يتمسكون بعروبتهم رغم تجاهل طلب انضمامهم للجامعة العربية.. “تشاد” دولة إفريقية تنطق بلغة “الضاد”

عربي بوست
تم النشر: 2023/05/04 الساعة 20:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/05/04 الساعة 20:17 بتوقيت غرينتش
Shutter Stock/ العرب في تشاد

ويزكو التآخي مع الشرق فينا.. ذوو الضاد هم قومنا والقبيلُ

إذا عُدَّ من يصطفيهم عميلاً.. فإني إذاً دون شكٍّ عميلُ

وإيثارهم ليس أمراً محالاً.. ودادي فرنسا هو المستحيلُ

هي أبياتٌ من الشعر كتبها الشاعر التشادي عيسى عبدالله، يُظهر فيها اعتزازه وفخره بانتمائه العربي في بلده تشاد، التي يجهل كثيرون أن نسبة كبيرة من سكانها ذوو أصول عربية.

وعلى الرغم من أن اللغة العربية هي إحدى لغاتها الرسمية، وعلى الرغم من أن عادات شعبها وتقاليدهم تتشابه بشكل كبير مع عادات العرب وتقاليدهم، بل إن كثيراً منهم ينحدرون من أصول عربية أيضاً، فإن دولة تشاد لا تصنف من الدول العربية.

ماذا تعرف عن العرب في تشاد؟ كيف وصلوا إليها، وإلى أي القبائل ينتمي شعبها، ولماذا ترفض جامعة الدول العربية ضمها؟

Shutter Stock/ العرب في تشاد
Shutter Stock/ العرب في تشاد

العرب في تشاد.. أين تقع هذه الدولة وما عدد سكانها؟

تعتبر جمهورية تشاد إحدى الدول التي ليس لديها أي حدود بحرية، تقع في وسط إفريقيا، وتحدها 6 دول، اثنتان منها دول عربية، إذ تحدها من الشمال ليبيا والسودان، ومن الشرق جمهورية إفريقيا الوسطى، ومن الغرب النيجر، ومن الجنوب كل من الكاميرون ونيجيريا.

فيما تعتبر تشاد خامسَ أكبر دولة في قارة إفريقيا من حيث المساحة، التي تبلغ مليوناً و284 ألف كيلومتر مربع، بينما يبلغ عدد سكانها 18 مليوناً و190 ألفاً، وفقاً للوحة المعلومات السكانية العالمية التابعة للأمم المتحدة.

أما نسبة السكان المسلمين في هذه الدولة الإفريقية فهي 55%، مقابل 40% من المسيحيين، أما باقي الـ5% فهم يتبعون ديانات أخرى.

يجهلها كثيرون رغم أصالة تاريخها.. تشاد من مهد البشرية إلى الإمبراطوريات الإفريقية المسلمة

المنطقة المعروفة الآن باسم تشاد كانت موطناً لما يقدر بنحو 200 مجموعة عرقية ونحو 110 لغات، وقد شكَّل هذا التنوع تاريخ تشاد.

يجادل البعض بأن تشاد أحد عدة مواقع محتملة لمهد الجنس البشري في إفريقيا، لا سيما مع اكتشاف أسلاف شبيهة بالجمجمة يبلغ عمرها من 6 إلى 7 ملايين سنة، والمعروفة الآن باسم جمجمة Sahelanthropus Tchadensis.

تشير التقديرات إلى حدوث استيطان بشري حديث بالمنطقة في آخر 10 آلاف عام، ومن المفترض أن المنطقة في عام 7000 قبل الميلاد لم تكن قاحلة كما هي اليوم، لذلك كانت تحتوي على استيطان بشري دائم، إذ عاش الناس حول شواطئ البحيرات في شمال الحوض الأوسط للصحراء.

وبعد عام 3000 قبل الميلاد، تم إنشاء أول طريق للتجارة عبر الصحراء عبر تشاد، ومن ذلك الوقت تقريباً، يمكننا أن نرى آثار واحدة من أولى المجموعات المميزة البارزة من السكان الذين عاشوا في تشاد، وهم شعب "ساو" الذين يشتهرون بمدنهم المحصنة، قبل أن يقوم شعب "كانيمبو" بإبادتهم والسيطرة على المنطقة.

Shutter Stock/ المنطقة المعروفة الآن باسم تشاد كانت موطناً لما يقدر بنحو 200 مجموعة عرقية ونحو 110 لغات، وقد شكَّل هذا التنوع تاريخ تشاد.
Shutter Stock/ المنطقة المعروفة الآن باسم تشاد كانت موطناً لما يقدر بنحو 200 مجموعة عرقية ونحو 110 لغات، وقد شكَّل هذا التنوع تاريخ تشاد.

عقبة بن نافع أول من أدخل الإسلام إلى تشاد، والأمازيغ ساهموا بنشره

ووفقاً لمصادر تاريخية، فإن القائد المسلم عقبة بن نافع، الملقب بـ"فاتح إفريقيا"، هو أول من أدخل الإسلام إلى تشاد في القرن السابع الميلادي، وإن أحفاد الفاتحين لا يزالون حتى يومنا هذا، يعيشون بمنطقة بحيرة تشاد في وسط غربي البلاد.

أما وفقاً لما ذكره موقع تاريخ جنوب إفريقيا "South African History"، فإن الأمازيغ من شمال إفريقيا، والتجار الذين وصلوا من غرب إفريقيا، ساهموا في القرن الـ11 الميلادي، في انتشار الإسلام بتشاد، التي كانت تُعرف حينها باسم "مملكة كانيمبو" أو كما يطلق عليها اسم مملكة "كانم".

ويضيف الموقع، أنه وبمساعدة الأمازيغ والتجار تمّ تبنّي الإسلام بسرعة كبيرة من قبل العديد من مسؤولي البلاط والنبلاء، والذين قاموا بتوحيد الفصائل المناهضة للسلالة الحاكمة التي تسمى باسم "سلالة دوغوا".

وبالفعل استطاع المسؤولون الإطاحة بسلالة دوغوا، وقاموا بتغيير اسم المملكة إلى "مملكة سيفوا" ذات الحكم الإسلامي، والتي لم تصمد طويلاً قبل أن يسيطر شعب "بولالا" على المملكة بعد نحو 200 عام، ويهجّر شعب "سيفوا".

وبالفعل، توجه شعب "سيفوا" غرباً لتأسيس ولاية بورنو بحلول منتصف القرن الثالث عشر الميلادي، قبل أن يعودوا ويطردوا "شعب بولالا مجدداً" ويتحدوا مع شعب كانيمبو لتأسيس "إمبراطورية كانم-بورنو المُسلمة" التي بلغت ذروتها تحت حكم الملك إدريس ألوما في القرن السابع عشر، وكانت الإمبراطورية في تلك المرحلة تتلقى الجزية من ممالك وادي دارفور البعيدة.

وفي تلك الفترة الزمنية نفسها وبالشرق من مملكة كانم، كانت تقع مملكة "باجرمي" المسلمة أيضاً والتي تشكلت من سكان كانوا من قبلُ قبائل متفرقة من مملكة "كانيمبو".

إضافة إلى "مملكة ودّاي" التي أُسست في القرن الـ14 شرق بحيرة تشاد تحت قيادة السلطان الأول عبد الكريم الذي أطاح بشعب التنجر الحاكم في المنطقة، والتي تقع أيضاً بالشرق من مملكة "باجرمي".

وبالتالي فإن الممالك المسلمة الثلاث "كانم، باجرمي، ودّاي" هي أساس دولة تشاد الحالية قبل احتلالها من قبل الاستعمار الفرنسي في عام 1902.

Shutter Stock/ أكثر من 200 قبيلة في تشاد اختارت اللغة العربية للتواصل
Shutter Stock/ أكثر من 200 قبيلة في تشاد اختارت اللغة العربية للتواصل

سيطرة رابح بن الزبير فضل الله على الممالك الـ3 وتأسيسه مملكة جديدة في تشاد

خلال الفترة ما بين عامي 1880 و1900، فرّ الأمير السوداني رابح بن الزبير فضل الله رفقة جزء صغير من جيشه، من بلاده بعد معارك مرهقة ضد الاحتلال الإنجليزي، واتجه جنوباً نحو تشاد لبدء حياة جديدة هناك.

وبالفعل وخلال فترة قصيرة، استطاع الأمير السوداني السيطرة على جزء كبير من المنطقة، فقد هاجم ملك ودّاي وسيطر على مملكته، وبقي فيها حتى عام 1893 حتى اطمأن لشؤون مملكته، فتحرك نحو الشمال لإتمام هدفه الكبير حتى بلغ حدود باجرمي، التي كانت تحت حكم السلطان جورانج، حتى بلغ رابح حدودها عام 1893.

كما استطاع رابح أن يضم مملكة كانم بأطرافها الواسعة إلى مملكته، وبعدما استقر فيها اتجه إلى جنوب بحيرة تشاد ليفتح مدينة دكوة، التي اتخذها عاصمةً لحكمه، وقام بتعميرها حتى شهدت عصراً زاهياً وأصبحت المدينةَ الأولى في وسط إفريقيا، فقد نشطت التجارة واستتب الأمن وانجذب إليها جميع سكان وسط إفريقيا.

الاستعمار الفرنسي لتشاد

في عام 1895، عندما كان رابح في أوج مجده، جاءه إيميل جنتيل، المبعوث الفرنسي المختار من الحكومة الفرنسية، وافداً يرتاد مناطق نهر شاري وبحيرة تشاد، ويمهد تلك المناطق لتقع تحت النفوذ الفرنسي.

وفي عام 1899 أطلق الفرنسيون حملة عسكرية من أجل دخول تشاد، وكانت معركة كونو أولى المعارك بين الفرنسيين وقوات رابح بن الزبير، والتي وصفها المبعوث الفرنسي جنتيل بعد ذلك بأنها من أفظع المعارك التي خاضوها على الإطلاق؛ فقد كبدهم رابح وجيشه خسائر كبيرة.

أدرك الفرنسيون أنه من المستحيل أن تستطيع حملة واحدة أن تخلصهم من رابح، لذلك أصدرت الأوامر للقوات الفرنسية بالسودان الوسطى للتقدم صوب بحيرة تشاد؛ للانضمام إلى حملة جنتيل، في الوقت الذي كانت فيه حملة أخرى- سميت بالحملة الصحراوية- تتقدم من الجزائر بقيادة ضابط فرنسي يدعى لامي؛ للمشاركة في الغرض نفسه، وهكذا اجتمعت ضد رابح حملات ثلاث.

وفي صباح يوم 22 أبريل/نيسان 1900، استطاعت القوات الفرنسية مهاجمة معسكر رابح وقتله وإعلان احتلال تشاد بشكل رسمي، والتي بقوا فيها حتى عام 1960.

هل العرب أقلية في تشاد؟

من جهته يقول الكاتب التشادي سعيد أبكر أحمد، مؤلف كتاب "تشاد جوهرة عربية في إفريقيا"، في لقاء مع "بودكاست الجزيرة"، إن هناك معلومات مغلوطة تتحدث عن أن العرب أقلية في تشاد، ولكن الحقيقة هي أن أكبر قبيلة من حيث التعداد السكاني هي "قبيلة العرب"، وهذا ما لا يعرفه كثيرون.

وأضاف: "العرب في تشاد يتوزعون من أقصى الشرق من منطقة عرابة، وحتى العاصمة إنجامينا".

وتابع: "العرب والمسلمون في تشاد يتحدثون العربية، أو بالأحرى لهجة (الدارجة التشادية)، وهي لهجة قريبة جداً من السودانية، ولكنها تحتوي على بعض الكلمات الفرنسية".

كما أكد الكاتب التشادي أبكر أحمد، أنه على الرغم من أن الاحتلال الفرنسي لتشاد كان قصيراً نسبياً، فإنه كان احتلالاً ثقافياً بشكل أساسي، لاسيما عندما ارتكبوا مجزرة "الكبكب" في عام 1917 وقتلوا فيها 400 عالم مسلم باستخدام "السواطير"، لأنهم كانوا يؤسسون الشريعة الإسلامية في تشاد.

وأوضح أن تشاد لديها لغتان رسميتان هما الفرنسية والعربية، مبيناً أنّ الفرنسية هي فقط لغة إدارية في المؤسسات الحكومية، ولكن لا يتم التحدث بها في الشارع ولم تستطع اختراق المجتمع الذي يتحدث العربية، لافتاً إلى أن أكثر من 200 قبيلة في البلاد اختارت اللغة العربية للتواصل.

ما هي القبائل العربية التي تعيش في تشاد؟

ووفقاً لما ذكره موقع "العربي الجديد"، فإنه يمكن تقسيم عرب تشاد إلى قسمين:

الأول: عرب أصليون.

الثاني: مجموعات قريبة من العرب من القبائل التي فقدت لغتها العربية وثقافتها وأصبحت إفريقية.

وأوضح الروائي والكاتب التشادي آدم يوسف، أن شمال تشاد يختلف عن الجنوب، إذ كلما توجهت للجنوب كانت اللغة العربية أقل فصاحة.

 أما بالنسبة للقسم الأول وهم العرب الأصليون، فينقسمون إلى مجموعتين أيضاً:

الأولى: قبائل الحساونة

وهي القبائل التي جاءت إلى منطقة بحيرة تشاد عن طريق شمال إفريقيا خلال القرنين التاسع والعاشر الميلاديين، وتضم تلك القبائل:

  • عرب الأصعالي
  • أولاد سرار
  • أولاد علي
  • الدقنة
  • أولاد محارب
  • بني وائل
  • بني عامر
  • العلوان

المجموعة الثانية: قبائل جهينة

وهي القبائل التي جاءت إلى تشاد عن طريق السودان خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين، وتضم تلك المجموعة عدداً كبيراً من القبائل، أكبرها:

  • أولاد راشد
  • الحيماد
  • الحريكة
  • السلامات
  • الجعاتني
  • خزام
  • بني هلبة
وأضاف آدم يوسف، أنه لا يوجد إحصاء دقيق لعدد العرب في تشاد، بسبب الصراع مع الفرانكفونيين، إذ يميل العرب إلى تضخيم أعدادهم، بينما يسعى الفرانكفونيون

 الفرانكفونيون

يشير مصطلح "الفرانكفونية" إلى الناس الذين يشتركون في لغة شائعة فيما بينهم، وهي: اللغة الفرنسية.

ومفهوم "الناطقون بالفرنسية" (الفرانكفونيون) يتخطى تعريف القاموس "للمتحدثين باللغة الفرنسية" ووصفه لهم، حيث أصبح المصطلح يشير بشكل عام إلى أشخاص يتمتعون بخلفية ثقافية ومرتبطين أساساً مع اللغة الفرنسية، بغض النظر عن الاختلافات العرقية والجغرافية فيما بين هؤلاء الأشخاص أو الشعوب، ويطلقون على أنفسهم ألقاباً مثل شخص فرانكفوني أو جماعة أو دولة فرانكفونية إلخ…).

يُقدَّر عدد الناطقين بالفرنسية بأكثر من 321 مليون شخص بخمس قارات في العالم.

للتقليل من شأنهم وتهميشهم.

في حين تذكر مصادر أخرى أسماء بعض قبائل العرب التي وصلت إلى تشاد في أوائل القرن الرابع عشر، ونذكر منها:

  • قريش
  • قيس
  • حمير
  • لخم
  • جذام
  • الدقنة
  • العسلة
  • جذاع
  • هوارة
  • المحاميد

تقدُّم تشاد لعضوية الجامعة العربية

في عام 2010، وخلال القمة العربية التي جرت بمدينة سرت الليبية، اتخذت القمة قراراً بالتباحث مع الحكومة التشادية حول انضمامها للجامعة، لاسيما أنًّ أمينها العام الأسبق عمرو موسى، كان حينها قد فتح باب الانضمام للدول التي تعتبر فيها اللغة العربية لغة رسمية مثل دولة تشاد، ولكن تلك  المحادثات لم تثمر شيئاً.

وفي عام 2007، كان الرئيس التشادي السابق إدريس ديبي، أول رئيس من خارج الدول الأعضاء يزور القمة، ولكن المحادثات اقتصرت فقط على الرؤية العربية للأوضاع الحدودية بين تشاد والسودان في ظل أزمة دارفور حينها.

وفي مارس/آذار 2014، تقدمت تشاد بطلب رسمي لجامعة الدول العربية من أجل الانضمام إليها، ولكن حتى الآن لم يتم اتخاذ قرار بهذا الخصوص.

ويرى مراقبون أن عدم انضمام تشاد إلى الجامعة العربية أسهم في تطبيع علاقاتها مع الاحتلال الإسرائيلي، بعد أن ظلّت العلاقة بينهما منقطعة منذ عام 1972.

تحميل المزيد