لا شكّ أنّ شابور الأوّل كان أحد أعظم حكام الإمبراطورية الساسانية، التي سيطرت على بلاد فارس وبلاد ما بين النهرين من 224 إلى 642 بعد الميلاد، فقد نجح شابور الأوّل في تحقيق أكبر نصرٍ عسكري للإمبراطورية الساسانية ضد الرومان في معركة الرها، والتي يشار إليها في المصادر الأجنبية بمعركة أديسا (Battle of Edessa)، والتي حدثت سنة 260م.
كانت الرها بدورها إحدى أكثر المعارك الحاسمة في التاريخ، فقد هُزِم الجيش الروماني وتمّ أسره بالكامل من قِبل القوات الفارسية، ولأول مرة في تاريخ روما العسكري تمّ أسر الإمبراطور الروماني فاليريان. على هذا النحو، يُنظر إلى المعركة عموماً على أنها واحدة من أسوأ الكوارث في التاريخ العسكري الروماني، وذلك وفقاً لموقع alchetron.
المملكة الساسانية الفارسية هزمت الرومان بعد 35 سنة فقط من تأسيسها
وفقاً لموقع historynet، تواجهت الإمبراطورية الرومانية لقرون مع القبائل الجرمانية قبل نهب روما وانهيار الإمبراطورية على يد البرابرة الجرمان عام 476م، ومع ذلك لم يكن أكبر خصمٍ للإمبراطورية الرومانية هي القبائل الجرمانية، ولكن كان ذلك العدو قادماً من الشرق.
فقد كانت بلاد فارس تمثل تهديداً طويلاً للإغريق، ثمّ الإمبراطورية الرومانية، وأصبحت تشكل تهديداً أكبر مع صعود الإمبراطورية الساسانية بعد عام 224. منذ البداية ضغط الساسانيون بشدة على المناطق الرومانية، فيما يُعرف الآن بتركيا والعراق وسوريا، أثناء سعيهم للوصول إلى البحر الأبيض المتوسط.
في 256م، كان الإمبراطور Valerian، الذي شارك في حكم روما لمدة ثلاث سنوات مع ابنه جالينوس، منشغلاً بصد هجمات القبائل الجرمانية، ضد المستعمرات الرومانية على طول البحر الأسود، وذلك عندما شن الفرس هجوماً جديداً على مستعمرات الرومان في سوريا والعراق بقيادة الملك الساساني شابور الأول.
وبالفعل نجح الساسانيون في احتلال عدة مستوطنات مهمة، وألقوا بالحكم الروماني في الشرق الأوسط في حالة من الفوضى. أجبرت الهجمة الساسانية على الحدود الرومانية الإمبراطور فاليريان على تحويل قواته المنهكة إلى الجنوب الشرقي لمواجهة التهديد الجديد.
تبع ذلك ثلاث سنوات من الحملات، حقق الإمبراطور فاليريان خلالها تقدماً متواضعاً في احتواء الهجوم الفارسي، ولكن مع إرهاق قواته ووقوعها ضحية للطاعون، كان على فاليريان الاستعداد لمعركة حاسمة في الرها، وهي مملكة عربية أقيمت على الحدود بين سوريا وتركيا، ويُطلق عليها اسم أديسا.
معركة الرها.. الموقعة الأسوأ في التاريخ العسكري لروما
في أوائل ربيع سنة 260م، جدّد شابور الأوّل هجومه وحاصر مدينة أديسا المحصنة، تحرك فاليريان بسرعة ضد الفرس بقوة قوامها 70 ألف مقاتل، ولكن مع سيطرة الفرس وقوتهم فقد الإمبراطور أعصابه، في محاولة يائسة لوضع حد للحملة التي لا نهاية لها على ما يبدو.
في البداية حاول فاليريان رشوة الملك الساساني شابور الأوّل، للانسحاب من معركة الرها والعودة إلى بلاد فارس بهدية سخية من الذهب، لكن شابور رفض ذلك العرض.
بعدها سعى فاليريان إلى لقاء شابور وجهاً لوجه، وهو الأمر الذي قبِل به الملك الساساني، شريطة أن يتم على أرض فارسية.
وبحسب الموسوعة البريطانية، أثناء ذهابه للقاء شابور تمّ أسر الإمبراطور فاليريان رفقة موظفيه، ومن ثمّ نقلهم إلى بلاد فارس، حيث مات فاليريان أسيراً، وبذلك أصيب الجيش الروماني بفوضى كبيرة بعد فقدان قائده.
تفكك الجيش الروماني تحت الهجوم الفارسي، ما أدى إلى سقوط آلاف القتلى، بينما لم ينجُ أحد منهم من الأسر، وبذلك تكون إحدى المرات القلائل في التاريخ التي يتمّ فيها أسر جيشٍ كامل، كان ذلك في معركة الرها، بين المملكة الساسانية والإمبراطورية الرومانية.
معركة الرها أحد أسباب سقوط روما
في أعقاب هذه الكارثة التي حلّت بالإمبراطورية الرومانية في معركة الرها، اجتاحت القوات الفارسية معظم ما تبقى من الأراضي الرومانية في الشرق الأوسط، ودخلت آسيا الصغرى.
ورغم أن القادة العسكريين الرومان كانوا قادرين على استعادة الكثير من هذه الأراضي، واستعادة هيمنتهم على بلاد فارس بحلول نهاية القرن الثالث، فإن الضربة التي لحقت بالهيبة الرومانية في معركة الرها كانت كارثية بالفعل، فقد أدى تحويل الموارد العسكرية لإعادة بناء الإمبراطورية في الشرق إلى انهيار في الغرب، حيث اندفعت القبائل الجرمانية في الغرب للانقضاض على روما، وذلك بعد أن انتهت العقلية التوسعية لروما، ورأت أن تحصين عاصمتها أهم، وهو الأمر الذي أدى بها في نهاية المطاف إلى السقوط سنة 476م على يد الجرمان.