يغطي ما يقرب من ثلاثة أرباع عالمنا، جسم مائي عملاق من المياه المالحة، ومع أن الجميع يعرف أسماء "المحيطات" في المناطق الخمس الرئيسية داخل هذا الجسم المائي العملاق، وهي: المحيط الهادئ، والمحيط الأطلسي، والمحيط الهندي، والمحيط المتجمد الشمالي، والمحيط الجنوبي، لكنها معاً تشكل ما يُعرف باسم "المحيط العالمي".
في المتوسط يبلغ عمق المحيط نحو 3688 متراً. ولكن في أماكن معينة، ينخفض قاع المحيط إلى أعماق مذهلة حقاً، وتختلف فيها الظروف البيئية، حتى تكاد تبدو كأنها كوكب آخر.
عمق المحيط ليس واحداً
لقياس عمق المحيط، يستخدم العلماء أجهزة السونار المثبتة على السفن، ترسل السفينة نبضات من الأمواج الصوتية، وتقيس العمق بناءً على سرعة عودة الصوت، بعد أن يصطدم بقعر المحيط.
وبواسطة هذه الطريقة، تم تقدير متوسط عمق المحيط بنحو 3688 متراً، لكن العديد من مناطق المحيطات قد تكون أكثر ضحالة أو أعمق.
ويختلف عمق المحيط في تلك المناطق اختلافاً كبيراً، على أساس الجغرافيا تحت الماء. فتختلف المسافة بين قاع المحيط وسطح الماء، بحسب الأودية أو السلاسل الجبلية تحت الماء، أو حتى مجموعة من المعالم الأخرى.
أعمق الأماكن في المحيط
بحسب دراسة نُشرت عام 2019 في دورية "Earth-Science Reviews"، استخدمت هذه الدراسة البيانات والأبحاث المتاحة، لتحديد أعمق الأماكن في المحيط. وهذا ما وجده مؤلفو الدراسة:
1- أعمق نقطة بالمحيط المتجمد الشمالي موجودة في مكان يسمى "مولوي هول"، وتقع على عمق 5669 متراً تحت سطح الماء. ولتقريب الصورة أكثر عن هذا العمق، فأنت تستطيع وضع 7 أبنية بطول برج خليفة بعضها فوق بعض، وستظل جميعها تحت سطح الماء.
2- أعمق نقطة بالمحيط الهندي موجودة في جزء من خندق "سوندا"- المعروف سابقاً باسم "خندق جاوة"- على عمق 7290 متراً تحت الماء. ويمتد هذا الخندق نحو 3200 كم، في قوس على طول أرخبيل جنوب إندونيسيا.
3- بالنسبة للمحيط الجنوبي، الذي يحيط بالقارة القطبية الجنوبية، يمكن العثور على أعمق نقطة به، في "خندق ساندويتش" الجنوبي على عمق 7385 متراً.
4- في المحيط الأطلسي، تقع أعمق نقطة في مكان معروف باسم "ميلووكي ديب" في خندق بورتوريكو، على عمق 8408 أمتار، وهو ما يعادل ارتفاع طبقة التروبوسفير عن سطح الأرض، وهي الطبقة الأولى من طبقات الجو وأقربها إلى الأرض.
5- أما أعمق مكان في المحيط على الإطلاق، فموجود في خندق ماريانا، الذي يقع شرق جزر ماريانا، بالمحيط الهادئ. يحتوي الخندق على موقع يُعرف على الخرائط باسم "تشالنجر ديب" أو "التحدي العميق". وهو أعمق بقعة ليس فقط في المحيط الهادئ، بل في المحيط العالمي بأكمله.
هذه النقطة عميقة لدرجة يصعب معها قياس العمق الحقيقي لتلك النقطة بشكل حاسم، لكن من خلال تقدير متحفظ إلى حدٍ ما، تؤيده دراسة نُشرت عام 2019، فإنَّ قاع المحيط عند هذه النقطة يصل إلى عمق 10925 متراً تحت سطح الماء.
وهو ما يعني أنه إذا وضعت جبل إيفرست في هذا الخندق فستظل قمته تحت الماء بأكثر من 1.9 كم.
كيف هو الوضع في أعماق المحيط؟
في منطقة "تشالنجر ديب"، يكون الضغط أكبر بنحو 1000 مرة مما نشهده عند مستوى سطح البحر. ودرجات حرارة الماء قريبة من التجمد، وكل شيء يكتنفه الظلام المطلق.
ورغم أن المكان هناك بارد ومظلم، فإن أعمق جزء من المحيط مكان صاخب. في عام 2015، قام فريق باحثين من الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، وخفر السواحل الأمريكية، وجامعة ولاية أوريغون، بإلقاء (ميكروفون مقاوم للماء) في تشالنجر ديب.
في غضون 23 يوماً، كانت سعة بيانات الجهاز ممتلئة. بعد تحليل التسجيلات، أبلغ الباحثون عن سماع ظواهر طبيعية مثل الزلازل ونداءات الحيتان، إضافة إلى أصوات من صنع الإنسان، مثل محركات القوارب كان يتردد صداها هناك.
مخلوقات تعيش في أعماق المحيط
تشمل حيوانات خندق ماريانا: مزدوجات الأرجل، وخيار البحر الصغير، والتي تعيش جميعها في قاع أعمق نقطة بالمحيط. تعيش هذه المخلوقات بهذه الأعماق في الظلام الدامس والضغط الشديد، وتستهلك المواد الكيميائية، مثل الميثان أو الكبريت، أو تلك الموجودة في أسفل السلسلة الغذائية من عوالق.
لسوء الحظ، لا توجد أدلة كثيرة لدراستها بسبب المخاطر الشديدة لاستكشاف أعماق البحار. ومع وجود أكثر من 80% من المحيطات غير مستكشفة، فإن إمكانية ظهور أنواع جديدة هائلة. ولكن إليك ما تمكن العلماء من اكتشافه لغاية اليوم.
1- قنديل البحر المضيء
لم يعرف العلماء عن هذا النوع بعينه إلا مؤخراً في عام 2016. ويُعتقد أنه على الأرجح حيوان مفترس، أعضاؤه الصفراء الموجودة في رأسه مخصصة للتكاثر، بينما الأعضاء الحمراء مخصصة للهضم.
2- القرش الشبح
تعيش هذه السمكة في المحيط منذ 400 مليون سنة، لكن نادراً ما يجدها الناس. ورغم أن شكل هذا القرش قد يكون مخيفاً، فإنه ليس بضخامة سلفه الذي عاش في العصور القديمة، والذي وصل وزنه إلى 100 طن.
3- سمكة الأفعى
هذه السمكة تبدو كأنها خرجت من أحد أفلام الرعب، وتعتبر من أندر سكان خندق ماريانا. تغوص خلال النهار بأعمق ما يمكن؛ لتجنب أي ضوء للشمس، ولكن في الليل يمكن العثور عليها في المياه الضحلة.
ومن السمات المميزة لهذا المخلوق أسنانه الحادة التي تشبه إلى حد كبير، الأنياب الطويلة الخارجة من رأسه.