلمان الإنجليزي عام 1701، تحصر ولاية التاج بالبروتستانت أتباع المذهب الأنغليكاني. وحتى العام 2013 كان القانون يحظر توريث الأشخاص المتزوجين من كاثوليك.

ShutterStock\ <strong>الملكية البريطانية والكنيسة </strong>
ShutterStock\ الملكية البريطانية والكنيسة 

علاقة الملك تشارلز بالكنيسة 

شغلت الملكة إليزابيث الثانية طوال الأعوام السبعين من حكمها، منصب الحاكم الأعلى لكنيسة إنجلترا . وبعد أن تولى تشارلز الثالث العرش فقد ورث هذه المسؤولية عن والدته الراحلة، وبات الحارس الجديد للعقيدة. لكن هذا لا يعني أن الملك تشارلز الثالث سيعمل مستشاراً دينياً للكنيسة إنما يعني أنه سيتحمل مسؤولية الحكم "كمسيحي". 

مع ذلك، فإن الملك تشارلز الثالث لطالما صوَّر نفسه على أنه حامٍ لكل المعتقدات، وليس حارس العقيدة المسيحية فقط، لا سيما مع تنوع المجتمع البريطاني وتزايد عدد معتنقي الديانات الأخرى، إضافة إلى زيادة عدد الأشخاص الذين يصنفون أنفسهم على أنهم لا ينتمون لأي ديانة. فحسب الإحصاءات الرسمية، وتبعاً لآخر تعداد للسكان في إنجلترا وويلز لعام 2021، فإن أقل من نصف السكان، نحو 46.2%، يعرّفون عن أنفسهم كمسيحيين، في حين أن 37.2% منهم قالوا إنهم لا يعتنقون أي ديانة،

وقد سبق أن صرح تشارلز في التسعينيات بأنه عند اعتلائه العرش كوريث لوالدته، لن يكون "حارس العقيدة" فحسب، بل "حامياً لكل المعتقدات"، وهو أمر أثار الجدل حينها كما أثار الشكوك بأن تشارلز سيتخلى عن منصب الحاكم الأعلى للكنيسة عند تولي العرش، لكنه لم يفعل ذلك في الواقع. 

وعلى الرغم من حضور الطقوس الدينية خلال حفل التتويج، فإن الحفل شهد أيضاً مشاركة ممثلين عن مختلف الأديان، الأمر الذي فسره المحللون بأنه رغبة في احتضان كافة العقائد والشعائر التي يعتنقها البريطانيون. 

Shutterstock\ <strong>الملكية البريطانية والكنيسة</strong>
Shutterstock\ الملكية البريطانية والكنيسة

طقوس ديينة خلال حفل التتويج 

عند تتويج أي ملك من ملوك بريطانيا سيقسم الملك على تجديد العهود مع الكنيسة والتي تصفه بأنه "كائن بأمر الله وحارس للعقيدة". 

ومن الجدير بالذكر أن الملكية البريطانية هي الوحيدة في أوروبا التي لا تزال تتوج الملك باحتفال ديني، وهذا ما حدث بالفعل عند تتويج الملك تشارلز الثالث  في كاتدرائية وستمنستر يوم 6 مايو/أيار 2023 بقيادة رئيس أساقفة كانتربري، جوستين ويلبي

ولم يخلُ حفل التتويج من الطقوس الدينية وضمن ذلك مسح الملك بزيت زيتون من القدس، وهي عادة مارسها الملوك منذ القرن الثاني عشر، وتعود لأسطورة شعبية تقول إن مريم العذراء قد ظهرت للقديس توما الكانتربري ومنحته قارورة زيت على شكل نسر ذهبي، لمسح ملوك إنجلترا.

وقد تم عصر هذا الزيت الذي استخدم في مراسم التتويج من أشجار جبل الزيتون في القدس، وقدّس خلال مراسم خاصة شهدتها كنيسة القيامة، بحضور بطريرك القدس ثيوفيلوس الثالث والأسقف الأنغليكاني في القدس حسام نعوم.

تحميل المزيد