في الجنوب الإسباني وتحديداً في إشبيلية، يوجد واحد من بين أشهر معالم المدينة التاريخية، وهو برج الذهب، الذي بُني في القرن الـ13، خلال فترة حكم الموحدين بالأندلس.
وكان الغرض من هذا البرج، الذي بني على ضفاف نهر الوادي الكبير، هو السيطرة على حركة المرور البحرية إلى إشبيلية وإلى الأندلس.
وقد اختلفت الأغراض التي وجد من أجلها هذا البرج من فترة إلى أخرى، ليصبح اليوم متحفاً للمعدات البحرية، يزوره السياح من مختلف دول العالم.
برج الذهب.. بني على يد آخر أمراء الأندلس
بني برج الذهب في إشبيلية، على يد أبو العلاء إدريس الكبير في عام 617 هجرية، أي خلال القرن الـ13.
وقد جاء أمر بناء هذا البرج، الذي يمتاز بتصميمه الفريد المكون من 12 ضلعاً، ليكون حصناً عسكرياً، ومكاناً للمراقبة والسيطرة على حركة السفن التي تمر من نهر الوادي الكبير في إشبيلية.
وقد استمر البرج على نفس مهمته، حتى بعد سقوط دولة الأندلس، إذ كان يستعمله الإسبان من أجل المراقبة البحرية، وكذلك من أجل حفظ الكنوز التي كانت تصل إلى البلاد من القارة الأمريكية خلال فترة اكتشافها، والهند.
إذ إن برج الذهب، الذي كانت أسواره تعتبر من بين أطول الأسوار في أوروبا، قد شهد على الرحلات الاستكشافية التي كانت تنظم إلى القارة الجديدة آنذاك، أمريكا، وكذلك خلال الفترة التي كانت فيها خاضعة للتاج الإسباني، كما أنه استعمل ليكون سجناً خلال العصور الوسطى.
أسباب تسمية برج الذهب
حسب تفسيرات المؤرخين، فقد حصل برج الذهب على اسمه هذا، لأن جدرانه الخارجية، التي تميزت بالزخارف الأندلسية الإسلامية، كانت مطلية بطلاء لونه ذهبي، وفي عتمة الليل، كان لونه ينعكس على النهر الذي بُني على ضفافه، ليعطي منظراً متلألئاً وجميلاً يسحر كل من يراه، وهكذا أصبح يطلق عليه برج الذهب.
فيما تقول بعض الروايات الاخرى، إن السبب وراء هذه التسمية، يعود لفترة ما بعد استيلاء الإسبان على مدينة إشبيلية، عند سقوط الأندلس، حيث كان الملك بيدرو الأول يودع كنوزه المختلفة داخل البرج، ومن بينها الذهب، ومن هناك حصل على هذه التسمية.
منذ بنائه، وإلى غاية الآن، يعتبر برج الذهب من بين أبرز المباني الإسلامية المتواجدة في إسبانيا، التي تحاكي مدى روعة الابتكار المعماري الإسلامي الأندلسي.
وفي القرن الـ18م، تمت إضافة جزء علوي لهذا البرج، على شكل دائري، ليصبح طوله 37 متراً، في الوقت الذي تميز سابقاً بشكل بنائه المميز، المكون من 12 ضلعاً، تم بناؤها بالحجر والطوب الأحمر.
هُدد بالهدم لأكثر من مرة
كان برج الذهب مهدداً بالتدمير لأكثر من مرة، ففي سنة 1248، تم هجره بالكامل بعد أن تم غزو إشبيلية من طرف ملك قشتالة فرناندو الثالث.
وبعد ذلك، وخلال القرن الـ16، سقط جزء من البرج، وتم ترميمه، أما في سنة 1755، تعرض للتدمير بسبب زلزال كبير كان ضرب المدينة حينها، ليقرر أحد المهندسين المعماريين الإسبان هدمه، بعد الأضرار الجسيمة التي تعرض لها.
احتج سكان المدينة على قرار الهدم هذا، وقاموا بمراسلة ملك البلاد، الذي استجاب لهم، وقام بمنع فكرة الهدم، بل تم ترميم البرج من جديد.
وخلال ثورة 1868، تم عرض جزء من أسوار المدينة للبيع وتعرض البرج مرة أخرى للتهديد بالهدم، لكنه بقي صامداً أمام القرار كونه أصبح يعتبر رمزاً للقتال والبقاء.
متحف برج الذهب.. أشهر معالم إشبيلية السياحية
ابتداء من سنة 1994، تم تحويل برج الذهب إلى متحف خاص بالمعدات البحرية الإسبانية، التي تعود إلى العصور الوسطى، خلال فترة اكتشاف القارة الأمريكية.
إذ يحتوي المتحف على مطبوعات ومُخططات قديمة خاصة بالبحرية الإسبانية، ونماذج من الأدوات الملاحية والوثائق التاريخية القديمة.
كما يوجد به نماذج لسفن المستكشفين في القرن الخامس عشر، والكثير من الأعمال التي تشرح قيمة وتاريخ الوادي الكبير وبعض المرافق البحرية الاستراتيجية في الأندلس، والعديد من المدافع من القرن السابع عشر.
يمكن دخول المتحف بشكل يومي من الساعة 9 صباحاً، إلى غاية 7 مساء، ولا تتعدى أجرة الدخول 3 يورو، فيما حدد مبلغ يورو ونصف بالنسبة للطلبة، ويمكن دخول الأطفال بالمجان.