عادة ما يذهب تفكيرنا عند ذكر الحرب العالمية الأولى إلى مشاهد الصراع العنيف في أوروبا من معركة مارن الأولى، إلى معركة فردان، والصراع الدموي في نهر السوم، بالإضافة إلى وحشية حرب الخنادق على الجبهة الغربية، ويعتقد الكثيرون أنّ أوروبا وحدها كانت مسرحاً لتلك الحرب، ويغفلون الحديث عن المعارك الإفريقية في الحرب العالمية الأولى.
مع ذلك، فإنّ الرصاصة الأولى للحرب، والتي أُطلقت في أواخر يوليو/تموز 1914، لم تكن فعلياً في أوروبا، إذ يشير بايرون فارويل في كتابه "The Great War in Africa 1914-1918"، إلى أنّ تلك الرصاصة أطلقها جندي إفريقي يرتدي زياً بريطانياً على القوات الاستعمارية الألمانية، فيما يُعرف الآن بدولة توغو في غرب إفريقيا، والتي كانت في ذلك الوقت جزءاً من الإمبراطورية الألمانية الشاسعة في إفريقيا.
علاوة على ذلك، شهدت القارة الإفريقية في الفترة ما بين 1914 و1918 العديد من معارك الحرب العالمية الأولى، في إطار صراع دول الحلفاء ممثلةً في بريطانيا وفرنسا، ودول المحور التي تمثلها الإمبراطورية الألمانية، فقد سعى البريطانيون وحلفاؤهم للاستيلاء على الإمبراطورية الاستعمارية الشاسعة التي أنشأها الألمان في إفريقيا.
خلال هذا الصراع في الأراضي الإفريقية، اضطر حوالي مليوني إفريقي للقتال في الحرب، وقُتل أكثر من 150 ألف جندي إفريقي، مع عدد أكبر من الجرحى والمعاقين.
بالإضافة إلى ذلك، تعرض العديد من المدنيين الأفارقة للمجاعة، بسبب نقص الغذاء الناجم عن اضطراب الزراعة خلال الحرب العالمية الأولى، بما في ذلك استيلاء الجيوش على الإمدادات الغذائية والماشية، ونقص المزارعين والصيادين بسبب تجنيد الدول الأوروبية للذكور الأفارقة خلال تلك المعارك.
أبرز المعارك الإفريقية في الحرب العالمية الأولى
وعلى عكس المعارك العنيفة التي شهدتها أوروبا، كانت المعارك الإفريقية في الحرب العالمية الأولى أصغر حجماً، لكنها أكثر طولاً بسبب المساحات الشاسعة من القارة الإفريقية التي حدثت فيها هذه المعارك.
كما أنّ المعارك الإفريقية اعتمدت على المدفعية بشكلٍ كبير على عكس معارك أوروبا، حيث الدبابات والطائرات وأحدث التقنيات العسكرية، وذلك وفقاً لموقع history.
فيما يلي بعض المعارك الإفريقية في الحرب العالمية الأولى:
1. معركة جاروا الأولى
بعد أن نجحت القوات البريطانية والفرنسية في طرد الألمان من دولة توغو، أرادوا الاستيلاء على مستعمرة كاميرون الألمانية، وذلك بإرسال قوة مشتركة قوامها 7000 جندي بريطاني وفرنسي وإفريقي.
وعلى عكس توغو، تلقت القوات الفرنسية والبريطانية مقاومة شرسةً من القوات الألمانية، التي ساندتها قوات إفريقية قامت بتجنيدها وتدريبها.
مع ذلك، هاجمت القوات الأنجلو-فرنسية واستولت على حصن ألماني في مدينة جاروا الكاميرونية، وذلك في أواخر أغسطس/آب 1914.
كان الرد الألماني على الهجوم الفرنسي البريطاني المشترك في جاروا عنيفاً، فقد استعاد الألمان حصن غاروا وكبدوا البريطانيين والفرنسيين خسائر هائلة.
2. إنزال الحلفاء في دوالا
مع بداية الحرب العالمية الأولى، كان الحلفاء مصممين على نزع الكاميرون من سيطرة الألمان، فبعد معركة جاروا الأولى، استهدف الحلفاء ميناء دوالا البحري من ثلاثة اتجاهات دفعة واحدة، في أواخر سبتمبر/أيلول 1914.
شكّل إنزال الحلفاء في دوالا إحدى أهم المعارك الإفريقية في الحرب العالمية الأولى، فقد نجح الحلفاء في إنزال قواتهم على ميناء دوالا، وكان ذلك النجاح بمثابة بداية نهاية النفوذ الألماني في كاميرون.
3. معركة غورين
في واحدة من أكبر المعارك الإفريقية في الحرب العالمية الأولى، شكّل الهجوم الألماني على نيجيريا، إحدى المستعمرات البريطانية في ذلك الوقت، أحد أهم المتغيرات في مجرى الحرب بإفريقيا.
فقد حاولت القوات الألمانية، في أبريل/نيسان 1915، التوغل في نيجيريا لتهديد القوات البريطانية وإبعادها عن معاقلها الاستراتيجية الرئيسية في كاميرون.
وعلى الرغم من نجاح الهجوم الألماني في البداية، فإنّ القتال استمر لمدة 10 أشهر أخرى في الكاميرون، وانتهى بسقوط معقل الألمان الأخير في مدينة مورا الكاميرونية، وذلك في فبراير/شباط 1916، منهياً سيطرة الألمان على البلاد.
4. معركة نهر روفيجي
في يوليو/تموز 1915، شن الحلفاء حملة بحرية كبيرة قبالة سواحل تنزانيا، استهدفت القضاء على سفينة حربية ألمانية كانت تشكل تهديداً للشحن في المحيط الهندي.
الطراد الألماني الخفيف كونيجسبيرج كان عبارة عن سفينة سريعة مدججة بالسلاح بالبنادق وأنابيب الطوربيد، وبعد فشل محاولات تحييده الأولية في ربيع عام 1915، شرع الحلفاء في حملة عسكرية كبيرة لإزالة تهديد هذا الطرّاد، فقاموا بإرسال أسطولٍ من السفن إلى نهر روفيجي.
في يوليو/تموز من نفس السنة، اقتربت سفينتان بريطانيتان صغيرتان، هما سيفيرن وميرسي، اللتان تم تصميمهما بشكل يصعّب اكتشافهما في الماء، من مصب النهر، وتمكنوا من اجتياز قفاز من بطاريات المدافع الألمانية والدخول إلى النهر.
ردّ الطراد الألماني بإطلاق النار وتدمير سفينة مريسي، لتنشب معركة بحرية قوية بين القوات البريطانية والألمانية انتهت بإغراق الطراد الألماني.
5. معركة ناماكورا
في يوليو/تموز 1918، وبينما كانت الحرب على وشك الانتهاء في أوروبا، كانت المعارك الإفريقية في الحرب العالمية الأولى مستمرة، فقد نجح الجنرال الألماني Von Lettow-Vorbeck في الاستيلاء على حامية برتغالية في موزمبيق، وذلك بعد هجمة سريعة وخاطفة على الحامية، فيما تعرف بمعركة ناماكورا.
نتج عن الهجوم الألماني مقتل 200 جندي برتغالي وبريطاني 200، وأُسر 543 آخرون، لكن الأهم من ذلك، كان استيلاء الجنود الألمان على ترسانة كبيرة من الاسلحة، كانوا في أمسّ الحاجة إليها، وهي الترسانة التي مكنت قوات Lettow-Vorbeck من مواصلة القتال لعدة أشهر.