للوهلة الأولى، تبدو حياة فولان ديفي شبيهة بتلك القصص الأسطورية التي نشاهدها في الأفلام الهندية، البعيدة عن الواقع. وإلى جانب كونها صاخبة، فهي مليئة بالأحداث والمغامرات التي يصعب تصديقها.
عرفت الظلم بسنٍّ مبكرة، عندما أُجبرت على الزواج من رجلٍ ثلاثيني وهي بعمر الـ11. وحين استطاعت الطلاق، نبذها أهلها ومحيطها، فانضمّت إلى عصابات قُطاع الطرق. واجهت الظلم وعاشت نشوة الانتقام، قبل أن تُسجن 11 عاماً ثم تخرج وتدخل البرلمان الهندي بعدما نجحت في الانتخابات النيابية.
وكما بدأت، انتهت حياة فولان ديفي بشكلٍ دراماتيكي، عندما أُطلق النار عليها من قِبل من اعتبروا أنفسهم ضحايا "عملياتها الإجرامية"، رغم أنهم كانوا متواطئين في الجرائم المُرتكبة بحقها منذ أن كانت طفلة بريئة.
عرفها العالم بلقب "ملكة اللصوص"، وأحياناً بـ"ملكة قطاع الطرق"، لكن اسمها راسخ في الحياة السياسية الهندية والعالمية أيضاً.. فلنتعرّف على قصتها المثيرة للاهتمام.
من هي فولان ديفي؟
وُلدت في العام 1963 بقريةٍ صغيرة تابعة لولاية أندرا براديش، من عائلةٍ فقيرة تنتمي لواحدة من الطبقات الدنيا في المجتمع الهندي؛ حيث تواجه المرأة منذ صغرها شتى أنواع الظلم والقهر، حتى من أقرب الناس إليها.
ووفقاً لموقع History Collection العالمي، فإن ديفي وقفت في وجه الظلم منذ أن كانت طفلة صغيرة في العاشرة من عمرها، حين تحدّت عمّها الذي أراد قطع شجرة في أرضٍ صغيرة ملك والدها. فنظمت اعتصاماً مع فتيات القرية لمقاومة محاولة إجلائهن بالقوة.
بعد أقلّ من عام، أُجبرت على الزواج من رجلٍ ثلاثيني أساء معاملتها جسدياً، بطرقٍ وحشية لا يُمكن تصوّرها؛ ما جعلها تهرب من البيت مرات عدة، لكن عائلتها كانت تعيدها إليه في كل مرة، قبل أن تنجح في الطلاق منه لما بلغت سنّ الـ16.
أصبحت فولان ديفي منبوذة اجتماعياً في قريتها بعد الطلاق، لكنها ما لبثت أن دخلت عالم اللصوصية عبر انضمامها إلى واحدة من عصابات قطاع الطرق الناشطة بالأرياف، واسمها "دكويتس".
في كتاب سيرتها الذاتية (I, Phoolan Devi)، لم تكشف فولان عن أسباب وظروف التحاقها بتلك العصابة، بل اكتفت بالقول: "لقد كان إملاءً من القدر".
لكن وفقاً لموقع The Ambedkarite Today الهندي، فهناك روايتان: تقول الأولى إنها خُطفت من قِبل رجال العصابة، بعدما لفتت انتباههم من خلال شخصيتها، فيما تُشير الثانية إلى أنها انضمّت إليها عن قصد بهدف تغيير حياتها.
الأيام الأولى لفولان ديفي في عالمها الجديد كانت قاسية إلى أبعد الحدود، بعدما اغتصبها زعيم العصابة (بابو غوجار) وعاملها بوحشية، قبل أن ينقذها منه ساعده الأيمن (فيكران مالاه) بعدما قتله خلال شجارٍ عنيف بينهما بسبب حادثة الاغتصاب.
عمليتها الانتقامية الأولى كانت ضدّ زوجها السابق
تسلّم فيكران زعامة العصابة ورفع من شأن ديفي، بعدما علّمها كيفية استعمال السلاح، وقد تضاربت الروايات حول علاقتهما. ذكرت بعض المصادر أنهما تزوجا، فيما أشارت أخرى إلى أنهما عاشا عشيقين؛ لأنه كان متزوجاً ولا يسمح له القانون أو العرف بالزواج مرة أخرى.
نفذت فولان ديفي عمليتها الأولى ضدّ زوجها السابق، الذي أرادت الانتقام منه بوحشية، فكان لها ما أرادت. فتحت بطنه بسكين أمام رجال القرية، ووجهت تحذيراً لجميع الحضور: "لن يتم أبداً لمس الفتيات الصغيرات بعد الآن".
نجا الزوج السابق من الموت بعد شقّ بطنه، لكنه قضى بقية حياته وحيداً ومُثقلاً بالعار.
الشهور القليلة التي تلت حادثة معاقبة الزوج السابق، منحت لفولان ديفي شهرة كبيرة في المنطقة بعد اعتبارها "ملكة اللصوص" التي تُشبه روبن هود، والتي تقوم بسرقة الطبقات العليا وتتقاسم غنائمها مع الفقراء.
انتهت هذه المرحلة من حياتها عندما قُتل فيكران مالاه على يد الشقيقين "شري رام" و"لالا رام" -ينتميان إلى إحدى الطبقات العليا "راجبوت"- وتوليا زعامة العصابة، فسجناها في قريتهما النائية "بهماي".
عوملت فولان ديفي بوحشية في تلك الفترة، وتعرّضت لشتى أنواع الإذلال، بعدما تمّ اغتصابها من قِبل مجموعة رجال قبل أن تُعرض عارية في ساحة القرية؛ لكنها نجحت في الهرب بعد فترة، واستطاعت أن تؤسّس عصابة مكوّنة من لصوصٍ فقراء فقط، وتتزعمها.
قتلت 22 شاباً من المشاركين في عملية اغتصابها
بعد شهور، عادت فولان ديفي إلى "بهماي" مساء 14 فبراير/شباط 1981، وطلبت من سكان القرية تسليمها الشقيقين اللذين قتلا حبيبها فيكران ملاله وقاما بإذلالها. وفي ظلّ عدم العثور عليهما، جمعت 22 شاباً شاركوا في اغتصابها وأعطت الأمر بقتلهم.
هزّت هذه الحادثة الهند، وعُرفت باسم "مجزرة بهماي"، لا سيما أن الشباب الذين قُتلوا ينتمون إلى طبقاتٍ اجتماعية رفيعة. ورغم أنها أنكرت صلتها بعملية القتل مراراً وتكراراً، فإن السطات الهندية شنّت حملة واسعة للقبض عليها.
نجحت في الإفلات من السلطات الهندية طوال عامين، بفضل مساعدة فقراء المنطقة الذين تعاطفوا معها وكانوا يعتبرونها بطلة، لكنها قررت في العام 1983 قبول عرض حاكم ولاية "أندرا براديش" بالتفاوض حول تسليم نفسها رفقة أفراد عصابتها.
اشترطت فولان ديفي أن تسلّم نفسها أمام الملأ، بحضور الناس، وبزيّ الشرطة، وأن تتعهد الحكومة بأن تتكفل بعائلتها وأن تقبل تجنيد شقيقها الأصغر ضمن صفوف الشرطة. وبالفعل، تمّ اعتقالها أمام 10 آلاف شخص، وبحضور الصحافة.
خلال تفاوضه معها، عرض حاكم الولاية على فولان ديفي بأن تقضي 10 سنوات في السجن، ولكن ما حصل أن محاكمتها كانت تتأجل في كل مرة. فبقيت في السجن المؤقت لمدة 11 عاماً، ولم يُطلق سراحها إلّا بعد ضغطٍ كبير من أنصارها الذين نظموا تحركات احتجاجية عديدة.
أُطلق سراح ديفي بعدما أُلغيت التهم الـ48 الموجّهة ضدّها، بما فيها تهمة قتل 22 شاباً ضمن "مجزرة بهماي".
وخلال السنوات الطويلة التي أمضتها في السجن، ازدادت شعبية فولان ديفي، لى الفقراء خصوصاً. ولذلك فإنها لما خرجت من السجن عام 1994، واصلت دفاعها عن حقوق الإنسان في الهند وحقوق الطبقات الدنيا تحديداً.
ماتت مقتولة خلال عضويتها في البرلمان الهندي
في العام 1996، انضمّت فولان ديفي إلى الحزب الاشتراكي الهندي، فانخرطت في العمل السياسي بشكلٍ مباشر. وقد تزامن ذلك مع زواجها من رجل أعمالٍ شهير، يُدعى "أيماد سيغ".
في السنة ذاتها، فازت بعضوية البرلمان الهندي بعدما ركزت حملتها الانتخابية على الدفاع عن حقوق المرأة وحقوق الأقليات والطبقات الدنيا للمجتمع. فقدت عضويتها في العام 1998، قبل أن تستعيدها في العام التالي وتواصل مهامها البرلمانية حتى مقتلها في 25 يوليو/تموز 2001، عن عمر 38 سنة.
وعلى غرار كل حياتها المثيرة، فإن وفاة فولان ديفي لم تكن عادية أبداً. فقد ماتت مقتولة بالرصاص، بالقرب من منزلها بالعاصمة الهندية نيو دلهي، بعدما أطلق عليها النار ثلاثة أشخاص ملثمين لدى عودتها من جلسةٍ في البرلمان.
أحد القتلة سلّم نفسه للشرطة بعد أيامٍ قليلة من الجريمة، ويُدعى "شير سينغ رانا"، وقد أكد أنه قتلها للثأر من ضحايا مجزرة بهماي. وصرّح قائلاً: "لقد تم إزالة البقعة التي لطخت اسم راجبوت".
بعد محاكمة استمرت أكثر من 10 سنوات، أُدين شير سينغ رانا بقتل فولان ديفي وقد حُكم عليه في العام 2014 بالسجن مدى الحياة، فيما تصدر حكم البراءة بحق 10 متهمين آخرين لعدم وجود الأدلة الكافية لإدانتهم.