مثَّل القرن الـ16م العصر الذهبي للبحرية العثمانية، ففي تلك الفترة برز الأسطول العثماني بصفته القوة المهيمنة على الملاحة في البحر الأبيض المتوسط، من خلال ثلة من القادة و"رياس البحر" الذين تعاقبوا على قيادة السفن العثمانية، ولعلّ أبرزهم صالح رايس الذي أنهى تحرير الجزائر من الاحتلال الإسباني، ونجح في إخضاع مدينة فاس للحكم العثماني، قبل أن يفقدها بعد ذلك.
صالح رايس.. القائد العربي الذي رافق باربروسا في حملاته
بحسب مذكرة تاريخية بعنوان "صالح رايس وإسهاماته في تحقيق الوحدة الإقليمية للجزائر"، يعدّ الرايس صالح من "ريّاس البحر" العثمانيين القلائل الذين ترجع أصولهم إلى العرب، إذ وُلد بالإسكندرية عام 1488، قبل أن ينتقل إلى مقر الخلافة العثمانية بالباب العالي في زمن السلطان سليم الأوّل.
في ظل الخلافة العثمانية تعرّف صالح على خير الدين باربروسا، الذي أعجب به وبشجاعته واقدامه في المعارك والغزوات البحرية، فانضم للعمل تحت رايته منذ وقتٍ مبكرٍ، فمنذ سنة 1529، كان صالح رايس يُعتبر في طليعة "رياس البحر" العثمانيين.
وفي سـنة 1535، وعندما استُدعي خير الدين باربروسا إلى إسطنبول من قبل السلطان سليمان القانوني، اختار خير الدين صديقه المقرب صالح رايس ضمن القادة العسكريين الذين رافقوه في رحلته لتسلّم القيادة العامة للأسطول العثماني، فقد كان برفقة سنان باشا ودرغوث رايس أثناء أفضل لحظة في مسيرة خير الدين.
كما قام خير الدين بتوليته أهم التشكيلات البحرية، ففي حملته سنة 1543 على السواحل الإسبانية، قام باربروسا بإرسال صديقه صالح إلى تولون الفرنسية على رأس 22 سفينة حربية، دكّ بها حصون الإسبان في تولون.
وفي معركة بریفیزا البحرية الشهیرة، قاد صالح تشكیلة مـن السفن، كما عرض باربروسا على صالح قيادة سفينة السلطان الشخصية، فقد كانت ثقة خير الدين بصديقه صالح رايس كبيرة جداً.
صالح رايس القائد العسكري الذي وحّد الجزائر العثمانية
في يناير/كانون الثاني 1552م، أسند السلطان العثماني سليمان القانوني حكم الجزائر إلى صالح رايس، وذلك بدلاً عن حسن بن خير الدين باربروسا.
ومنذ توليه منصب بايلر باي الجزائر، عمِل الرايس صالح على ثنائية الوحدة والجهاد، فقد سار بجيوشه، في بادئ الأمر، إلى القبائل التي رفضت الدخول تحت العباءة العثمانية، كما أنّ حملته تلك وصلت حتى الصحراء الجزائرية في ورقلة وتقرت. ونجح أخيراً صالح في إلحاق كل القبائل وحتى الصحراء بالسلطة الجزائرية العثمانية.
وبعد تحقيق الاستقرار الداخلي في الجزائر، شرع صالح في استكمال مشروع الجهاد ضد الإسبان، فقد كان يهتم كثيراً بمحاربة الإسبان، وصادف ذلك طلب أبو حسون الوطاسي من صالح رايس النجدة من السعديين وحلفائهم الإسبان، فتوجه صالح بقواته إلى فاس رفقة جيشٍ قوامه 11 ألف مقاتل و22 سفينة، حيث استطاع أن يستولي عليها ويضمّها إلى الدولة العثمانية، قبل أن يخسرها في فترة لاحقة، وذلك بعد تحالف السعديين مع الإسبان والبرتغاليين ضد العثمانيين.
ومع الضعف الذي دبّ بحامية الإسبان في بجاية وتحت ضغط الأهالي سار الرايس صالح، في يناير/كانون الثاني 1555م، نحو مدينة بجاية على رأس قوَّةٍ كبيرةٍ بلغ حجمها نحو ثلاثين ألف مقاتل، وقام بحصار المدينة، إلى أن سقطت في يد العثمانيين، وبذلك تمّ تحرير جميع الساحل الشرقي الجزائري من الإسبان.
وفاة صالح رايس المفاجئة تُنهي حملة تحرير وهران
وفقاً لمقال بحثي بعنوان: "صالح رايس بطل الوحدة والجهاد"، لم يتوقف صالح رايس عند بجاية، فقد كان أمله كبيراً في تحرير وهران التي كانت ترزح تحت الإحتلال الإسباني، فقاد بنفسه حملة عسكرية من أجل تحريرها سنة 1556، وذلك بعد أن أبلغ السلطان سليمان القانوني نيَّته تحرير وهران.
أرسل السلطان العثماني أربعين سفينةً؛ لمساعدته في تحرير وهران والمرسى الكبير، بحيث بلغ أسطول صالح سبعين سفينةً، رفقة 40 ألف جندي، وعند الوصول إلى مشارف وهران والمرسى الكبير وبدء عملية الحصار، توفي فجأةً صالح رايس سنة 1556، وذلك بعد أن أصيب بمرض الطاعون، لتتوقف الحملة العسكرية لاسترداد وهران، وتبقى المدينة الجزائرية لأكثر من قرنين تحت حكم الإسبان.