هي كاتبة وناقدة مسرحية وأديبة كبيرة عصية على التصنيف و"الأدلجة". إنها صافيناز كاظم التي لا تأبه ليمين ولا تهتم بيسار، ولا تلتفت إلى وسط. ترفض الكليشيهات والقوالب والأحكام الجاهزة المعلبة.
لا تعتذر عن رأي تراه صائباً، ولا تتراجع عن موقف تعتبره صحيحاً. إذا آمنت جاهرت، وإن اقتنعت أقرت، وإذا لم يعجبها شيء، أعلنت الرفض الصارخ الصريح. تشعل المعارك ولا تأبه للنتائج، المهم أن تقول كلمتها ثم تمضي.
صافيناز كاظم تحلق وحيدة منذ أكثر من 60 عاماً خارج فضاءات النص، متحدية الظروف ومتجاوزة المألوف، لتكون هي نفسها وذاتها ولا أحد غيرها.
تحدثت صافيناز كاظم لـ"عربي بوست" قائلة إن تفويض السيسي كان "تفويضاً بالقتل وإهدار الدم وارتكاب المجازر"، مشيرة إلى أنها كانت تأمل في أن يحصل الرئيس الراحل محمد مرسي على فرصته وفترته الكاملة في الحكم.
ولفتت إلى أن مرسي لم يكن يمتلك حضوراً ولا قبولاً ولا "كاريزما"، وأن جماعة الإخوان المسلمين لم يجهزوا أنفسهم للحكم بشكل جيد، ولم يمتلكوا برنامجاً واضحاً يمكن أن ينهض بالبلد. لذلك خسروا رهان الشعب عليهم، وفشلوا في الحصول على تأييده، على حد قولها.
وأوضحت كاظم أن المسرح يجب أن ينطلق من الرؤية الإسلامية، وأن يستند على أسس دينية وأخلاقية، وأنها ترفض -بشكل مطلق- ما يسمى بـ"علمانية المسرح"، مشيرة إلى أننا مجتمع له عاداته وتقاليده وقيمه الأصيلة الراسخة.
وأشارت إلى أن نجيب محفوظ أهان المرأة في أعماله، وأظهرها في صورة "المنتهكة"، وأن قاسم أمين لم يكن مشغولاً بتحرير المرأة، بل كان مشغولاً بمحاكاة الغرب، واتباع أساليبه الحياتية، بعيداً عن الإسلام وتعاليمه.
وأكدت الناقدة المصرية أن سيد قطب كان يسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، وأن كتبه كانت تحمل فكراً عظيماً، ومستواها الفني كان عالياً، مؤكدة أن ما أشيع عن تكفيره للمختلفين معه لم يكن حقيقياً، لكنها "افتراءات الحقبة الناصرية"، على حد تعبيرها.
وترى كاظم أن التليفزيون حالياً، لا يقدم سوى "السخف والعبط والمهرجانات الهبلة"، على حد وصفها، وأنها لم تعد تشاهده وتكتفي حالياً بمتابعة إذاعة القرآن الكريم وفيسبوك، الذي تعتبره "صندوق الدنيا" الذي تطلع من خلاله على كل الأحداث التي تجري في العالم، وتقوم عبره بإيصال ما تريد قوله.
وقالت إن المثقفين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية لم ينسلخوا عن قضيتهم الفلسطينية، ولا عن ثقافتهم العربية، رغم أنهم محاطون بكل أسباب الانسلاخ، وعلى الذين يهاجمونهم ويعلقون لهم المشانق أن يخرسوا، فهم كانوا دائماً في مقدمة الصفوف التي تحملت عبء الدفاع عن القضية الفلسطينية.
وأكدت أن زواجها من الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم لم يكن حباً أو قصة غرامية، ولكنه كان "عملية استشهادية"، بهدف انتشاله من حياة الفوضى التي كان يعيشها، لافتة إلى أن نجم لم يكن شيوعياً، وأن بعض اليساريين مثل رجاء النقاش وغيره حاولوا استمالته و"جرجرته" إلى تملق السلطة "كل سلطة"، ولكنه كان يرفض دائماً، وظل محتفظاً حتى وفاته باستقلاليته وكرامته وعزة نفسه.
وأشارت إلى فيلم "الفاجومي" الذي تناول سيرته الذاتية، كان "عملية نصب وتزييف وتلفيق ممنهجة"، ولم يقدم قصة حياة نجم الحقيقية، وكل العناصر التي شاركت فيه كانت فاشلة وهزلية.
إلى نص المقابلة كاملة:
صرخت محذرة.. لا تمنحوا السيسي تفويضاً، ثم جرى ما جرى.. متى يتوقف سلسال الدم والاعتقالات؟ كيف ترين مصر الحالية؟ وكيف تخرج من أزمتها؟
نعم، كنت أرفض ما يسمى بتفويض السيسي، وكنت أراه تفويضاً بالقتل وإهدار الدم، وارتكاب المجازر، وهو ماحدث بالفعل.
كنت أرغب في أن يحصل الرئيس محمد مرسي على فرصته وفترته الكاملة في الحكم، وأن تكتمل هذه التجربة. لكن للأسف تم وأدها في المهد، ودخلت مصر النفق المظلم، ولن تخرج منه إلا بالعودة إلى التطبيق الفعلي للشعارات التي رفعتها ثورة يناير، وهي العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.
انتخبت الرئيس الراحل محمد مرسي، فهل كان الأمر اقتناعاً أم انتقاماً من عصر مبارك ورموزه؟ وماذا لو أقيمت انتخابات نزيهة مستقبلاً، هل يمكن أن تنتخبي مرشحاً إخوانياً مرة أخرى؟
في الحقيقة أنا انتخبت الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح في الجولة الأولى من الانتخابات. وفي الإعادة انتخبت الدكتور محمد مرسي لأنني لا يمكن -بأي حال من الأحوال- أن انتخب أحمد شفيق، وهو أحد الرموز الكريهة لمرحلة مبارك المقيتة.
الحقيقة كنت أتمنى أن يدفع الإخوان بمرشح إخواني آخر غير محمد مرسي، لأنه -يرحمه الله- لم يكن يمتلك حضوراً ولا قبولاً ولا "كاريزما".
وحتي الإخوان أنفسهم لم يجهزوا نفسهم جيداً للحكم، ولم يمتلكوا برنامجاً واضحاً للحكم، يمكن أن ينهض بالبلد. كان أداء مرسي "ملخبط " ففشلوا في الحصول على تأييد الشعب الذي وثق فيه جزء كبير منهم وراهن عليه.
لكنه هو والجماعة لم يكونوا أهلاً للثقة، وفشل رهان الشعب، فخسر مرسي والإخوان كل شيء، والنتيجة الحالية أن أعداداً كبيرة منهم تقبع في السجون، والبعض في القبور، والبعض الثالث فرّ إلى الخارج.
أما فيما يتعلق بانتخابي مرشحاً إخوانياً مرة أخرى، فهذا الأمر يتوقف على الظروف السياسية ساعتها، وعلى شخصية المرشح الذي سوف يتقدم للانتخابات.
خدعك -أو خُدعت- في جمال عبد الناصر، وسجنك السادات.. فماذا عن مبارك والسيسي؟
حاز عبد الناصر شعبية هائلة وحباً جماهيرياً لا يضاهى، لكن قمعه وتسلطه وديكتاتوريته وسياساته العشوائية أوردتنا موارد التهلكة. هزائم متعددة لم يكن لها أي مبرر.
حتى ما اعتبروه انتصاراً، وأقصد العدوان الثلاثي في عام 1956، لم يكن انتصاراً عسكرياً، ولكن يمكن اعتباره نصراً سياسياً جاء على أرضية المتغيرات التي كانت تجري في العالم ساعتها، ورغبة الولايات المتحدة في وراثة إرث بريطانيا في المنطقة.
أما السادات فكان ممثلاً فاشلاً، لم يؤمن بالديمقراطية إيماناً حقيقياً، فقد اعتقلت في عهده ثلاث مرات، ويكفي عاره الأبدي بإهداره انتصار أكتوبر/تشرين الأول عام 1973 باتفاقية العار المسماة "كامب ديفيد".
ولا ننسى كذلك أنه أطلق زوجته السيدة جيهان لتفتي في كل شيء عن غير علم، فحاربت الحجاب الذي أسميه غطاء الشعر، وادعت أنه ليس من الدين، وشرعت وسنت القوانين، فعلت كل ما تريده دونما رقيب.
بالنسبة لمبارك فكان موظفاً بدرجة رئيس، وشهدت فترة حكمه الطويلة فساداً هائلاً، وسعى في بجاحة منقطعة النظير لتوريث الحكم إلى نجله جمال. لكن يكفيه ذل الإطاحة به في ثورة 25 يناير.
أما السيسي فقد أدخلنا النفق المظلم و"سكة اللي يروح ما يرجعش"، ولم يعد مؤهلاً للاستمرار في الحكم.
قلت إن المسرح العربي يجب أن ينطلق من الرؤية الإسلامية، كي نستطيع تقديم فن جديد يقف أمامه المتفرج الأوربي.. فكيف سيكون شكل ولون ومضمون هذا الفن بالضبط؟
نعم، يجب أن تكون هناك أسس دينية وأخلاقية تستند عليها الفنون ومنها الفن المسرحي. وأرفض -بشكل مطلق- أي حديث عما يسمي بـ"علمانية" المسرح، وضرورة تحرره من الدين والثوابت الأخلاقية.
لا يجب تقديم أي نص يروج للمفاهيم الخارجة والغريبة عن مجتمعنا، مثل الحديث الدائر هذه الأيام عن المثلية الجنسية مثلاً. نحن مجتمع لنا عاداتنا وتقاليدنا المحترمة الثابتة، وقيمنا الأصيلة الراسخة، فلا يصح بأي حال من الأحوال تجاوزها.
تحدثت في كتابك "مسرح المسرحيين" عن "موت المسرح"، فما الذي دفعك إلى هذا التصريح؟ وما هي روشتة إحياء هذا الفن؟
لم أقصد طبعاً موت المسرح كفن. ما قصدته هو ذلك النوع من المسرح الذي أسماه المسرحي الإنجليزي الكبير بيتر بروك في كتابه الشهير "المساحة الفارغة" بـ"المسرح المميت"، وهو المسرح التقليدي الكلاسيكي، مسرح نمطي ومتكرر، بطيء وعاجز، يثير داخلك الإحساس بالضجر الشديد والملل والرتابة، والشعور بالغثيان وانقباض القلب.
لكي يحيا المسرح ويزدهر، يجب أن تتكامل جميع عناصره، وأن تصبح في حالة "هارموني" من النص الجيد والإخراج الواعي والإضاءة المناسبة والديكور الذي يستطيع توصيل الرسالة. بالإضافة طبعاً إلى اختيار الممثلين القادرين على توصيل الهدف الذي يدعو إليه النص.
قلت في كتابك "رؤى وذات" إن نجيب محفوظ لم يحترم المرأة في أعماله، كيف ذلك؟ وماذا رأيت في أعماله دفعك إلى هذا التصريح؟
نجيب محفوظ أهان المرأة في أعماله الروائية، وأظهرها في صورة الشخصية "المنتهكة الممتهنة" دائماً، ولنا في شخصية "أمينة" في رواية "بين القصرين"، ومعظم أعماله الأخرى، الشواهد والأدلة على ذلك.
ليست هذه المرأة المصرية، المرأة المصرية قوية ومحترمة ولها مواقف تاريخية، ودورها في ثورة 1919 يعرفه ويقدره الجميع.
هاجمت قاسم أمين وقلت إنه لم يكن مشغولاً بتحرير المرأة بل بتقليد أوروبا، ما هو مفهوم تحرير المرأة في رأيك؟ وكيف تقيّمين وضع المرأة المصرية حالياً؟
نعم، قاسم أمين لم يكن مشغولاً أبداً -كما ادعى- بتحرير المرأة، فقضيته الأساسية كانت الدعوة إلى "محاكاة أوروبا". سبق أن صرحت برأيي هذا في كتابي "في مسألة السفور والحجاب".
قاسم أمين أسهم وبجدارة في الانحراف بالنهضة، من نهضة مصرية عربية إسلامية إلى نهضة ثقافية اجتماعية محاكية مستهلكة لإنتاج مصانع الفكر الغربي ونافذة عرض دعائي له، فكان يدعو بحماس إلى تقليد الغرب ونظام معيشته، وتربية الأولاد على المدنية الغربية، أي اتباع الغرب في كل أحواله بعيداً عن الإسلام وتعاليمه.
ترفضين الإخوان وتؤمنين بسيد قطب، كيف ذلك وقطب يعتبر أحد أهم منظري الجماعة ورمزاً من رموزها؟
قرأت كتب وكتابات الشهيد سيد قطب كلها، وعلى رأسها كتابه الموسوعي العظيم "في ظلال القرآن" وكتابه المرشد "معالم على الطريق" وكتابه المهم "العدالة الاجتماعية في الإسلام" الذي صدر عام 1947 في العهد الملكي، والذي ندد من خلاله بالظلم الاجتماعي، ودعا إلى تحقيق العدالة الاجتماعية.
الحقيقة أن كتبه تحمل فكراً عظيماً، ليس في الثقافة الإسلامية فقط، بل في الثقافة كلها. كان مستواها الفني عالياً، وكان متمكناً من أدواته، يمتلك الرؤية الثاقبة، والإجادة التامة.
وبالمناسبة هو لم يكفّر أحداً، كل هذا الكلام إشاعات وافتراءات روج لها نظام عبد الناصر الديكتاتوري.
ما تقييمك للأدب المصري والعربي حالياً؟ لمن تقرأ صافيناز كاظم؟ من أعجبك ولفت انتباهك؟
الحقيقة هي أنني أجد صعوبة حالياً في القراءة بشكل ممنهج، وبالتالي لا أستطيع أن أصدر أحكاماً دقيقة أو آراءً صائبة.
لكن الوحيدة التي أقر وأشهد لها بالفرادة هي الأديبة سلوى بكر، فهي كاتبة مختلفة، ولها نظرة ثاقبة، وأعمالها مدهشة وفائقة وفارقة، وتناطح نجيب محفوظ ويوسف إدريس ويحيى حقي في الموهبة، لذلك أطلقت عليها لقب "عميدة الأدب العربي".
ما رأيك في الإعلام المصري والعربي حالياً؟ وهل هناك برامج تحرصين على مشاهدتها؟ وما الذي يحتاجه الإعلام كي يتبوأ مكانة لائقة في العالم؟
لا أشاهد التلفزيون منذ أكثر من 6 سنوات. التلفزيون لم يعد يقدم شيئاً سوى السخف والعبط ونقل "المهرجانات الهبلة".
صرت الآن اكتفي بـ"فيسبوك" الذي أعتبره "صندوق الدنيا" أو "البلورة السحرية"، فأنا أستطيع من خلاله معرفة أي أحداث تحدث في العالم وفي لحظتها، كما أنني أستطيع أن أنشر آرائي في المواضيع المختلفة، ومنها ما يمكن أن يحدث صدىً كبيراً، وتنشرها الجرائد والمواقع المختلفة.
وماذا عن الإذاعة؟
أكتفي بإذاعة القرآن الكريم، وأراها تقدم برامج جيدة، ومنها برنامج "وصايا من القرآن والسنة" الذي يتحدث خلاله الدكتور علي الله الجمال، إمام مسجد السيدة نفيسة، حديثاً راقياً ومحترماً. كما أنني أحرص على متابعة الدكتور محمد نبيل غنايم.
ولكن -للأسف الشديد- هناك بعض الأصوات التي لا تعجبني مثل صوت الدكتورة هاجر سعد الدين، فهي تتحدث بطريقة منفرة وطاردة وبشعة، فضلاً عن أنها لا تتوقف عن مقاطعة الضيوف وإحراجهم. هي كانت إدارية جيدة أثناء توليها رئاسة إذاعة القرآن الكريم، ولكن أداءها كمذيعة فحدث ولا حرج.
وهناك مذيعة أخرى لن أذكر اسمها، متكبرة ومغرورة، ولا تعرف عن أصول العمل الإعلامي شيئاً، فهي تستضيف الدكتور العالم ثم تتولى الحديث، فتصبح هي المضيف والضيف في آنٍ واحد.
كنت صديقة للشاعر الفلسطيني محمود درويش، ألم يكن يؤرقك أنه كان حاملاً للجنسية الإسرائيلية وكان عضواً بالحزب الشيوعي الإسرائيلي وكان يحضر المؤتمرات الخارجية تحت هذا المسمى؟ كيف تتعاملين مع "مأزق الهوية" الذي يعيشه بعض المثقفين الفلسطينيين والعرب؟
المثقفون الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية لم ينسلخوا عن قضيتهم الفلسطينية، ولا عن ثقافتهم العربية، رغم أنهم محاطون بكل أسباب الانسلاخ. هويتهم فلسطينية عربية بامتياز، وأكدت وتؤكد الأحداث دائماً على هذا الأمر.
أقول لكل المتنطعين الذين يهاجمونهم ويعلقون لهم المشانق عليكم أن تخرسوا، فالكتاب والشعراء الذين عرفوا باسم "شعراء الأرض المحتلة" كانوا في مقدمة الصفوف التي تحملت عبء الدفاع عن القضية الفلسطينية، قضية كل العرب.
تحديت الجميع وأبديت إصراراً كبيراً على الزواج من الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم، على الرغم من المعارضة الواسعة التي أبدتها أسرتك لهذا الزواج، لماذا كان كل هذا الإصرار؟ ماذا رأيت فيه؟ ولماذا حدث الفراق ووقع الطلاق؟
الحقيقة أن مسألة زواجي من نجم لم تكن حكاية حب أو قصة غرام، ولكنها كانت "عملية استشهادية". فكل ما في الأمر أنني شعرت بأن نجم عندما طلب الزواج مني، وكأنه يستجير بي كي أنتشله من حياة الفوضى التي كان يعيشها.
هنا استحضرت قصة حياة عبد الله النديم "العودة إلى المنفى" للأديب أبو المعاطي أبو النجا، والتي كنت قد انتهيت للتو من قراءتها، والذي عاني كثيراً من المطاردة والعوز والحاجة. هنا قررت أن "أفدي" نجم وأتزوجه، مستندة على مواقفه المبدئية في الحياة، وتقديراً وامتناناً لآرائه ضد الطغاة والمستبدين.
الحقيقة أن أمي وأصدقائي عارضوا جميعاً هذا الزواج، ولم يساندني سوى أشقائي، فنجم -ساعتها- كان مغموراً ومجهولاً، ولم يكن له أي صيت. فضلاً عن أنه كان "رد سجون"، وبالتالي كان الإصرار على رفض هذا الزواج.
لكنني أصررت على الزواج وأصبح نجم مشهوراً، وصار يظهر في التليفزيون، وقالت لي أختي إن والدتي لو كانت شاهدته قبل وفاتها لأسعدها هذا الأمر كثيراً.
لماذا رفض اليساريون ارتباطك بالشاعر أحمد فؤاد نجم؟ هل خشوا على موهبته منك؟ هل خافوا أن تقومي بـ"فرملة" اندفاعاته وتهذيب فوضويته وعشوائيته فيخسر الجميع شاعراً كبيراً؟
أنا مرفوضة من اليسار ومن اليمين، أنا دائماً وحيدة في سباحة حرة، بعيداً عن التصنيفات والأيديولوجيات، أنا عابرة للتصنيفات وضد "الاسطمبات" والمعلبات والأشياء الجاهزة. أنا لا أحترم سوى تصوراتي، ولا أخضع لغير اختياراتي. أنا لي تجربتي الخاصة والفريدة.
أنا مسلمة وموحدة بالله، وأعرف الحلال من الحرام، وأدرك الحق من الباطل، ونجم لم يكن شيوعياً، باعترافه بلسانه وسلوكه. فعندما أخبرته بما يقولونه عنه بأنه شيوعي، قال لي "غير صحيح. أنا مش شيوعي".
وفي فترة زواجي منه تأكدت -بالفعل- أنه غير شيوعي. كان يمكن أن يرتكب بعض المعاصي العادية، ولكنه لم يعتنق أبداً الفكر الشيوعي، بل على العكس، كان متيماً بسيدنا محمد وسيدنا الحسين.
أما فيما يتعلق باليساريين، فهم في الغالب غير موهوبين، ومن لمع منهم لمع بمجهوده الخاص وفعله الشخصي فقط، وليس للفكر اليساري أي دور في لمعانهم أو تميزهم. بعضهم -وعلى رأسهم رجاء النقاش- حاولوا استمالة نجم و"جرجرته" إلى تملق السلطة "كل سلطة"، وإغرائه بالجوائز والمغانم، ولكنه رفض رفضاً مطلقاً، ولقنهم درساً في فنون الاحتفاظ بالكرامة واحترام النفس.
لماذا أغضبك فيلم الفاجومي؟
فيلم الفاجومي لم يكن فيلماً، ولكنه عملية تلفيق ونصب ممنهجة. لم يقدم حقيقة نجم كشاعر وإنسان، فلقائي بنجم ليس كما جاء في الفيلم، وكذلك مسألة وطريقة اعتقالي.
كما أنني كنت ارتديت الخمار أثناء فترة زواجي بنجم، ولم أكن سافرة كما ظهرت كندة علوش التي جسدت شخصيتي. واختيار خالد الصاوي لتجسيد شخصية نجم لم يكن موفقاً، فالصاوي فشل في "تلبس" روح نجم، وفشل -كذلك- في تقديم التفاصيل الخاصة بطريقة إلقاء نجم لأشعاره، فضلاً عن الاختلاف في الملامح الشكلية والجسدية.
مؤلف الفيلم ومخرجه عصام الشماع، كان محرفاً ومزيفاً وملفقاً، ولم يقدم حياة نجم الحقيقية. باختصار كل العناصر التي شاركت في الفيلم كانت فاشلة تماماً، لذلك ظهر الفيلم بهذا الشكل الهزيل والمضحك.
هل صافيناز كاظم ببنطالها الجينز وشعرها المكشوف هي -فكرياً وسياسياً- صافيناز كاظم المحجبة؟ وهل تغيير سمت وشكل اللبس والمظهر سبقه تحولات فكرية أدت إلى هذا الأمر؟
أنا لم أكن يوماً يسارية ولا يمينية، ولا تعنيني على الإطلاق مثل هذه التصنيفات. أنا سلوكي لم يتغير تقريباً طوال مراحل عمري المختلفة، ودائماً كان لدي بعد إيماني كبير.
بدأت الصلاة من سن 7 سنوات، وكان يوم الجمعة في بيتنا له خصوصيته وروحانيته، من ناحية الاستعداد لصلاة الجمعة، ورائحة البخور التي تعبئ كل ركن من أركان المنزل.
أما فيما يتعلق بمسألة الحجاب، فعندما كنت عائدة من أداء فريضة الحج في يناير/كانون الثاني 1972، جاءت جلستي في الطائرة إلى جوار عالم دين جزائري، فسألته عن جواز العودة إلى ارتداء الملابس العادية بعد ملابس الإحرام، فأجابني بأن ما أرتديه الآن هو الملابس العادية، ففهمت مقصده، فالتزمت من ساعتها، وإلى الآن أنا بالزي الذي أراه شرعياً، وهو الخمار.
أقمت ودرست بالولايات المتحدة، وسافرت إلى أوروبا، لماذا تقدموا هم وتعثرنا نحن؟ ما الذي ينقصنا؟
هم تقدموا لأنهم نظم ديمقراطية تمتثل للشعب وصوته وإرادته، وتؤمن بتداول السلطة. ولكنهم -برأيي- سقطوا في نواحٍ أخرى مثل ما يتعلق بالقيم والأخلاق.
أما سبب تخلف العرب فيعود إلى أن النظم التي تتابعت على حكم الشعوب العربية، فهي نظم ديكتاتورية بامتياز، ويمكن اعتبارها "احتلالاً داخلياً" لأنهم حكمونا بمنهج المحتل الأجنبي، ولكن بوجوه وأسماء محلية.
نراك تثقين بالأبراج وقراءة الكف ووشوشة الودع، هل يتسق ويتفق ذلك مع النقد المسرحي الذي يقوم على أسس وأطر علمية دقيقة؟
لا أستهدف باهتمامي بالأبراج الرجم بالغيب، أو استكشاف المستقبل وفك طلاسمه، لكن الأبراج -علمياً- لها تشكيلات معينة، يمكن عن طريقها استخلاص نتائج معينة. كما أن هناك "مشتركات" تجمع بين الأفراد الذين يولدون في فترة معينة.
ولدينا سورة "البروج" التي يقسم فيها الله بالبروج، وهي النجوم الكثيرة والعظيمة المنتشرة في أرجاء السماء، وهي تعكس معاني وحقائق غير مباشرة.
لو طلبنا منك -أخيراً- أن تقيمي مشوارك في الفن والحياة.. فماذا ستخبريننا؟
الحمد لله رب العالمين. ربنا سترها معايا.
من هي صافيناز كاظم؟
ولدت صافيناز كاظم عام 1937 بمحافظة الإسكندرية في مصر. حصلت على ليسانس آداب قسم صحافة من جامعة القاهرة عام 1959، وبعد تخرجها بعام واحد سافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة النقد المسرحي.
في عام 1962 حصلت على دبلوم الدراسات العليا في الصحافة، والفنون المسرحية، من جامعة كانساس الأمريكية. وفي عام 1966 حصلت على درجة الماجستير في النقد المسرحي من جامعة نيويورك، ثم عادت إلى مصر في العام ذاته.
عملت صحفية تحت التمرين وهي طالبة في السنة الأولى بالجامعة بمؤسسة أخبار اليوم، وفي قسم الأبحاث بمجلة آخر ساعة، ومجلة الجيل الجديد. ثم انتقلت إلى دار الهلال لتمارس الكتابة في فنون العمل الصحفي المختلفة وفي النقد المسرحي بمجلتي المصور والكواكب.
في عام 1971 فصلت من العمل بمجلة المصور، لمدة 12 عاماً بأمر من يوسف السباعي، رئيس مجلس إدارة دار الهلال ورئيس تحرير المصور حينئذ. استمر المنع بأمر من أمينة السعيد، التي خلفت السباعي في رئاسة مجلس إدارة دار الهلال بسبب معارضتها لاتفاقية كامب ديفيد.
تعرضت صافيناز كاظم للاعتقال 3 مرات في عهد الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات. المرة الأولى عام 1973، وكانت حاملاً في ابنتها نوارة نجم، وخرجت قبل الولادة بقليل.
أما المرة الثانية فكانت عام 1975. والمرة الثالثة والأخيرة كانت عام 1981 خلال ما يعرف بـ"اعتقالات سبتمبر" الشهيرة.
سافرت عام 1975 إلى العراق هرباً من التضييق عليها في مصر لانتقادها نظام حكم السادات، وقامت بتدريس مادة الدراما بكلية الآداب في جامعة المستنصرية بين عامي 1975 و1980.
أصدرت الكاتبة الكبيرة حوالي 15 كتاباً، طافت خلالها بجميع فنون الكتابة، وتناولت فيها بالمناقشة والنقد والتشريح والتحليل القضايا التي شهدتها مصر والعالم العربي على مدى أكثر من 60 عاماً، ما بين سياسية ودينية واجتماعية وفنية وثقافية وغيرها.