بعد الزلزال المدمر الذي ضرب عدة مدن في جنوب تركيا، وشمال سوريا، ووصلت قوته إلى 7.8 درجة على مقياس ريختر، تضررت الكثير من المواقع الأثرية والتاريخية، في البلدين، إذ انهارت أجزاء كبيرة منها، وكانت أضرارها متفاوتة، وذلك يوم 6 فبراير/شباط 2023.
وكانت الأماكن الأثرية الأكثر تعرضاً للضرر في سوريا، هي تلك الموجودة في مدينة حلب، وحماة، والسلمية، وهي نفسها المدن التي تعرضت لتدمير كبير إثر الزلزال، حسب ما أعلنت عنه مديرية الآثار والمتاحف في سوريا.
أما في تركيا، فقد اختلفت المدن التي وصلها الزلزال، والتي تحتوي على أماكن تاريخية وأثرية شهيرة، أبرزها نجد كلاً من غازي عنتاب، وملاطيا، وهي المدن التي فقدت أجزاءً من أبرز الأماكن التاريخية هناك.
قلعة حلب من بين أقدم قلاع العالم
قلعة حلب، وهي قصر محسن، يعود تاريخ بنائها إلى القرون الوسطى، وتعتبر واحدة من بين أكبر وأقدم القلاع في العالم، حيث بنيت على تل موجود وسط مدينة حلب، يعود إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد، وكان قد تم إدراجها من طرف منظمة اليونيسكو، في قائمة مواقع التراث العالمي سنة 1986.
تحتوي القلعة على عدة أبراج، تعود للحضارات المختلفة التي تعاقبت على مدينة حلب، من بينها الرومانية، والمغولية، والعثمانية.
فيما يحيط بالقلعة سور شبه دائري، ويتكون المدخل الرئيسي من بناء ضخم مؤلف من أبواب ودهاليز وقاعات للدفاع والذخيرة.
أما في أعلى القلعة فتوجد قاعة العرش الكبيرة المزينة واجهتها بالزخارف الحجرية، وبها عدة قاعات، ونوافذ كبيرة وصغيرة، تطل على حلب القديمة، بمبانيها القديمة، وكنائسها ومساجدها.
إثر الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا في شهر فبراير/شباط 2023، فقد تعرضت قلعة حلب لأضرار متفاوتة، وتصدعات في الأسوار الدفاعية، وسقوط أجزاء من الأسوار الخارجية، وكذا سقوط أجزاء من الطاحونة العثمانية.
كما تعرض الجامع الأيوبي، والمعروف كذلك بمسجد قلعة حلب الكبير، والذي بني على يد حاكم حلب غازي الأيوبي سنة 1215، لسقوط الأجزاء العليا من مئذنته.
باب أنطاكية أحد أبواب حلب القديمة السبعة
في مدينة حلب كذلك، هناك واحد من بين أشهر معالم المدينة التاريخية، وأقدمها، وهو باب أنطاكية، أحد أبواب مدينة حلب القديمة التسعة، ويقع في منتصف غرب سور المدينة.
وابتداءً من هذا الباب، يمكن الوصول إلى المحور الرئيسي لمدينة حلب، وأسواقها، لذلك كان يعتبر في منتصف القرن الثالث عشر الباب الرئيسي للمدينة، والذي يؤدي إلى شارعها الرئيسي المسمى "القصبة".
وقد شهد باب أنطاكية العديد من عمليات الترميم والتعديل على مر السنين، بسبب التخريب الذي تعرضت له المدينة، سواء بسبب الحروب أم الزلازل.
وكانت أول عملية تعديل في الباب سنة 540 بعد تدمير الفرس لمدينة حلب في عهد الإمبراطورية الجوستينيانية، فيما كان ثاني ترميم سنة 962 أيام سيف الدولة الحمداني.
أما سنة 1260 فقد تمت إعادة بناء الباب، بعدما دمرت المدينة على يد هولاكو، حفيد جنكيز خان، الذي كان قد احتل العديد من الدول في جنوب آسيا، وقتل عدداً كبيراً من أهلها، وتوسع مع جيشه حتى إيران الحديثة.
وقد تمت إعادة ترميم باب أنطاكية مرة رابعة سنة 1400 بعد أن دُمر على يد مؤسس الإمبراطورية التيمورية تيمورلنك.
كما أنه شهد عدة عمليات ترميم بسبب الزلازل التي تعرضت لها المدينة في الماضي، فيما انهارت أجزاء منه من جديد بسبب زلزال شهر فبراير/شباط، ما جعله في حاجة جديدة للترميم.
مسجد الإمام إسماعيل في مدينة السلمية
في محافظة حماة، وبالضبط في مدينة السلمية، يوجد مسجد الإمام إسماعيل، الذي بني في العهد اليوناني، حسب ما نشرته وزارة السياحة السورية.
وقد كان هذا المسجد قديماً عبارة عن معبد يوناني، ثم جعله الرومان معبداً دينياً لهم كذلك، مع إضافة بعض التعديلات على شكله الداخلي.
وفي العهد البيزنطي تحول إلى كنيسة أبرشية، إلى أن أصبح في الأخير مسجداً خلال العهد الفاطمي، وسمي بمسجد السبع محاريب، وذلك بسبب المحاريب التي كانت توجد حوله.
وخلال الفترة نفسها تم بناء قبة عالية الطراز، وتم توسيع المسجد وإضافة مكان استراحة كبير، إلا أن القبة قد هدمت بسبب زلزال قد ضرب المدينة.
وفي سنة 1976 قام المجلس الإسماعيلي الوطني في سورية بإعادة ترميم مقبرة الأئمة، وفي سنة 1993 طالب سلطان طائفة البهرة بإعادة ترميم قبة المسجد، وهو الأمر الذي حصل بعد 5 قرون من انهيارها.
وقد حصل المسجد على اسمه الأخير بسبب وجود مدفن إمامين من الأئمة الإسماعيليين، هما الإمام أحمد بن عبد الله بن إسماعيل بن جعفر الصادق "التقي محمد"، وابنه الإمام الحسين بن أحمد "رضي الدين عبد الله".
وبعد 30 سنة من آخر عملية ترميم، تعرض مسجد الإمام إسماعيل من جديد لسقوط الجزء العلوي من المئذنة، متأثراً بقوة الزلزال الذي ضرب شمال سوريا.
قلعة شميميس في محافظة حماة
في المحافظة نفسها، بالمدينة السلمية، توجد قلعة شميميس، التي يرجع بناؤها إلى أمراء حمص آل شمس غرام، الذين اختاروا تشييدها فوق قمة بركان منقرض، وذلك خلال القرن الثاني.
وقد تمت إعادة ترميم القلعة وتحسين شكلها في العهد الروماني، واستخدمت لمراقبة الطرق الحيطة، إلا أنها لم تستعمل لأي غرض عسكري نظراً لبعد موقعها عن مناطق الصراع.
وقام الملك الأيوبي شيركوه بإعادة بناء القلعة على الطراز الأيوبي، بعد أن استلم الحكم في إمارة حمص، وبقيت القلعة على الطراز نفسه إلى الآن.
وقد تمت إعادة ترميمها العديد من المرات بسبب الزلازل التي كانت تضرب المنطقة قديماً، إلا أن بها عدة بقايا من الأسوار والأبراج التي سقطت ولم تتم إعادة بنائها.
وبعد أن توسع الأيوبيون في المدينة، أصبح للقلعة دور مهم في المراقبة، لأنها كانت على القرى والمزارع المحيطة بها.
وبعد دخول العثمانيين شمال سوريا، تم استبدال قلعة شميميس بقلعة سلمية من أجل المراقبة، وذلك لأنها تعتبر بعيدة عن مركز المدينة.
وأصبحت هذه القلعة حالياً واحدة من بين أشهر المعالم التاريخية في المدينة، إلا أنها تعرضت لتدمير جزء من مداخلها، وسقوط جزء من الحجارة الموجودة في مداخل البرج الدفاعي.
قلعة غازي عنتاب في تركيا
في تركيا، وبالضبط في مدينة غازي عنتاب، توجد واحدة من بين أشهر القلاع التركية، وهي قلعة غازي عنتاب، التي تم بناؤها في العصور القديمة من قبل الإمبراطورية الحيثية.
وكان السبب في بناء هذه القلعة هو استعمالها لتكون نقطة للمراقبة، بعد مرور عدة سنوات تم توسيع البناء ليكون على شكل قلعة رئيسية خلال العصر الروماني، في الفترة ما بين القرنين الثاني والثالث بعد الميلاد.
وخضعت قلعة غازي عنتاب لمزيد من التوسع والتجديد في عهد الإمبراطور الروماني جستنيان الأول بين عامي 527 و565 بعد الميلاد.
وقبل توقيع معاهدة أنقرة بين تركيا وسوريا، كانت مدينة غازي عنتاب تنتمي إلى الأراضي السورية، وانتقلت بعد ذلك إلى تركيا سنة 1921.
تم ترميم قلعة غازي عنتاب آخر مرة بداية سنة 2000، ومنذ ذلك الوقت تحولت إلى متحف بانورامي، يعمل بشكل دوري، يعرض مختلف بطولات الدفاع عن المدينة.
وقد تعرضت القلعة لدمار كبير بعد زلزال 8 فبراير/شباط 2023، إذ دمر جزء كبير من أسوارها، وسقط حاجزها الحديدي، وكذا الجدار الاستنادي المجاور للقلعة الذي تناثر حطامه على الطريق.