قبل منتصف ليل 14 أبريل/نيسان 1912، ذهبت الممرضة الأرجنتينية، فيوليت جيسوب، إلى سريرها داخل سفينة "تايتانيك"؛ إذ عملت فيها مضيفة، وعندما غطت بالنوم، تعرضت السفينة للحادث المشؤوم، لتجد الممرضة الأرجنتينية نفسها بعد 3 ساعات تقريباً في أحد قوارب النجاة في شمال المحيط الأطلسي رفقة 705 ناجين آخرين.
في الحقيقة، لم يكن هذا أول هروب لجيسوب من كارثة بحرية – ولن يكون الأخير لها، إذ واجهت الأمر أكثر من مرة، وفي جميع تلك الحوادث استطاعت النجاة، ولذلك تعتبر الممرضة الأرجنتينية، فيوليت جيسوب، واحدة من الأشخاص المنحوسين والمحظوظين في الوقت ذاته.
فيوليت جيسوب.. ملكة السفن الغارقة
وُلدت فيوليت كونستانس جيسوب في الأرجنتين عام 1887، وهي ابنة مهاجرين إيرلنديين من الكاثوليك انتقلا إلى أمريكا الجنوبية وأصبحا مزارعي أغنام.
اتسمت سنواتها الأولى بالصعوبات، إذ توفي 3 من أشقائها وهم أطفال صغار، كما ابتليت طفولتها بالمرض، بما في ذلك التيفوئيد والسل، وكاد الأخير أن يقتلها، لكن شفاءها كان بمثابة معجزة.
بعد وفاة والدها في عام 1903، انتقلت جيسوب، البالغة من العمر 16 عاماً، وعائلتها إلى إنجلترا، وذلك لأنّ والدتها كاثرين كانت تعمل مضيفة على متن السفن البخارية Royal Mail Line التي تعبر المحيط الأطلسي.
بعد 5 سنوات في البحر، مرضت كاثرين وأصبحت فيوليت، البالغة من العمر 21 عاماً، المعيل الوحيد للأسرة.
الغرق الأول عام 1911 على متن "آر إم إس أولمبيك"
اتخذت جيسوب خطى والدتها، وأصبحت مضيفة مثلها، وعلى الرغم من اعتبارها صغيرة جداً بالنسبة لهذا المنصب، فإن شخصية فيوليت اللطيفة وسهولة تعلمها اللغات ساعدتها في الحصول على الوظيفة، إذ كانت تتحدث الإنجليزية والإسبانية والفرنسية.
في عام 1911، وقعت المضيفة الشابة عقداً مع سفينة "آر إم إس أولمبيك" وهي أكبر سفينة في عصرها، وأول سفينة من بين 3 سفن فاخرة تديرها شركة White Star Line.
كانت جيسوب تلبي احتياجات الركاب العديدة والمتنوعة: رتبت الأسرة، وجلبت صواني الإفطار، ونظفت الحمامات، ورتبت الزهور، وأدارت المهمات. باختصار، لم يكن هناك أي جانب من جوانب الخدمة لم تكن هي أو مسؤولية زملائها، كما كتب جون ماكستون جراهام، محرر مذكرات جيسوب في Titanic Survivors.
سارت الأمور على ما يرام حتى 20 سبتمبر/أيلول 1911، عندما اصطدمت سفينة الركاب بالطراد البريطاني إتش إم إس هوك، عانت السفينة من تمزق كبير تحت خط الماء، لكنها تمكنت من العودة إلى موطنها في إنجلترا.
الغرق الثاني عام 1912 على متن سفينة تيتانيك!
مع رسو سفينة آر إم إس أولمبيك لإصلاحها، انتقلت جيسوب إلى سفينتها الشقيقة "آر إم إس تيتانيك"، ولكن بعد أقل من 7 أشهر، وتحديداً في 14 أبريل/نيسان 1912، كانت السفينة الأنيقة قد قضت 4 أيام في رحلتها الأولى، عندما اصطدمت بجبل جليدي وغرقت، وكان أكثر من 1500 راكب وطاقم لقوا حتفهم.
في الساعة 11:40 مساءً في تلك الليلة، كانت جيسوب قد أنهت لتوها صلاتها وكانت في سريرها قد بدأت في النوم/ عندما سمعت صوتاً مخيفاً".
في البداية، افترضت أنه مجرد إنذار خاطئ أو تمرين طوارئ، ولم تتخيل أبداً أن تكون تيتانيك "غير القابلة للغرق" في خطر السقوط.
ارتدت جيسوب ملابسها بسرعة، وانطلقت إلى قسم السفينة الذي تم تكليفها به، وسرعان ما جاءت الأوامر للتوجه نحو قوارب النجاة.
ساعدت جيسوب الركاب على ضبط أحزمة النجاة الخاصة بهم وذكرهم بارتداء ملابس دافئة، وأخذ البطانيات، وحزم أغراضهم الثمينة.
عندما كانت تنتقل من غرفة إلى أخرى، وعدت الناس بأن هذه مجرد إجراءات احترازية؛ هي نفسها، في البداية، لم تدرك تماماً أن كارثة كانت تلوح في الأفق وفقاً لما ذكرته مجلة Mental Floss الأمريكية.
ولكن بعد أقل من 3 ساعات، كانت جيسوب موجودة أيضاً داخل قارب نجاة تراقب في رعب السفينة الكبرى، وهي تغرق تحت شمال المحيط الأطلسي المظلم والمتجمد.
الغرق الثالث 1914 على متن سفينة بريتانيك الحربية البريطانية
عندما اندلعت الحرب الأولى عام 1914، تطوعت جيسوب للعمل كممرضة للجيش البريطاني، عملت في المستشفيات البرية لبعض الوقت، ثم حصلت على فرصة للخدمة في البحر على متن السفينة البريطانية بريتانيك التي تم تجهيزها كسفينة مستشفى بحري.
ولكن في عام 1916، اصطدمت السفينة البريطانية وهي في طريقها إلى ساحة معركة غاليبولي، بلغم بحري ألماني بالقرب من جزيرة كيا اليونانية في بحر إيجه.
وعلى الفور استطاعت جيسوب أن تصعد على متن قارب النجاة الذي لم ينجُ أيضاً؛ إذ تسببت الأمواج العاتية بدفع القارب المطاطي نحو مراوح سفينتهم الضخمة التي تغرق، لتتحول لون المياه إلى الأحمر بسبب دماء الأشخاص الذين تقطعوا بفعل المراوح، ولحسن الحظ استطاعت الممرضة الأرجنتينية أن تقفز في البحر في الأنفاس الأخيرة.
وعلى الرغم من نجاتها، فإن جيسوب أصيبت بكسر شديد في الجمجمة، وجرح عميق في ساقها، وفقاً لما ذكره موقع National Geographic.
أمضت جيسوب السنوات الثلاث التالية وهي تتعافى من إصابتها، والتي شفيت منها مع نهاية الحرب العالمية الأولى.
وبعد النجاة من 3 كوارث في البحر، ربما يشعر شخص آخر بالقلق من نفاد حظه، لكن ليس جيسوب، التي عادت عام 1920 ووقعت مرة أخرى مع سفينة "آر إم إس أولمبيك" التي عادت للخدمة، واستمرت في العمل مضيفة فيها حتى تقاعدها عام 1950.
أمضت جيسوب سنواتها الأخيرة وهي تزرع حديقة منزلها، وتربي الدجاج لبيع البيض والحصول على دخل إضافي، بينما بقيت على قيد الحياة حتى توفيت في إنجلترا عام 1971 عن عمر يناهز 83 عاماً بسبب قصور القلب الاحتقاني.