كانت معركة زاما (Battle of Zama) التي وقعت عام 202 ق م، ذروة الصراع الذي اندلع بين أكبر قوتين عسكريتين في غرب المتوسط، وهما قرطاج وروما، خلال هذه المعركة نجح الجنرال الروماني بوبليوس كورنيليوس سكيبيو الملقب بسبيكو الإفريقي في الانتصار على القائد العسكري القرطاجي حنبعل، الذي كان قبل هذه المعركة بسنواتٍ قليلة على مشارف إنهاء الإمبراطورية الرومانية، والذي وصف بكونه أسوأ كوابيس روما.
معركة زاما كانت للثأر من هزيمة حدثت قبل 40 سنة
في القرن الـ3 قبل الميلاد، دخلت قرطاج وروما اللتان كانتا أكبر قوتين في البحر المتوسط خلال العهد القديم لأول مرة في نزاع على جزيرة صقلية، والتي كان يسيطر كل منهما على أجزاء منها، مما أدى إلى اندلاع الحرب البونيقية الأولى (First Punic War)، والتي استمرت من عام 264 إلى غاية 241 قبل الميلاد.
خلال هذه الحرب قاد القائد العسكري هاميلكار باركا القوات القرطاجية في هجومٍ مباغتٍ على الموانئ الرومانية والبؤر الاستيطانية على طول الساحل الإيطالي، ونجح في قطع خطوط الإمداد، ثم مهاجمة جيش الروماني.
خلال تلك الحرب كان التفوق البحري للقوات القرطاجية، التي كانت تمتلك أكبر أسطول في البحر الأبيض المتوسط، بينما كان الرومان يستخدمون فقط في الاشتباكات البرية، مع ذلك طوّرت روما من قدراتها البحرية وانتهت هذه الجولة من الحرب بانتصار روما.
بعد تلك الهزيمة للقرطاجيين، أتى قائد عسكري من أعظم القادة العسكريين في التاريخ وهو القرطاجي حنبعل، الذي أراد الانتقام وذلك بغزو روما.
بعد أن أخضع حنبعل جميع أراضي قرطاجة، انطلق بجيشٍ ضخم قوامه 50 ألف رجل وأربعين فيلاً لغزو إيطاليا عبر الأراضي الإسبانية سنة 218 ق م، ورغم خسارته للكثير من رجاله وفيلته، نجح حنبعل في عبور جبال الألب ومقاومة غارات القبائل الجبلية والعوامل الجوية القاسية.
وبعد 6 سنوات من المعارك، كان حنبعل على مشارف روما، ولم يمنعه من اقتحامها سوى نقص التعزيزات ومعدات الحصار، وفي سنة 207 ق.م، أمر حنبعل شقيقه صدربعل الذي يقود الجيش القرطاجي في إسبانيا بالانضمام إليه في حملته العسكرية الأخيرة، لكن الجيش الروماني اكتشف عبر جواسيسه طريق تقدم صدربعل شقيق حنبعل، فقاموا بعمل كمينٍ له ولجيشه ليردوه قتيلاً وبذلك أصبح حنبعل محاصراً في الأراضي الإيطالية بعد أن كان على مشارف اقتحام العامة روما.
معركة زاما التي أنقذت روما من السقوط
بعد أن كانت روما على مشارف السقوط، صعد قائد عسكري مخضرم إلى قيادة الجيش الروماني، وهو سيبيكو الإفريقي، الذي قرّر نقل المعركة مع حنيبعل من الأراضي الإيطالية إلى أراضي قرطاجة، وبالفعل بحلول عام 203 ق م، كانت قرطاج في خطر كبير بسبب هجوم قوات سكيبيو الإفريقي، الذي غزا شمال إفريقيا وفاز بمعركة مهمة على بعد 32 كم غرب قرطاج نفسها. وبناءً على ذلك، تم استدعاء الجنرالات القرطاجيين حنبعل وشقيقه ماجو من حملاتهم في إيطاليا، وبذلك أصبحت روما في مأمنٍ نسبي من هجوم حنبعل.
في سنة 202 ق م، عاد حنبعل إلى شمال إفريقيا بجيشه المخضرم البالغ قوامه 12 ألف فرد وسرعان ما جمع 37 ألف جندي للدفاع عن قرطاج، بينما مات شقيقه ماجو في طريق العودة، وفقاً لـ worldhistory.
كان لدى سكيبيو الإفريقي نفس عدد قوات حنبعل، أي حوالي 40 ألف جندي، مع انضمام القائد النوميدي ماسينيسا بحوالي 6 آلاف من جنوده إلى الجيش الروماني وخيانته لحلفائه القرطاجيين.
قبل المعركة، التقى حنبعل وسكيبيو شخصياً، ويعزو المؤرخون سبب هذا اللقاء إلى أن حنبعل أدرك أن ظروف المعركة لم تكن في صالحه، فكان يأمل في التفاوض على تسوية سخية، أو أنّ سكيبيو كان فضولياً لمقابلة حنبعل، لكنّ الثابت أنّ التفاوض قد فشل بين الرجلين لتبدأ المعركة في اليوم الموالي.
معركة زاما التي هزم فيها حنبعل القرطاجي
رتب حنبعل قوات المشاة المتنوعة في ثلاثة صفوف: يتكون الصف الأول من مشاة ليغوريان، وغاليك، وباليريك، وموريش، أمّا الصف الثاني فكان من المشاة القرطاجية الثقيلة، بينما اصطف المقاتلون اللاتينيون في الخلف.
قام حنبعل بوضع أفياله أمام المشاة، بينما وضع سلاح الفرسان القرطاجي بالجناح الأيمن، والمتعاونين من نوميديا بالجناح الأيسر.
بينما كانت خطة سيبيكو الإفريقي بأن يترك مسافاتٍ بين الوحدات القتالية كي يسهل لها التعامل مع الفيلة ومحاصرتها، وقام بقلب خطة حنبعل في تقسيم جيوشه بأنّ وضع في الجناح الأيسر سلاح الفرسان الإيطالي، وفي الجناح اليمين سلاح الفرسان النوميدي بقيادة ماسينيسا.
كان حنبعل، يركز على مهمة الفيلة باعتبارها قوته الضاربة، ولكن بسبب الذعر من ضجيج البوق والقرع الطبول الرومانية، كان سلاح الفيلة غير فعالٍ.
ثم تبنى سكيبيو التكتيكات التي استخدمها حنبعل خلال معركة كان، بحيث تم إرسال الخطين الثاني والثالث من الفيلق إلى الأجنحة وبدأوا حركة طوق تحاصر القرطاجيين الذين استمروا في القتال ضد الخط الأول.
نجح الجيش الروماني في الأخير في تكبيد القرطاجيين خسارة كبيرة في معركة زاما التي اتخذت اسمها من الموقع الذي جرت فيه، فكانت تلك الهزيمة القاسية بمثابة النهاية الفعلية للحرب البونيقية الثانية.
ورغم انتصار سيبيكو الإفريقي في زاما ودخوله إلى قرطاج، فإنه قرّر أن لا يدمر وأن يتسامح مع أهلها، بينما فرّ حنبعل بعد تلك الهزيمة.