كان مغرماً بالمفكرين المسلمين.. روجر بيكون الفيلسوف والراهب الذي نبذته الكنيسة

عربي بوست
تم النشر: 2023/05/05 الساعة 18:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/05/05 الساعة 18:13 بتوقيت غرينتش
روجر بيكون

من سوء حظ روجر بيكون أنه عاش في العصور الوسطى، في وقت لم يحظَ فيه المفكرون والفلاسفة بالتقدير اللازم، بل على العكس تم التضييق عليهم بسبب أفكارهم وأبحاثهم التي اعتبرتها الكنيسة مجرد "بدع". 

تحدّت مساهمات بيكون في العلوم والفلسفة واللاهوت واللغويات طرق التفكير التقليدية، ومهدت الطريق لأفكار جديدة، وكان بيكون من المدافعين عن أهمية إرساء مبادئ البحث العلمي الحديث وإعمال العقل بدلاً من اتباع الخرافات. كذلك ساهمت أعمال بيكون في الرياضيات وعلم الفلك والبصريات في وضع حجر أساس للعديد من العلوم الحديثة. 

روجر بيكون.. حياة الفيلسوف المتمرد

لا يعرف على وجه التحديد تاريخ ولادة الفيلسوف المتمرد روجر بيكون، لكن يخبرنا المؤرخون أن نجمه لمع في إنجلترا في أوائل القرن الثالث عشر. 

يعتقد أن عائلة بيكون كانت ثرية نسبياً، وهو أمر أتاح له الدراسة في جامعة أكسفورد المرموقة في شبابه. وبعد حصوله على درجة الماجستير، توجه بيكون ليصبح مدرساً في إحدى الجامعات في باريس. 

خلال فترة وجوده هناك، حاضر بيكون في قواعد اللغة اللاتينية  والفلسفة، والحساب والهندسة، بالإضافة إلى علم الفلك وحتى الموسيقى. 

ومكث بيكون في جامعة باريس حوالي 10 سنوات، ليتركها في حوالي عام 1247، حيث أصبح باحثاً خاصاً بعد ذلك. 

وفي هذه الفترة أمضى بيكون معظم وقته في دراسة الأعمال اليونانية والعربية القديمة في البصريات، ثم كرّس المزيد والمزيد من وقته للدراسات الدينية، وأصبح راهباً في الرهبنة الفرنسيسكانية بين عامي 1256 و1257. لكن سرعان ما أصبحت الرهبنة مشكلة بالنسبة لهذا الفيلسوف. 

روجر بيكون \ويكيميديا
روجر بيكون \ويكيميديا

السجن بعد وفاة البابا كليمنت

بعد عام 1260، تم وضع قانون يمنع المنتسبين إلى الكنيسة من نشر الأبحاث دون الحصول على موافقة مسبقة، وكانت تلك مشكلة بالنسبة لبيكون، الذي اعتُبرت أبحاثه في كثير من الأحيان "بدعاً". 

قرر بيكون بعد ذلك العودة إلى الحياة الأكاديمية، وراح يبحث عن رعاة يمولون عودته إلى أكسفورد. وفي عام 1266 حصل أخيراً على ما أراد، عندما تكلف البابا كليمنت الرابع بدراسته.

 كان البابا كليمنت منفتحاً نسبياً، ولكنه كان يخشى أن تتأثر مكانته بدعمه لبيكون، لذلك طلب منه أن يبقي مسألة الدعم تلك سرية. 

لسوء حظ بيكون، بعد عام فقط توفي كليمنت، تاركاً بيكون دون كفيل أو حامٍ.

بعد وفاة البابا كليمنت، توجّهت الأنظار إلى بيكون صاحب الأبحاث الثورية التي لا ترضي الكنيسة، فتم سجنه -أو وضعه تحت الإقامة الجبرية- لمدة عامين.

بعد انقضاء فترة عقوبته عاش بيكون حياة هادئة ركز فيها على أبحاثه أكثر، إذ عاد إلى منزل الفرنسيسكان في أكسفورد في وقت ما بعد عام 1278، ويعتقد أنه قضى بقية حياته هناك.

ويُعتقد أنه مات في وقت ما بين 1294-1295 عن عمر يناهز 70 عاماً. 

لكن ما هي طبيعة الأبحاث التي قدمها بيكون والتي كانت تعتبر إشكالية في زمانه؟ 

روجر بيكون \ويكيميديا
روجر بيكون \ويكيميديا

Opus Majus أعظم أعمال بيكون 

يمكن القول إن كتاب Opus Majus هو أعظم أعماله. يحتوي الكتاب على أفكاره حول الرياضيات والبصريات والكيمياء وعلم الفلك، بما في ذلك النظريات المبتكرة حول مواقع وأحجام الأجرام السماوية. 

لم يقصد بيكون أبداً أن يكون Opus Majus عملاً كاملاً. بدلاً من ذلك، كان من المفترض أن يسلط الضوء على المجالات التي يعتقد أن المنح الدراسية المعاصرة تفتقر إليها، والعمل كمقترح لإصلاح المناهج الجامعية في العصور الوسطى.

 آمن بيكون بمواضيع جديدة وثورية في زمانه مثل المنظور (البصريات) وعلم الفلك والأوزان (الميكانيكا) والكيمياء؛ وباعتقاده كانت الزراعة والطب والعلوم التجريبية و"فلسفة العلم" ضرورية لتوجيه الجيل القادم من الأكاديميين. 

كما انتقد في هذا الكتاب آراء بعض الأكادميين والفلاسفة المعاصرين له، وبالمقابل عبر عن إعجابه الشديد بالمفكرين الإسلاميين.

أبرز أعمال بيكون 

العمل على البصريات

كان بيكون مفتوناً بمجال البصريات ودراسة الضوء وخصائصه. اعتقد بيكون أن الضوء يتكون من جسيمات صغيرة تنتقل في خطوط مستقيمة وتتفاعل مع الأشياء الموجودة في مساراتها. ولاحظ أنه عندما يمر الضوء عبر وسائط ذات كثافة مختلفة (مثل الماء أو الزجاج)، فإنه يغير اتجاهه، أو "ينكسر". وأشار إلى أن هذا يحدث بسبب تغير سرعة الضوء أثناء مروره عبر وسائط مختلفة، ما يتسبب في تغيير الاتجاه. ومن الجدير بالذكر أن بيكون قد كان سابقاً لزمانه في هذه التحليلات. 

كذلك درس بيكون خصائص العدسات والمرايا، وطوّر نظرية "الانحراف الكروي" التي توضح كيف يؤثر منحنى العدسة على جودة الصورة التي تنتجها. 

البارود

يُعتقد أن كتابين من كتب بيكون، وهما Opus Majus وOpus Tertium، يحتويان على أول أوصاف كتبها مفكرون أوربيون حول البارود. ومن المحتمل أنه تعلم عن البارود من خلال اتصاله بالعلماء الصينيين، الذين كانوا يستخدمون البارود لعدة قرون لأغراض متعددة، منها العمليات العسكرية. 

الكيمياء

كانت الكيمياء، ودراسة تحويل المعادن، والبحث عن إكسير عالمي يمكنه علاج الأمراض وإطالة العمر، من أحد المجالات المفضلة للبحث لدى بيكون الذي كانت له مساهمات واضحة في تطوير الكيمياء الحديثة.

اللسانيات كطريق إلى الحقيقة

كانت دراسة علم اللغات جانباً مهماً من اهتمامات روجر بيكون، فقد كان يعتبرها بمثابة طريق للسعي وراء الحقيقة. يعتقد بيكون أن اللغة كانت أداة حاسمة للتعبير عن الأفكار ونقل المعرفة، وكان مهتماً بفهم بنية ووظيفة اللغة.

كانت إحدى مساهمات بيكون الأساسية في دراسة علم اللغة هي تركيزه على القواعد، وأعرب عن اعتقاده بأن الفهم الشامل لقواعد النحو ضروري للتواصل الفعال ولتفسير النصوص. كان بيكون مهتماً بشكل خاص بدراسة اللغة اللاتينية، التي كانت لغة العلم والكنيسة خلال عصره. 

كتب بيكون العديد من الأعمال حول قواعد اللغة اللاتينية، بما في ذلك أطروحة حول قواعد النحو اللاتيني، وعمل على التمييز بين أجزاء مختلفة من الكلام.

وقد أكسبه عمله في علم اللغة أيضاً عدداً لا بأس به من الأعداء داخل الكنيسة، فقد أوضح بيكون في أعماله كيف استغلت الكنيسة أتباعها الأميين لتضليلهم، وذلك من خلال المراوغة والتلاعب بترجمة الكلمات ودلالاتها. 

تحميل المزيد