تُعرف "حرب أروستوك" أيضاً باسم حرب "الخنازير والفاصوليا"، وقد وقعت في القرن التاسع عشر بين الولايات المتحدة الأمريكية والإمبراطورية البريطانية؛ أو بالأصح بين ولاية "مين" الأمريكية ومقاطعة "نيو برونزويك" الكندية، التي كانت في تلك الفترة مستعمرة بريطانية.
ما يميّز تلك الحرب غرابتها؛ فهي من الحروب النادرة تاريخياً التي لم يُقتل فيها أحد، والمثير للاهتمام أيضاً أن السلاح لم يُستعمل فيها إلا مرةً واحدة، وبسبب دب.
انطلقت شرارة حرب أروستوك بسبب نزاعٍ حول منطقة حرجية شاسعة تقع في وادي أروستوك، الذي كانت تتقاسمه كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، قبل أن يدّعي كل طرفٍ أحقيته الكاملة في ملكيته، منذ استقلال الأولى عن بريطانيا.
لكن أولاً، كيف استقلت الولايات المتحدة عن بريطانيا؟
قبل حرب أروستوك، كانت العلاقات بين إنجلترا ومستعمراتها الأمريكية قد بدأت في التدهور منذ العام 1763، على خلفية الإصلاحات المالية التي اتخذتها الحكومة البريطانية، حين أجبرت مستعمراتها على الشراء والبيع من التجار البريطانيين.
كما فاقمت سلسلة الإجراءات الضريبية التي أقرّها البرلمان البريطاني من الوضع، وخاصة قانون الشاي، الذي أدّى إلى تمردٍ واسع في مدينة بوسطن ومدن أمريكية أخرى، خلال شهر ديسمبر/كانون الأول 1773.
سُمّي التمرد بـ"حفلة شاي بوسطن" Boston Tea Party، وقد كان بمثابة مقدّمة لتحالف المستعمرات البريطانية في أمريكا ودخولها في حربٍ مفتوحة ضد إنجلترا، مع بداية أبريل/نيسان 1775.
وفي 4 يوليو/تموز 1776، صوّت ممثلو المستعمرات الثلاث عشر على إعلان استقلال الولايات المتحدة الأمريكية عن بريطانيا، وتعيين جورج واشنطن قائداً لجيشٍ من الميليشيات، يفتقر إلى الخبرة العسكرية والعتاد الحربي العصري.
وفي ظل تلك الظروف، سعت الجمهورية الأمريكية الفتية للحصول على مساعدة فرنسا، العدو اللدود لإنجلترا في تلك الفترة.
لكن ملك فرنسا، لويس السادس عشر، تردد في مدّ يد العون إلى الولايات المتحدة، فاكتفى بإرسال عددٍ قليل من العسكريين الفرنسيين من أجل التطوع بشكلٍ فردي في القوات الأمريكية، أبرزهم الماركيز دي لا فاييت.
ثم دخلت فرنسا الصراع بشكلٍ رسمي عام 1778، وساهمت بجنودها وضباطها في ترجيح كفة النزاع لصالح الجيش الأمريكي، وخاصة في معركة "يوركتاون" التي استسلم خلالها جيش الجنرال البريطاني شارلز كورنواليس عام 1781.
أنهت معركة "يوركتاون" الحرب على الأرض، ولكنها استمرت سياسياً إلى غاية اعتراف بريطانيا باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية في سبتمبر/أيلول 1783، خلال معاهدة باريس من قِبل ممثلي ملك بريطانيا العظمى والولايات المتحدة الأمريكية.
وقد رسمت معاهدة باريس الحدود بين الإمبراطورية البريطانية في أمريكا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية، فتمّ اختيار نهر "سانت كروا" للحدود الشرقية الطبيعية بين البلدين. وتضمنت التفاصيل حقوق الصيد واستعادة الملكيات وأسرى الحرب الثورية الأمريكية.
ولكن، وفقاً لـ"دائرة المعارف الكندية"، فإن صياغة المعاهدة لترسيم الحدود كانت غامضة، وجاء فيها: "الزاوية التي تتشكل من خط مستقيم باتجاه الشمال، من منبع نهر سانت كروا إلى المرتفعات، ثم على طول تلك المرتفعات التي تفصل الأنهار التي تصب في نهر سانت لورانس عن الأنهار التي تصب في المحيط الأطلسي، إلى أقصى منبع لشمال غرب نهر كونيتيكت".
تُرك الجزء الغربي من الحدود للتفسير حسب مصالح كل طرف؛ كانت بريطانيا تُطالب بأراضٍ نحو الجنوب إلى غاية نهر أروستوك، فيما كانت الولايات المتحدة تريد الأراضي الشمالية حتى نهر سانت لورانس، ولم يكن الطرفان مستعدين للتنازل عن شبرٍ من المنطقة المتنازع عليها.
تحول مدينة "مين" إلى ولاية أمريكية زاد من التعقيد
رغم بقاء منطقة "مداواسكا" تحت الإدارة البريطانية وتابعة لمقاطعة نيوبروزويك الكندية، فقد كان مسموحاً للأمريكيين القاطنين على الحدود باستغلال غاباتها الشاسعة في الصيد أو في جمع الحطب؛ في انتظار إيجاد تسوية سياسية للنزاع.
بقيَ الوضع على حاله، مع بعض التوترات الخفيفة من حينٍ إلى آخر، حتى طرأ حدثٌ سياسي مهم في الولايات المتحدة عام 1820، غيّر من شكل الصراع. فقد استقلّت مدينة "مين" عن ولاية ماساتشوستس، لتصبح الولاية الأمريكية رقم 23.
اتخذ السياسيون المحليون موقفاً أكثر صرامة بشأن مطالبتهم بـ"مداواسكا"، وذهبوا إلى حدّ إظهار القومية المتطرفة لحمل السلطات الولائية على بسط سيطرتها الكاملة على المنطقة المتنازع عليها.
وقد زاد من تأجيج الوضع وصول أمريكيين جدد إلى منطقة "مداواسكا" واستقرارهم فيها، أبرزهم "جون باركر" الذي بلغت به الجرأة إلى حدّ إعلانه يوم 4 يوليو/تموز 1827 استقلال جمهورية مداواسكا عن بريطانيا بهدف ضمّها لاحقاً للولايات المتحدة الأمريكية.
لم تتأخر السلطات البريطانية في اعتقال باركر الذي أمضى أشهراً خلف القضبان، قبل محاكمته وإدانته بتهمة إثارة الفتنة والتآمر، والحكم عليه بالسجن لمدة شهرين وغرامة مالية بـ25 جنيهاً.
وبسبب التوترات المتزايدة في المنطقة، طلبت الحكومتان البريطانية والأمريكية من ملك هولندا، ويليام الأول، التوسط في النزاع الحدودي. فتوصل الملك في سنة 1831 إلى إعلان نهر سانت جون بمثابة حدودٍ طبيعية بين البلدين.
ولكن، رغم إبداء بريطانيا والولايات المتحدة استعدادهما لقبول تلك التسوية، فإن سكان ولاية "مين" رفضوا العرض، وأرادوا المنطقة المتنازع عليها بأكملها. وقد ذهبوا إلى حدّ المطالبة بدمجها كمقاطعة من أجل تأكيد سلطتهم عليها.
سبب اندلاع حرب أروستوك
تصاعدت حدة النزاع بين عامَي 1838 و1839 إلى حدّ الاقتراب من الصراع المسلح. فبعد انتخاب جون فايريفيلد حاكماً جديداً لولاية "مين"، أراد تأكيد سلطة ولايته على منطقة "مداواسكا"، فأرسل مجموعة مسلحة بقيادة روفوس ماكنتاير لمنع الحطابين الكنديين من قطع الأشجار.
وقد فسّرت السلطات المحلية لنيو برونزويك تلك الخطوة على أنها غزو لأراضيها، فأرسلت قوات إلى نهر سانت جون وألقت القبض على ماكنتاير وجماعته، الذين كانوا قد دخلوا في اشتباكاتٍ جسدية مع الحطابين الكنديين.
ما دفع حاكم ولاية "مين" الأمريكية، جون فايريفيلد، إلى إرسال ميليشياته العسكرية إلى المنطقة، رداً على اعتقال ماكنتاير؛ ما تسبب باندلاع حرب أروستوك.
ووفقاً لموقع Listverse، فإنّ تعزيزات عسكرية أمريكية وصلت إلى المنطقة الحدودية وقد بلغ عددها نحو 50 ألف جندي. فجرت مناوشات واشتباكات جسدية بين الطرفين المتنازعين، من دون استعمال الأسلحة النارية، ومن دون أن تسفر عن وقوع أيّ قتيل.
المرة الوحيدة التي استُعمل فيها السلاح خلال حرب أروستوك كانت خلال المعركة التي دارت بين جماعة ماكنتاير والحطابين الكنديين.
ففي خضم الاشتباك الجسدي بين المتخاصمين، الذي كان عنوان حرب أروستوك، اقتحم دب أسود ساحة الصراع وهاجم الجماعة الكندية. فأطلق أحدهم عليه بعض الرصاصات، ثم انسحب رفقة زملائه من ساحة المعركة.
وبهدف تجنب صراعٍ عنيف في المنطقة الحدودية، توصل وزير الخارجية الأمريكي جون فورسيث والسفير البريطاني لدى واشنطن هنري فوكس إلى اتفاقٍ، يُسمح بموجبه لمواطني نيو برونزويك بالبقاء في وادي سانت جون، مع احتفاظ سلطات ولاية "مين" بـ"مجموعة مسلحة" -وليس ميليشيا- على طول وادي نهر أروستوك.
وبموازاة ذلك الاتفاق، ومن أجل حماية مطالبهما الإقليمية، أنشأت كل من سلطات "مين" و"نيو برونزويك" سلسلة من المراكز العسكرية المتقدمة.
في صيف 1842، أُعلن عن تسوية الخلاف على المنطقة المتنازع عليها بشكلٍ رسمي ونهائي، من خلال معاهدة "وبستر أشبورتون"، الموقعة يوم 9 أغسطس/آب بين كاتب الدولة الأمريكية للشؤون الخارجية دانيال وبستر، وممثل عن المجلس الاستشاري الخاص لملك بريطانيا العظمى.
ونصت تلك المعاهدة التاريخية على تحديد نهري سان فرانسوا وسانت جون كحدود تفصل بين "نيو برونزويك" الكندية و"مين" الأمريكية، وأنه وعلى الرغم من أن الدولتين تشتركان في وادي سانت جون، إلا أن ولاية "مين" هي المالك الوحيد لوادي أروستوك.
كما مُنحت الولايات المتحدة حقوق الملاحة على نهر سانت جون، مما أرضى قاطعي الأشجار المحليين وشجَّع تنمية الغابات في شمال مين.