انتشرت حول متاحف العالم الكبرى كمية ضخمة من تماثيل وآثار مملكة بنين البرونزية، والتي وقعت فيما يُعرف الآن بجنوب غرب نيجيريا، حيث ظلت تلك الكنوز التاريخية قابعة في المتاحف في جميع أنحاء العالم منذ ما يقرب من 125 عاماً بسبب ممارسات الاستعمار البريطاني.
ما هي آثار بنين المنهوبة وقيمتها التاريخية؟
ما يقرب من 5000 قطعة أثرية معروفة باسم كنوز بنين البرونزية، والتي يعود تاريخها التقريبي في الغالب إلى الفترة بين القرنين الثالث عشر والسادس عشر، تعود لما كان يُعرف بمملكة بنين الإفريقية.
تم نهب هذه المملكة من قبل القوات الاستعمارية البريطانية التي غزت مدينة بنين، عاصمة المملكة الثرية بالكنوز والمعادن النفيسة، في عام 1897.
وبالإضافة إلى الشعارات والتمائم والتماثيل البرونزية واللوحات والمنحوتات للأشخاص والحيوانات، تضمنت الكنوز المنهوبة منها أيضاً العديد من القطع العاجية والمرجانية والخشبية والحجرية المصنوعة بحرفية عالية.
وبحسب صحيفة The New York Times الأمريكية، فإن من أشهر تلك القطع 900 لوحة نحاسية يعود تاريخها تقريباً إلى القرنين السادس عشر والسابع عشر، والتي كانت تزخرف أعمدة القصر الملكي في مملكة بنين الغابرة قبل عقود.
تم تقدير أهمية هذه الكنوز في أوروبا منذ اللحظة التي شوهدت فيها لأول مرة في تسعينيات القرن التاسع عشر، تزامناً مع ممارسات الإمبراطورية البريطانية الاستعمارية. حيث قارنها القيّمون في المتحف البريطاني في ذلك الوقت مثلاً بأفضل المنحوتات الإيطالية واليونانية.
واليوم، لا تزال القطع الأثرية لها قيمة فنية بالغة، وقد وصفها نيل ماكجريجور، المدير السابق للمتحف البريطاني، لإذاعة BBC البريطانية، بأنها "أعمال فنية عظيمة" و"انتصارات لحرفة صب المعادن لم يسبق لها مثيل من قبل".
كيف استحوذت بريطانيا على تلك الكنوز؟
كان هدف القوات البريطانية عند نهب تلك الأراضي هو توسيع النفوذ السياسي والتجاري لبريطانيا في غرب إفريقيا، عن طريق إرسال الملك أوبا أوفونراموين من بنين إلى المنفى، وتدمير احتكاره التجاري حول دلتا النيجر واستعمار مملكته.
وبحسب مجلة National Geographic للعلوم والتاريخ، فقد جرد الغزاة الأوروبيون مدينة بنين من آلاف القطع الأثرية القيّمة.
كتب الضابط البريطاني الكابتن هربرت ساذرلاند ووكر في مذكراته أنه رأي جندياً بريطانياً واحداً على الأقل كان "يتجول بإزميل ومطرقة في القصر الملكي بعد نفي الحاكم، ويحاول انتزاع التماثيل النحاسية من الجدران وينهب أي شيء تمكنت يداه من لمسه".
وأضاف: "تم جمع كل الأشياء ذات القيمة الموجودة في قصر الملك والمنازل المجاورة أيضاً"، وبعدها عاد الجنود البريطانيون بغنيمتهم إلى بلادهم.
في غضون أشهر معدودة، كان جزء كبير من الكنوز ينتشر عبر إنجلترا. فقد تم تسليم بعض القطع الأثرية للمتاحف، أو تم بيعها في المزادات بهدف تحقيق الربح الشخصي، أو احتفظ بها الجنود كمقتنيات شخصية.
ومع ذلك، تم تسليم 4 قطع أثرية من بينها نمران منحوتان من العاج، إلى الملكة فيكتوريا كهدية من أحد الضباط رفيعي المستوى.
وسرعان ما انتهى الأمر بالعديد من القطع الأثرية في أماكن أخرى عبر متاحف وأسواق أوروبا السوداء، وفي الولايات المتحدة أيضاً.
لينتهي الأمر بالعديد من الكنوز التاريخية النيجيرية في قاعات ومخازن المتاحف في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك المتحف البريطاني الذي يصر على عرضها في صالاته حتى الآن.
المتحف البريطاني يرفض إعادة القطع الأثرية لموطنها
مع تصاعد المزيد والمزيد من نداءات خبراء التراث الذين طالبوا باسترداد القطع وإعادتها لموطنها الأصلي، تعهدت المتاحف في أكسفورد وكامبريدج وواشنطن العاصمة وأماكن أخرى بالإفراج عن معظم أو كل القطع البرونزية التي بحوزتها للمملكة النيجيرية.
المثير للجدل هو أن المتحف البريطاني، الذي يمتلك في عهدته أكثر من 900 قطعة برونزية، يرفض بدعوى قانونية إعادة أي من الكنوز النيجيرية التي بحوزته.
وبموجب قوانين المتحف البريطاني (1963) والتراث (1983)، فإن التصرف في أي من القطع الأثرية التي يرعاها ويعرضها المتحف هو قرار غير متاح أو مسموح تحت أي ظرف.
يأتي ذلك الرفض بالرغم من مشاركة المتحف البريطاني اليوم، وبنشاط، في الاستثمار المالي والرعاية الفنية لمتحف (EMOWAA) النيجيري، من خلال برنامج التاريخ والتراث الإفريقي.
أثر مدمّر على حضارة بنين التاريخية
عانت بنين من احتلال دموي ومدمّر قد لا يتم أبداً حصر نتائجه الكارثية على الحضارة الإفريقية القديمة.
وبالرغم من أنه لا يمكن حصد رقم دقيق لعدد سكان مملكة بنين الذين قتلوا في عملية استعمار المدينة، ومع ذلك، من الواضح أن العديد من الضحايا سقطوا خلال القتال المستمر.
وشهد احتلال مدينة بنين الدمار والنهب على نطاق واسع من قبل القوات البريطانية. وإلى جانب نهب الآثار والقصور الأخرى، تم حرق القصر الملكي في بنين وتدميره جزئياً. ونهبت القوات البريطانية الأضرحة، وأخذت الآلاف من الأشياء ذات القيمة التاريخية إلى المملكة المتحدة باعتبارها "غنائم حرب" رسمية أو وزعت على أعضاء البعثة حسب رتبهم.
وشملت الأشياء التي تم إزالتها من الأضرحة الملكية القديمة، رؤوساً نحاسية احتفالية للملك السابق وأنياباً عاجية عديدة.
وبحسب أرشيف المتحف البريطاني، تضمنت الأشياء المنهوبة أكثر من 900 لوحة نحاسية، يعود تاريخها إلى القرنين السادس عشر والسابع عشر، وجدت في غرفة تخزين داخل القصر.
وبعد أن زينت جدران القصر سابقاً، كانت هذه اللوحات بمثابة سجلات تاريخية رئيسية لتاريخ مملكة بنين وإرثها الحضاري.
ومع ذلك، تم تبرير هذا الحدث الاستعماري الوحشي والعنيف باعتباره عملاً عسكرياً مشروعاً ضد مملكة "بربرية"، وكان بمثابة نهاية لمملكة بنين المستقلة.