تعدّ قلعة المشور التاريخية من أجمل ما خلفته الحقبة الزيانية في الجزائر، فهذه القلعة الرابضة على أحد أعلى تلال مدينة تلمسان، تتميّز بأسوارها المرتفعة والمحصنة، وقصرها الملكي الفسيح الذي يشبه كثيراً قصر الحمراء بغرناطة، إضافةً إلى مسجدها التاريخي الذي يتوسط القلعة، منذ أكثر من 8 قرون خلت.
يعود بناء قلعة المشور، التي سُميت بهذا الاسم نسبةً إلى "الشورى" المتعلقة بأمور السياسية، إلى عهد السلطان يغمراسن بن زيان، أحد سلاطين الدولة الزيانية، الذي اتخذها مقراً لإقامته وحكمه خلال القرن الـ13 للميلاد، قبل أن تتحوّل المشور إلى إقامة لملوك بني عبد الواد، وقصر عثماني، أمّا في فترة الاحتلال الفرنسي فقد تحوّلت قلعة المشور إلى ثكنة عسكرية، في وقت حوّل فيه مسجدها التاريخي إلى كنيسة لأداء الشعائر المسيحية ومركز لتنصير الجزائريين، قبل أن تخضع بعد الإستقلال إلى سلسلة من الترميمات التي أعادت للقلعة بعضاً من عبقها التاريخي.
المشور مقر الدولة الزيانية وشبيه قصر الحمراء
حسب ورقة بحثية بعنوان "قلعة المشور الأثرية بمدينة تلمسان" للدكتور محمد قاضي أستاذ التاريخ الوسيط في جامعة بشار الجزائرية، بنيت قلعة المشور في فترة ما بين 1145 إلى 1248، وذلك على يد الأمير الزياني يغمراسن بن زيان بن ثابت بن محمد، الذي أراد في البداية أن تكون القلعة مقراً لإقامته.
وسرعان ما تحوّلت قلعة المشور إلى مقرٍّ لقيادة الدولة الزيانية ومقر إقامة أمرائها وملوكها المتعاقبين على حكم الدولة، وذلك بعد أن خضعت القلعة لسلسة من الترميمات، كان أبرزها الترميم الذي أضافه أبي حمو موسى الأوّل، الذي أضاف قصراً ومسجداً داخل القلعة.
يحتوي القصر على أربع أجنحة، أحدها مهيأ لفصل الصيف، ومبني بالطين، بشكل يجعله بارداً على مدار الفصل، ويضم ممراً سريّاً كان الملك يستخدمه في أوقات النزاعات والحروب.
بينما يحتوي القصر أيضاً على جناح مخصص لفصل الشتاء، مبني بالحجارة التي تجعله دافئاً على مدار فصل الشتاء.
أمّا الجناح الثالث فمخصصٌ لطائفة الحرملك حيث كانت جواري السلطان وأتباعه يقيمون به، والجناح الرابع كان عبارة عن قاعة خاصة بمجلس الشورى، وهو الجناح الذي أخذ منه القصر اسم المشور، كونه كان مخصصاً للاجتماعات الخاصة بالملك مع وزرائه للتشاور.
حرص مشيدو قصر المشور على تصميمه بشكلٍ مشابه لقصر الحمراء بغرناطة، فالزائر إلى قصر المشور يرى أنّه في نسخة شبيهة بالحمراء، من خلال الزخارف والأعمدة والنمط العمراني الأندلسي الطابع على القصر، الذي يتوشح بالزليج الزياني الفخم في كلّ أركانه.
بمسجد المشور صومعة مربعة الشكل وذات طابقين، ويبلغ ارتفاعها نحو 25 متراً، مزخرفة بزخارف مصنوعة من مادتي الآجر والزليج، كما تتوسطها نوافذ صغيرة.
فرنسا حوّلت قلعة المشور إلى ثكنة عسكرية ومسجدها إلى كنيسة!
بعد سقوط الدولة الزيانية، وحكم بني عبد الواد لتلمسان، وبسط العثمانيين لحكمهم على كامل الجزائر، بقيت القيمة الفنية والمعمارية وحتى التاريخية لقصر المشور ثابتة طيلة الحكم العثماني للجزائر، رغم محاولات العثمانيين ترميم القلعة، وإضفاء النمط العمراني العثماني عليها، من خلال إعادة بناء المسجد على النمط العثماني، وتذكر بعض الروايات إلى أنّ الأمير عبد القادر أقام في قصر المشور 4 سنوات.
أما في فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر فقد عاشت قلعة المشور أسوأ مراحلها، وكادت تمحى من الوجود.
في البداية حوّل الفرنسيون قلعة المشور فور احتلالهم تلمسان إلى ثكنة عسكرية، تحصّن بها جنودهم خلال فترة مقاومة الأمير عبد القادر، حيث حاصر الأمير القلعة لمدة 9 أشهر، وهو الأمر الذي جعلها تتعرّض للتخريب.
ثم سرعان ما قام الفرنسيون بتحويل المسجد التاريخي لقلعة المشور إلى مستشفى عسكري، ثم إلى كنيسة كاثوليكية، كما قام بتخريب القصر والقلعة.
بعد الاستقلال، عملت السلطات الجزائرية على إعادة الاعتبار لقلعة الزيانيين التاريخية، وذلك عبر سلسلة من الترميمات من أجل إعادة القلعة إلى وضعها الطبيعي، أبرزها الترميم الذي خضعت له القلعة بمناسبة تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية.