لماذا ساعد بريطانيا على استعمارها بدلاً من إسبانيا والبرتغال؟ الرحالة الإيطالي جون كابوت مُكتشف أمريكا الشمالية

عربي بوست
تم النشر: 2023/03/03 الساعة 14:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/03/03 الساعة 14:55 بتوقيت غرينتش
Shutter Stock/ الرحالة الإيطالي جون كابوت مُكتشف أمريكا الشمالية

على غرار مواطنه كريستوفر كولومبوس، كان الرحالة الإيطالي جون كابوت، يبحث عن ممر بحري، يربط من خلاله أوروبا بشرق آسيا عبر المحيط الأطلسي، لكنه ومن باب المصادفة، وصل إلى سواحل أمريكا الشمالية، ليدرك حينها أنّ القدر قاده لاكتشاف عالم جديد لم يطأه مستكشف قبله.

من هو جون كابوت، وما سبب منحه بريطانيا حقّ استعمار أمريكا الشمالية دوناً عن غيرها من الدول الاستعمارية؟

من هو الرحالة الإيطالي جون كابوت؟

جون كابوت، واسمه الحقيقي هو جيوفاني كابوتو، ولد حوالي عام 1450 في مكان غير معلوم تماماً، إذ وبحسب الموسوعة الكندية DICTIONARY OF CANADIAN BIOGRAPHY، فإنّ أقدم وثيقة رسمية تتحدث عنه هي تلك التي أصدرها مجلس شيوخ جمهورية البندقية يوم 28 مارس/آذار 1476 والتي تؤكد منح جيوفاني كابوتو جنسية البلد، وهو الحق الممنوح لكل شخص أجنبي عاش بالبندقية بشكلٍ دائمٍ لمدة 15 سنة أو أكثر.

الموسوعة ذاتها لمّحت إلى أنّ مكان ميلاد جون كابوت قد يكون "جنوة"، قبل أن يهاجر في صغره إلى البندقية.

ويُقال إنه عاش في العاصمة البريطانية لُندن مدة عامين من 1497 إلى 1498، وكان يطلق عليه هناك لقب "الفينيسي"، أي بما معناه "ابن البندقية" أو "الجينوفي" أي "ابن جنوة".

بغض النظر عن مكان ميلاده الأصلي، فإن جان كابوت كان إيطالي الأصل، والعديد من المراجع التاريخية تشير إلى أنه كان تاجراً للتوابل، ورحلاته التجارية قادته حتى الشام وبلاد الحجاز.

إضافة إلى ذلك، كابوت أيضاً بحاراً مُتمرساً وقد رسم الخرائط الأرضية والبحرية، كما كان  مُطّلعاً على رواية  الرحالة الإيطالي ماركو بولو عن الشرق الأقصى، وعلى الاكتشافات الجديدة التي قام بها رحالة آخرون برعاية حكام البرتغال وإسبانيا.

Shutter Stock/ الرحالة الإيطالي جون كابوت
Shutter Stock/ الرحالة الإيطالي جون كابوت

شرع في رحلته بدعم من الإنجليز بعدما رفضت إسبانيا والبرتغال مشروعه 

من منتصف 1490 إلى فبراير/شباط 1493، أقام كابوت في مدينة بلنسية الإسبانية، من أجل إنجاز مشروع لتطوير ميناء المدينة وتقديمه إلى ملك إسبانيا "فرناندو الثاني".

وبحكم إقامته في تلك الفترة، فإنّ كابوت يكون قد شاهد مرور الرحالة الإيطالي الشهير كريستوفر كولومبوس على مدينة بلنسية في أبريل/نيسان 1493 في طريقه إلى برشلونة لإبلاغ ملكَي إسبانيا، فرناندو وإيزابيلا، بالنجاح الباهر لرحلته إلى الغرب.

ولفتت الموسوعة الكندية التاريخية إلى أنّ جان كابوت وقبل القدوم إلى إنجلترا، قد سعى لتلقي المساعدة من حكام البرتغال أو إسبانيا لتجسيد مشروع رحلته البحرية إلى آسيا غرباً، لكن طلبه قوبل بالرفض.

ولذلك فقد نقل مشروعه لملك إنجلترا، هنري السابع، الذي كان يبحث هو أيضاً عن أراضٍ جديدة لبريطانيا. 

وصل جان كابوت إلى إنجلترا قبل نهاية العام 1495 وبحوزته مخطط للوصول إلى "كاثاي" من الغرب، ولكن بخطوط عرض أعلى وبطريق بحري أقصر من منطقة الرياح التجارية التي استخدمها كولومبوس.

و"كاثاي" هو الاسم الذي كان يطلقه الأوروبيون على الصين في القرون الوسطى، وهو المقصد الرئيسي الذي كان كريستوفر كولومبس ينوي الوصول إليه عبر ممر بحري غربي خلال رحلتيه الاستكشافيتيْن؛ الأولى في سنة 1492، والثانية في 1493، أي اكتشاف طريق بحري أقصر وأقل تكلفة لاستغلال الأسواق الغنية في شرق آسيا، ولكنه وصل إلى جزر الكاريبي بالمحيط الأطلسي، قبالة الساحل الشرقي لأمريكا الشمالية، معتقداً أنه قد بلغ جزر الهند الشرقية، ودون أن يدرك أنه قد اكتشف العالم الجديد.

وصول كابوت إلى سواحل كندا الشرقية في صيف 1497

بعد موافقة الملك الإنجليزي "هنري السابع" على تمويل رحلة جان كابوت، انطلق الأخير على متن سفينة جُهزت له أطلق عليها اسم "ماثيو"، والتي كانت كبيرة بحيث تستوعب حمولة 50 طناً، إضافة إلى 18 بحاراً. 

ووفقاً لموقع BIOGRAPHY الأمريكي، فإنّ سفينة "ماثيو" غادرت ميناء بريستول بجنوب غرب إنجلترا في مطلع شهر مايو/أيار 1497، ووصلت إلى الساحل الشرقي لأمريكا الشمالية يوم 24 يونيو/حزيران من نفس العام، أي بعد حوالي 50 يوماً من بداية الرحلة.

وبخلاف كريستوفر كولومبوس الذي دوَّن رحلاته في مذكراته اليومية، فإنّ جون كابوت لم يترك أي مخطوط شخصي يتحدث عن رحلته الاستكشافية إلى العالم الجديد، ولذلك فإنّ المكان المحدد الذي وصل إليه هذا الرحالة على متن سفينة "ماثيو" قد اختلف فيه المؤرخون.

وأوضح الموقع الأمريكي ذاته أنّ بعض المؤرخين يعتقدون أنّ جون كابوت قد حطّ الرحال بجزيرة "كاب بروتون" أو  شبه جزيرة "أسكتلندا الجديدة" بالساحل الشرقي لكندا، فيما يرى البعض الآخر أنّه وصل إلى "Newfoundland and Labrador" بأقصى شرق كندا أو حتى إلى منطقة "Maine" شمال شرق الولايات المتحدة مع الحدود الكندية. 

وشدت سفينة "ماثيو" رحالها للعودة إلى إنجلترا في يوليو/تموز 1497 ووصلت إلى بريستول في آب/أغسطس من العام نفسه؛ حيث قام الملك هنري السابع بتكريم جون كابوت بمنحه معاشاً يبلغ 20 جنيهاً إسترلينياً.

وبحسب الموسوعة البريطانية BRITANICA، فإنّ جون كابوت قد روى عند عودته إلى إنجلترا أنّ الأرض التي وصل إليها  كانت ممتازة  والمناخ فيها معتدلاً  والبحر مليئاً بما يكفي من الأسماك لإنهاء اعتماد إنجلترا على الأسماك الأيسلندية.

غموض حول مصير رحلته الثانية لسنة 1498

وفي ظل الاستقبال الحار الذي وجده من ملك إنجلترا وأعيانها، أعلن جون كابوت عزمه العودة إلى  الأرض الذي اكتشفها ومن ثمَّ مواصلة الإبحار غرباً إلى غاية الوصول إلى شرق آسيا.

وفعلاً فقد حصل، يوم 3 فبراير/شباط 1498، على تمويل جديد للقيام برحلة استكشافية ثانية، وقد كانت القافلة البحرية في هذه المرة كبيرة جداً مقارنة بالرحلة الأولى، بحيث أبحر جون كابوت في شهر مايو/أيار 1498، من ميناء بريستول، قائداً لخمس سفن، تقل 300 شخص، وبحمولة ضخمة من البضائع المختلفة، على أمل مقايضتها تجارياً مع السكان الأصليين الذين قد يجدهم في الأراضي الجديدة.

ولكن وبعد وقت قصير من انطلاق الرحلة، تضررت إحدى السفن وحاولت الرسو بإيرلندا، فيما لم يُعرف مصير السفن الأربع الأخرى، ما فتح الباب أمام فرضية تعرض الأسطول لعاصفة هوجاء، فتم التسليم بوفاة جون كابوت في سنة 1499، وفقاً لدائرة المعارف البريطانية.

أما موقع BIOGRAPHY الأمريكي، فقد أشار إلى أنّ جون كابوت لم يمُت في تلك الرحلة الاستكشافية الثانية؛ لأنّ بعض الوثائق التاريخية قد ظهرت، في الفترة الأخيرة، تتحدث عن تواجده بإنجلترا في سنة 1500، أي بعد عامين من انطلاق الرحلة الثانية، وأنّ المؤرخين قد وجدوا أدلة تشير إلى أنّ بعثته الثانية قد استكشفت الساحل الشرقي لكندا، وأنّ الكاهن المرافق للبعثة ربما يكون قد أنشأ مستعمرة مسيحية في نيوفاوندلاند (Newfoundland).

"جيمستاون" أول مستعمرة بريطانية بأمريكا الشمالية

ولكن لا توجد أي مخطوطات تاريخية تؤكد وجود تلك المستعمرة المسيحية ومصير سكانها الإنجليز، في حين أنّ الكثير من المراجع التاريخية تشير إلى أنّ أول مستعمرة بريطانية بأمريكا هي مستعمرة "جميستاون"، التي تأسست يوم 14 مايو/أيار 1607، أي بعد قرن واحد و10 سنوات من الرحلة الاستكشافية الأولى لجون كابوت.

وأوضح موقع HERODOTE الفرنسي التاريخي أنّه في ذلك اليوم رست 3 سفن  بخليج "شكسبير"، وبالضبط في منطقة تابعة للأراضي التي سمّهاها مستكشفون بريطانيون سابقون "فرجينيا"؛ تكريماً لملكة إنجلترا إليزابيث الأولى الملقبة بـ"الملكة العذراء".

وكان على متن تلك السفن 105 رجال، يقودهم السير كريستوفر نيوبورت، الذي قام بتلك الرحلة المهمة بتمويل من مجموعة من الأثرياء الإنجليز، منتظمين في شركة تسمى "شركة فرجينيا"، وبموافقة ملك إنجلترا، جيمس الأول، وذلك قصد إنجاز مهمة رئيسية، تتمثل في إقامة قاعدة دائمة على  ساحل أمريكا الشمالية؛ تحسباً لإيجاد الممر البحري الأسطوري المؤدي إلى المحيط الهادي وإلى شرق آسيا، وهو الممر الذي ثبت فيما بعد أنه لا وجود له. 

وقد أنشأ المستوطنون الإنجليز الأوائل لتلك المنطقة قلعة صغيرة أطلقوا عليها اسم  "جيمستاون"؛ تكريماً لملك إنجلترا، جيمس الأول، ثم توسعت المستعمرة شيئاً فشئياً، على الرغم من قساوة العيش في البداية بسبب الأمراض وقلة المزروعات، إضافة لهجومات السكان الأصليين.

وتوسعت المستعمرة أكثر لما تم جلب 90 امرأة من إنجلترا، في سنة 1619، قصد الزواج من الرجال الراغبين، وهي نفس السنة التي شهدت قدوم سفينة هولندية وعلى متنها 20 عبداً إفريقياً، أسهموا بسواعدهم في ازدهار المدينة التي أصبحت فيما بعد عاصمة لمستوطنة كبيرة تُسمى "مستعمرة فرجينيا" وتابعة لسلطة التاج البريطاني، بداية من العام 1624.

تحميل المزيد