أضخم انفجار شهدته أمريكا بتنفيذٍ ألماني.. “تفجير بلاك توم”، الذي كاد أن يدمّر تمثال الحرية الأمريكي

تم النشر: 2023/04/04 الساعة 12:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/04/04 الساعة 12:36 بتوقيت غرينتش
تفجير جزيرة توم بلاك /shutterstock

على الرغم من ادعاء أمريكا بالحياد في الحرب العالمية الأولى، فإنه لم يكن سراً أن الولايات المتحدة كانت تبيع كميات هائلة من الذخائر إلى البريطانيين والفرنسيين. فبعد عامين من بدء الحرب، كانت منطقة نيويورك الكبرى مركزاً رئيسياً لصناعة الذخائر الأمريكية، حيث خرجت 75% من جميع الذخائر والأسلحة المشحونة من الولايات المتحدة إلى أوروبا من جزيرة تدعى جزيرة بلاك توم، والتي كانت عبارة عن مساحة دائرة نصف قطرها 5 أميال، تقع قبالة مدينة جيرسي في محافظة نيويورك. 

حسب كتاب "Sabotage at Black Tom" للصحفي الأمريكي جول ويتكوفر، كانت بلاك توم، التي كانت جزيرة صغيرة في يوم من الأيام، أهم مركز تجميع وشحن للذخيرة والبارود في الولايات المتحدة، والتي يتم إرسالها إلى الحلفاء في أوروبا، وربما كانت تضم أكبر ترسانة أسلحة في أي مكان خارج منطقة الحرب في ذلك الوقت.

كانت تلك الذخائر تباع لفرنسا وبريطانيا، بينما حُرم الألمان منها بسبب الحصار البحري الخانق الذي فُرض عليها من قبل البحرية الملكية البريطانية، الأمر الذي دفع الاستخبارات الألمانية إلى التحرك من أجل إيقاف تسليح أعدائها.

في حدود سنة 1916 أقدمت ألمانيا على إرسال عدد من عملائها إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن أوكلت إليهم مهمة تخريب مخازن الذخيرة بجزيرة بلاك توم قبالة مدينة جيرسي سيتي، وذلك بحسب history.

بلاك توم أكبر مستودع للأسلحة والذخيرة في أمريكا خلال الحرب العالمية الأولى

وفقاً لـ smithsonianmag، كانت جزيرة بلاك توم نقطة توزيع لآلاف الأطنان من الذخائر والمتفجرات والبارود الأسود التي تم شحنها عبر المحيط الأطلسي إلى قوات الحلفاء التي تقاتل في أوروبا.

احتوت مخازن الذخيرة بجزيرة بلاك توم على نحو مليوني رطل من المتفجرات، إضافة إلى كمية أخرى من الذخيرة والقذائف.

تفجير جزيرة توم بلاك
جزيرة توم بلاك كانت أكبر مستودع ذخيرة في أمريكا قبل تفجيرها / ويكيبيديا

كما كانت بارجة جونسون رقم 17 مليئة بـ50 طناً من مادة تي إن تي و25 ألف جهاز تفجير، كما كانت هناك 69 عربة شحن للسكك الحديدية تحمل أكثر من ألف طن من الذخيرة، ترسو في ميناء بلاك توم، وكلها تنتظر الشحن على متن سفن متوجهة إلى أوروبا، وبالتالي كان من الحتمي أن يتسبب تفجير هذا الكم الهائل من المتفجرات في كارثة رهيبة.

ألمانيا شرعت في التخطيط للتفجير منذ بدء الحرب

بدأ التخطيط لتخريب جزيرة بلاك توم منذ بداية الحرب العالمية الأولى، وذلك عندما وصل سنة 1914 الكونت يوهان فون بيرنستورف، إلى أمريكا بصفته السفير الألماني في واشنطن، لم يكن طاقم فون بيرنستورف من الدبلوماسيين، ولكن من عملاء المخابرات، وبملايين الدولارات المخصصة لمساعدة جهود الحرب الألمانية بأي وسيلة ضرورية.

كان فرانز فون رينتلين أحد جواسيسه الرئيسيين، الذي شرع سنة 1915 في مراقبة ورسم خرائط لحظائر التخزين على أرصفة ميناء جزيرة بلاك توم.

تفجير جزيرة توم بلاك
بدأ الألمان في التخطيط لتفجير جزيرة بلاك توم منذ بداية الحرب العالمية الأولى /shutterstock

تمّ تجنيد 3 رجال في النهاية لتنفيذ العملية: مايكل كريستوف، مهاجر نمساوي يبلغ من العمر 23 عاماً خدم لفترة وجيزة في الجيش الأمريكي. كيرت جانكي، وهو مواطن أمريكي متجنس كان يعمل في صفوف قوات المارينز، تم تجنيده كعميل من قبل القنصل العام الألماني في سان فرانسيسكو. وأخيراً لوتار ويتزكي وهو بولندي المولد، كان يشتغل ملازماً بحرياً ألمانياً قبل أن ينجو من غرق سفينته على يد البحرية البريطانية قبالة سواحل أمريكا الجنوبية في أواخر عام 1915.

في يونيو/حزيران 1916، غادر Witzke وJahnke سان فرانسيسكو إلى مدينة نيويورك، حيث التقيا بكريستوف.

كيف فجّر العملاء الألمان جزيرة بلاك توم الأمريكية؟

في مساء يوم 29 يوليو/تموز عام 1916، تسلل العملاء الثلاثة بسهولة إلى ميناء جزيرة بلاك توم؛ حيث دخل أحدهم سيراً على الأقدام، بينما وصل الآخران بواسطة زورق.

بعد توصيل الأسلاك بالمنشآت بالمتفجرات، أشعل الثلاثي حرائق صغيرة في عربات سكك الحديد المليئة بمادة تي إن تي والبارود ووضعوا قنابل أخرى متأخرة زمنياً وأجهزة حارقة على بارجة راسية بالرصيف. ثم لاذوا بالفرار.

في الساعات الأولى من صباح الـ30 يوليو/تموز، كانت جزيرة بلاك توم تهتزّ على وقع أحد أضخم الإنفجارات التي شهدتها الولايات المتحدة، قدّر العلماء حجم الإنفجار بزلزال بقوة 5.5 على مقياس ريختر.

تفجير جزيرة توم بلاك
تفجير جزيرة توم بلاك / ويكيبيديا

تم تسوية 13 مستودعاً ضخماً وتدمير 6 أرصفة، واستمرت الحرائق في التهام طريقها عبر الأنقاض أين دمّرت مئات عربات السكك الحديدية والصنادل المربوطة بالأرصفة.

كان حجم الإنفجارات مهولاً إلى حدّ أن فجّر كهف ضخم تحت الأرض بسبب انفجار حوالي 87 عربة سكة حديد محملة بالديناميت.

أدى الانفجار إلى حفر حفرة عميقة، بحيث امتدت إلى ما دون مستوى سطح البحر، تسرّبت من خلالها المياه لتغرق الجزيرة.

أسفر الانفجار الذي استمرّ لعدة أيّام عن مقتل 5 أشخاص وإصابة المئات فضلاً عن ذلك قدرت الخسائر المادية بنحو 20 مليون دولار (أي ما يعادل أكثر 500 دولار خلال سنة 2023).

لم تكن الخسائر التي سببها الانفجار محصورة في جزيرة بلاك توم، فقد وصل آثار الإنفجار إلى مساحة تغطي أكثر من 90 ميلاً من الجزيرة، إذ اهتز جسر بروكلين بنيويورك، وتمايلت ناطحات السحاب، وتحطمت النوافذ الزجاجية في جميع أنحاء مانهاتن وبروكلين، كما سمع وشعر بالانفجار في أماكن بعيدة مثل فيلادلفيا، وفي بالتيمور. 

تفجير جزيرة توم بلاك
تضرّر تمثال الحرية من تفجير جزيرة توم بلاك / ويكيبيديا

تزامناً مع كل هذا ألحق الانفجار بجزيرة بلاك توم أضراراً جسيمة بتمثال الحرية المطل على خليج نيويورك؛ حيث تسببت هذه الحادثة في تخريب أجزاء من الرداء واليد اليمنى الممسكة بالمشعل للتمثال، وقد قدرت تكلفة ترميم التمثال بسبب انفجار بلاك توم بنحو 100 ألف دولار.

في البداية اعتقد الأمريكان أنّ الانفجار حادث عرضي

خلص مكتب التحقيقات الفيدرالي في البداية إلى أن الانفجار كان عبارة عن حادثٍ عرضي، لكن الشكوك التي سادت جعلت التحقيق يأخذ مجرى آخر. إذ كان البعض يعتقد أن الانفجار من عمل نفس العملاء الألمان المسؤولين عن العديد من الانفجارات والحرائق التي أفسدت السفن والمصانع المتورطة في تجارة الذخائر لأكثر من عام.

بعد 3 سنوات من انتهاء الحرب، شكلت الولايات المتحدة وألمانيا لجنة للتحقيق في المطالبات والتفاوض بشأن التعويض المالي عن الأضرار التي لحقت بالممتلكات التجارية والخاصة في زمن الحرب. استغرق الأمر 17 عاماً حتى وجدت مؤسسة تحدي الألفية أن ألمانيا مسؤولة عن تدمير جزيرة بلاك توم، وأمرت الحكومة الألمانية بدفع 50 مليون دولار أمريكي كتعويض عن الأضرار، لم يهتم الألمان في ذلك الوقت بمطالب الأمريكيين، ولم يدفعوا التعويضات إلّأ بعد سنواتٍ من نهاية الحرب العالمية الثانية.

ففي حدود سنة 1953 وافقت ألمانيا الغربية على تحمل مسؤوليتها عن التفجير، لتوافق حينها على دفع تعويض مالي للأميركيي،ن قدرت قيمته بنحو 95 مليون دولار، تم دفع آخر قسط منه سنة 1979، أي بعد 63 سنة من تفجير جزيرة بلاك توم.

ماذا عن العملاء الثلاثة الذين فجّروا جزيرة بلاك توم؟ 

بعد أيّامٍ من الانفجار، ألقت شرطة جيرسي سيتي القبض على كريستوف للاشتباه في ضلوعه في الانفجار، لكنهم أطلقوا سراحه لعدم كفاية الأدلة، رغم أنه دخل السجن وخرج منه بعدها لارتكاب جرائم مختلفة، حتى وتوفي بمرض السل في عام 1928.

بينما هرب كلٌّ من يانكي وويتزكي إلى المكسيك قبل وقت قصير من دخول الولايات المتحدة الحرب، وكانا من بين العملاء الألمان الذين أثاروا المشاعر المعادية لأمريكا ونظموا عمليات تخريبية من جميع أنحاء البلاد.

تفجير جزيرة توم بلاك
تمكّن العملاء الألمان الثلاثة من النجاة من العقاب /shutterstock

تم القبض على ويتزكي في يناير 1918 من قبل الجيش الأمريكي، بعد فك تشفير الكابلات الألمانية التي نبهت السلطات إلى تحركاته. وأُدين فيما بعد بالتجسس. حُكم عليه بالإعدام، وتم العفو عنه في عام 1923. ولم يتم القبض على جانكي، الذي نجح في العودة إلى ألمانيا في عام 1921.

تحميل المزيد